أولاً: البداية
والتأسيس:
ماذا بقي لكم أيها البعثيون لا بل ماذا بقي منكم أيها البعثيون ؟!بعد أن كنتم قد ملأتم الساحات والميادين والشوارع في الوطن العربي،بالنضال الوطني والقومي،من أجل تحرير الأرض والإنسان، وتوحيد الأمة العربية ،وتحقيق العدالة والمساواة بين الناس، وغرستم أفكاركم وآراءكم الوطنية والقومية الغضة،في أرض الوطن الأخصب، المستباحة من الاستعمار الغربي...
بعد أربعة قرون من الحكم العثماني الجائر والجاهل...، وذلك عبر جمعية الأحياء العربي الوليدة في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي نمت وترعرعت، واتسعت انتشاراً بين المتعلمين والمثقفين، وغزت ببريقها الخلاب قلوب وعقول الشباب،المتطلع بشغف إلى الحرية والاستقلال، والمتحفز للانقضاض بكل المخزون الهائل من الطاقات الإبداعية المتفجرة والهادرة، على أعداء الأمة الغاصبين،وبكل الوسائل والأدوات المتاحة والقادرة، على التصدي لهذا العدو الغاشم الجاثم على صدر الوطن العربي...،ثم تطورت وتعززت واشتد عودها،وتميزت وتوضحت أهدافها في التحرير الوطني والتوحيد القومي، عبر عصبة العمل القومي المناضلة في سبيل تحقيق هذه الأهداف السامية للشعب، باعتبارها الوريث الشرعي من حيث السياق والمسار لحركة الإحياء العربي....، التي قدم روادها وحاملوها عبر هاتين الحركتين، أغلى التضحيات والقرابين على مذبح الحرية والاستقلال في مسيرتهما الكفاحية ... ثم ما لبثت هذه الأفكار والمبادئ والأهداف المتداولة والقيمة، أن تبلورت وانصقلت أكثر،وتحددت بدقة وجلاء أكبر، وترسخت بقوة بإعلانها بكل الثقة والجدية والجرأة والوضوح، على الملأ للشعب العربي في سوريا وفي الوطن العربي، بولادة حركة البعث العربي من رحم هذا النضال الوطني المقدس عام 1943، التي ما انفكت تكافح وتقارع الاستعمار، بشجاعة وبطولة مع جماهير الشعب الأبي وقواه الوطنية القومية،حتى جلاء آخر جندي اجنبي عن ارض الوطن العزيز يوم 17/نيسان /1946 .،الذي أصبح عيد الاستقلال الوطني الأهم للأمة،الذي يحتفل بذكراه المجيدة سنوياً ...
ونعود للقول، إن الحدث الاهم الذي أعقب الاستقلال،هو ولادة حزب البعث العربي في 7/4/1947،الذي أقر عبر مؤتمره التأسيسي دستوره ونظامه الداخلي الذي تتضمن الدستور، اسم الحزب ،حزب البعث العربي (الاشتراكي ) وشعار الحزب، امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، وتعريف الحزب على أنه حركة قومية شعبية انقلابية، تناضل في سبيل الوحدة العربية والحرية والاشتراكية وهذه أهداف الحزب الجوهرية، وتتضمن أيضاً المبادئ الأساسية، والمبادئ العامة للحزب.....
أولاً: المبادئ الأساسية هي التالية:
المبدأ الأول: وحدة الأمة العربية وحريتها :
العرب أمة واحدة،لها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة واحدة، وأن تكون حرة في توجيه مقدراتها... ولهذا فإن حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر:
1- الوطن العربي وحدة سياسية اقتصادية لا تتجزأ،ولا يمكن لأي قطر من الأقطار العربية أن يستكمل شروط حياته منعزلاً عن الآخر.
2- الأمة العربية وحدة ثقافية، وجميع الفوارق القائمة بين أبنائها عرضية زائفة،تزول جميعها بيقظة الوجدان العربي.
3- الوطن العربي للعرب ، ولهم وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وتوجيه مقدراته.
المبدأ الثاني: شخصية الأمة العربية
الأمة العربية تختص بمزايا متجلية في نهضاتها المتعاقبة، وتتسم بخصب الحيوية والإبداع، وقابلية التجدد والانبعاث، ويتناسب انبعاثها دوماً مع نمو حرية الفرد ومدى الانسجام بين تطوره وبين المصلحة القومية ... ولهذا فإن حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر:
1- حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن مقدسة،لا يمكن لأي سلطة أن تنتقصها.
2- قيمة المواطنين تقدر ـ بعد منحهم فرصاً متكافئة ـ حسب العمل الذي يقومون به في سبيل تقدم الأمة العربية وازدهارها،دون النظر إلى أي اعتبار آخر.
المبدأ الثالث: رسالة الأمة العربية
الأمة العربية ذات رسالة خالدة،تظهر بأشكال متجددة متكاملة في مراحل التاريخ،وترمي إلى تجديد القيم الإنسانية،وحفز التقدم البشري،وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم .. ولهذا فإن حزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر أن:
1- الاستعمار وكل ما يمت إليه عمل إجرامي،يكافحه العرب بجميع الوسائل الممكنة،وهم يسعون ضمن إمكاناتهم المادية والمعنوية إلى مساعدة جميع الشعوب المناضلة في سبيل حريتها.
2- الإنسانية مجموع متضامن في مصلحته، مشترك في قيمه وحضارته، فالعرب يتغذون من الحضارة العالمية ويغذونها،ويمدون يد الإخاء إلى الأمم الأخرى،ويتعاونون معها على إيجاد نظم عادلة،تضمن لجميع الشعوب الرفاهية والسلام والسمو في الخلق والروح.
ثانياً: المبادئ العامة جاءت في /13/ مادة وتضمنت ـ تعريف بالحزب وأهدافه وباللغة العربية والوطن العربي، وبالعربي...، تعريف الحزب : عربي قومي اشتراكي شعبي انقلابي (ثوري )، يؤمن بالانقلاب الجذري على الواقع الفاسد ،شاملاً جميع المناحي الفكرية والاقتصادية و الاجتماعية والسياسية .... وتعاريف بالوطن العربي ـ و بالعربي ـو باللغة العربية ـ وإجلاء العنصري والمهاجر الاستعماري عن الأرض العربية ـ وبحقوق المرأة العربية ـ وبتكافئ الفرص للجميع .....
ثالثاً: المنهاج الذي احتوى على/35مادة /تضمنت الاتي :
سياسة الحزب الداخلية(نظام الحكم نيابي دستوري ـ ونظام الادارة لامركزي ..) وسياسة الحزب الخارجية ( تنطلق من مصلحة القومية العربية والعرب ....) ،وسياسة الحزب الاقتصادية ( نظام اشتراكي يضمن التقدم والازدهار والعدل والمساواة لجميع المواطنين ـ التملك والإرث حقان طبيعيان ،ومصونان في حدود المصلحة القومية المادة (34)..، وسياسة الحزب الاجتماعية،( الاسرة والنسل والزواج ــ الصحة للجميع ـ والعمل لجميع القادرين ـ ثقافة المجتمع ـ الغاء التفاوت الطبقي والتمايز ـ تحضير البدو ومنحهم الاراضي وإلغاء النظام العشائري ) وسياسة الحزب في التربية والتعليم ( خلق جيل عربي جديد يؤمن بوحدة امته وبرسالتها الخالدة، يأخذ بالتفكير العلمي الحر المنفتح المطلق، ويتمتع بروح التفاؤل والتضامن والنضال القومي، والتعليم وظيفة الدولة وحدها، تؤمنه للجميع ومجاني في جميع مراحله أيضاً...)
تعديل الدستور مادة منفردة:
لا تعدل المبادئ الأساسية والعامة، وتعدل بقية مواد الدستور بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الحزب،بعد اقتراح يقدم من اللجنة التنفيذية أو ربع أعضاء المجلس أو عشر أعضاء الهيئة العامة.
لماذا يا ترى لا تعدل المبادئ الاساسية والعامة ؟ولماذا لم يعدل الدستور منذ اقراره قبل 65 سنة؟ أي لماذا لم يعاد النظر بالدستور ولم تعاد صياغته بلغة العصر؟
وتلا ولادة البعث، فترة سميت بفترة الانقلابات العسكرية،التي بدأت بانقلاب حسني الزعيم في 30 آذار 1949 ، وكان أمريكي الهوى، فوقع على اتفاقية الهدنة مع اسرائيل،وعلى اتفاقية / التابلاين / لمد خط لنقل النفط السعودي إلى لبنان عبر الأراضي السورية، اللتين رفضهما البرلمان السوري آنذاك،لذلك جاء الانقلاب... ، ثم انقلاب سامي الحناوي على الزعيم في 14آب 1949، وكان انكليزي الهوى، فوقع على اتفاقية (أ.ب.س) لمد خط لنقل النفط العراقي الى الساحل في سوريا ولبنان عبر الأراضي السورية، وقام بإعدام حسني الزعيم، ورئيس وزرائه محسن البرازي بعد محاكمة سريعة دامت يومين فقط، ثم جاء انقلاب فوزي السلو على الحناوي في 19/12/1949 بتدبير أديب الشيشكلي السري، وصار السلو وزيراً للدفاع في ظل حكم رئيس الجمهورية هاشم الآتاسي (15/8/1949 ـ2/12/1951)، ثم رئيساً للدولة في 3/12/1951 لغاية 11/7/1953، حيث أعلن أديب الشيشكلي الانقلاب على السلو، ونصب نفسه رئيساً للجمهورية لغاية 25/2/1954، حيث جرى انقلاب القومي على الشيشكلي، الذي غادر البلاد إلى البرازيل حقناً للدماء نتيجة تمرد مصطفى حمدون في حلب واستجابة معظم تشكيلات الجيش له، لكن الشيشكلي قتل هناك على يد شاب من السويداء،انتقاماً لقصفه السويداء بالدبابات والطيران ....، والغريب أن الشيشكلي قد شارك في الانقلابات الثلاثة السابقة لانقلابه...!! وصحيح ان حكم الشيشكلي حكماً ديكتاتورياً قاسياً ومرفوضاً، لكنه قام وهو رئيساً للمجلس العسكري الاعلى الذي ألّفه في ظل حكم السلو، وكذلك وهو رئيساً للدولة، بتنفيذ ما كان يحلم به، من أعمال جريئة وحاسمة وسريعة لبناء دولة حديثة ، وسن التشريعات والقوانين لمصلحة عامة الشعب، وخاصة الكادحين والمحرومين منه، وهذه فضيلة يستحق التقدير عليها ...!!
ورغم مثالب الحكم العسكري الكثيرة ... ، فإنني بالمناسبة، اعتقد انه كان، بل ولا يزال حرق مراحل التطور، يتطلب وجود حكام لاديمقراطيين ( ديكتاتوريين )، أفراداً كانوا او مجموعات متفردة، يملكون الوعي والعلم والدراية الكافية، ويتمسكون بالأخلاق والقيم الرفيعة، ويتمتعون بالعزيمة والإرادة والجرأة، والاهم أن يتصفوا بالعدل والإنصاف، لنقل الدول المتخلفة ( النامية ) من حالتها المزرية إلى مصاف الدول المتقدمة المحترمة، كما جرى بشكل ما فيما سمي بدول نمور جنوب شرق اسيا السبعة...، تايلاند وماليزيا ...، وهو الطريق المختصر والأسرع والأنجع والأقل كلفة وإيلاماً، والأكثر تفاؤلاً وأحلاماً مشروعة قابلة للتحقق والوجود السريع علمياً وعملياً........
ثانياً: الوحدة والبعث والثورة:
وبذلك انتهت مرحلة الانقلابات العسكرية في سوريا ،وبدأت مرحلة الحكم البرلماني الديمقراطي، و تفتحت ورود الديمقراطية فيها، وازدهت أزهارها بألوانها الرائعة، وفاحت روائحها العطرة في كل أرجاء الوطن، وانتشى حزب البعث بانتصاره في الانتخابات البرلمانية الديمقراطية، العائدة الى الساحة السياسية منتصرة، حيث حصد / سبعة عشر / نائباً، وأصبح لديه كتلة برلمانية صغيرة تنافس كتلتي حزب الشعب والكتلة الوطنية.
مع العلم ان البرلمان آنذاك،كان قد اختار السيد هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في 28/2/1954، أي بعد ثلاثة أيام فقط على رحيل الشيشكلي....
وبدأ المد الوطني القومي الثوري،يجتاح ساحات الوطن العربي الكبير وميادينه، وأسقطت الجماهير بنضالها حلف بغداد ونظرية الفراغ لجونسون، ولأول مرة تكسر سوريا احتكار السلاح، بعقدها صفقة الأسلحة مع تشيكوسلوفاكيا الشهيرة عام 1955، التي اعتبرت خطوة استراتيجية وطنية جداً، شجاعة جداً، وهو العام نفسه الذي جرى فيه (21/4/1955) أيضاً، اغتيال القائد العربي البعثي الكبير العقيد عدنان المالكي، الذي يحتفل بذكراه سنوياً في سوريا، ووقفت سوريا والبعث ضد العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر، وقفة الاخوة والقوة والشموخ، وقام الثائرون في سوريا بتفجير خط أنابيب التابلان النفطي،تضامناً مع مصر ضد العدوان...، الذي صمد شعبها بصبر، وتصدى لهذا العدوان ببسالة وفخر، في كل مكان في البلاد، وخاصة ملحمة بور سعيد العجائبية الشهيرة، الذي ساهم أولاً وبقوة في دحر العدوان، وإفشاله نهائياً ...، وكذلك فأن وقوف أمريكا ضد العدوان، الطامحة لاقتلاع الاستعمار القديم والحلول محله، بما قدمته للمعتدين من إنذارات ونصائح صديقة ساهم ثانياً في دحره وإفشاله أيضاً...، وثالثاً كان الحاسم والفاصل انذار بولكانين السوفياتي الأشهر، وتوقف العدوان واضطرت اسرائيل للانسحاب مكرهة من أراضي مصر تماماً، وسقطت حكومات الدول الثلاث، المشاركة في العدوان نتيجة فشل الحرب الاستعمارية الظالمة والقذرة، التي تستوجب محاكمة دولية عادلة لقادتها الاشرار ... ، وفي العام نفسه تمت خطوة استراتيجية انسانية عالمية، وهي انعقاد مؤتمر باندونغ في أندونيسيا ،بحضور 29 دولة، وحضور اشهر قادة العالم آنذاك، أحمد سوكارنو، وجواهر لآل نهرو (الهند )، وعلى مهاتير بوتو( باكستان) وجمال عبد الناصر (مصر) وجوزيف بروزتيتو (يوغسلافيا)
وانبثقت عن المؤتمر ،مجموعة دول عدم الانحياز،كقوة عالمية ثالثة كبرى،بعد أمريكيا والاتحاد السوفياتي، ولعبت دوراً هاماً جداً في السياسة الدولية لمصلحة البشرية ... وأصبحت لها قيادات ومؤتمرات تعقد سنوياً، أو عندما تقتضي الحاجة والضرورة الاستثنائية لذلك، ورغم فتور همتها، وتضاؤل فعالية دورها خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ...، واعتقد بعد بدء انهيار نظام القطب الواحد في السياسة الدولية العالمية، ستعاود نشاطها وممارسة دورها الايجابي في السياسة الكونية لما فيه المصلحة الانسانية حتماً...، وتكالبت القوى الاستعمارية على سوريا، واشتدت عليها المؤامرات والضغوطات، التي تستهدف أمنها، وخطها القومي الثوري التي أصبحت نبعه الأصيل والغزير، ومصدر انطلاقته الهائلة الكاسحة، فكانت كل الظروف، تمهد وتحضر لقيام الوحدة بين سوريا ومصر، التي تحققت في 22/2/1958 وولادة الجمهورية العربية المتحدة، وجمال عبد الناصر رئيسها، وأصبحت سوريا الاقليم الشمالي، وكان ثمن هذه الوحدة على الصعيد الحزبي باهظاً وقاسياً جداً...، فقد أعلنت القيادة القومية قراراً فوقياً خطيراً جداً، بحل حزب البعث في سوريا، بدون أن تأخذ رأي القيادات والقواعد بالقرار حسب النظام الداخلي، لذلك كان قراراً تعسفياً جارحاً، وجريمة نكراء بحق النضال العربي كله، لما ترتب عليه من عواقب كارثية...، ولقد بكى الكثير من الرفاق عندما قرئ عليهم القرار، وبكى لاحقاً الكثير الكثير من أحرار وأشراف العرب والعالم بمرارة وحزن شديدين على الوحدة، وعلى التضامن العربي الايجابي المثمر، وعلى القوى الوطنية التقدمية ودورها الفعال وديمومته الملحة، لما أصابها وأصاب المد القومي الثوري العظيم، من انتكاسة وأذى بالغين أيضاً.....
وكان تبرير القيادة لذلك ساذجاً، إذ قالوا انهم،ضحوا بالحزب من أجل الوحدة، أهم وأقدس أهدافه...، ولكن المفاجأة الكبرى كانت إقصاء رجالات البعث عن السلطة، لا بل وملاحقة بعضهم ...، فكان ذلك سبباً وجيهاً في قتلها، أي الوحدة، التي كان حكماً، البعث ضمانة وجودها ومنعتها، وحارسها الأمين القوي والقادر، لأنها كانت بالنسبة له كالوليد الغالي جداً...، فجاء الانفصال المشؤوم في 28/9/1961، بقيادة عبد الكريم النحلاوي وزمرة ضباط التي اعتمدتها قيادة الوحدة آنذاك وفي هذا كان مقتلها حتماً ...، وعاد البعث للوجود بتنظيمين قطري وقومي، وحدهًما بشكل ما، والى حد ما، انتصار انقلاب 8/آذار/1963 الوحدوي، الذي نفذه الوحدويون بقيادة البعث، بهدف إعادة الوحدة مع مصر، وعودة الجمهورية العربية المتحدة للوجود، ولكن البعث اشترط توفر مستلزمات ومتطلبات تضمن لها الحياة والديمومة ...، وأهمها وجود الأحزاب السياسية الوطنية في سوريا على الأقل، لكن جمال عبد الناصر رفض ذلك...، وفي السياق نذكر فشل مشاريع الاتحادات العربية ثلاثية كانت او رباعية، والتي شملت سوريا ومصر والعراق وليبيا أيضاً، ودفنت الأحلام الوحدوية على أعتاب القطرية وأنانية السلطة، والأمل يكبر بتحول الجامعة العربية الى اتحاد الدول العربية كالاتحاد الاوربي مثلاً، وحسم البعث الصراع بين البعثيين والناصريين، بقمعه حركة 17 تموز التي قام بها الناصريون...، وإجهاض حركة 8 أيلول من العام نفسه، بزعامة سليم حاطوم، الذي أعدمته السلطة بعد إعطائه الأمان حتى حضر من الاردن وسلم نفسه لها....!!والله أعلم
وتفرد بذلك حزب البعث العربي الاشتراكي بالسلطة، وأصبح قائداً للدولة والشعب، الى أن قامت حركة 23/شباط/1966، مستخدمة العنف لإقصاء القيادة القومية التاريخية بقوة السلاح متهمة إياها بالتردد والضعف واللاثورية ... وقد وضع الانقلابيون البعثيون مقررات المؤتمر القومي السادس 1963،ع لى طريق التطبيق العملي في سوريا، باجراءات عملية اشتراكية...، مع قيامها بعملية تثقيف واسعة وإلزامية للجهاز الحزبي جادة ومسؤولة، بالإضافة للمتابعة الحثيثة لها وتقييمها من القيادة المسؤولة عن ذلك، وأعطت أُكلها سريعاً، برفع سوية الوعي لدى أغلب الرفاق الجادين والمخلصين فعلاً وحقيقية لا انتهازاً ورياءً...!! وقد أدينت الحركة إدانة واسعة وشديدة، من أغلب القيادات والقواعد الحزبية الواعية والمسؤولة، مبررة ذلك أن هذا الأسلوب سيكون سابقة خطيرة جداً، وهو استخدام القوة لحسم الصراع الفكري والسياسي في الحزب الواحد، رغم ذلك عملت قيادة 23 شباط، على قدر ما استطاعت على ترسيخ القيم النضالية والثورية، والسير الحثيث في البناء والأعمار، ونشر العدالة الاجتماعية ...،إ لى أن قامت الحركة التصحيحية في 16/11/1970 بالأسلوب نفسه وأقصتها بعد ان اتهمتها،بأنها قيادة مناورة متسلطة متهورة وطوباوية، في أغلب ما طرحت من شعارات غير قابلة للتطبيق فأغلبيتها كانت صعبة جداً ،إن لم تكن مستحيلة....!! فقد قاد الرفيق الراحل حافظ الاسد ،الحركة التصحيحية ضد المؤتمر القومي المتعثر والمبعثر، وليس ضد قيادة فحسب...، وبدأ مع كادره ببناء سوريا بأسلوب عصري وسريع، وأعد البلاد لحرب تشرين التحريرية المباركة في 6/10/1973 مع حرب الاستنزاف، التي حررت جزءاً غالياً من الوطن،ومنه القنيطرة الشهيدة ...، والتي انتصبت شامخة بجوار الأنقاض، التي تدل على وحشية وهمجية العدو الاسرائيلي .