ثالثاً: المؤتمر
القومي الثاني والثالث عشر للبعث :
انعقد المؤتمر القومي الثاني عشر في عام 1975، ووضع القائد التاريخي الامين العام للحزب أفكاراً وأراء جديدة، لتطوير فكر الحزب ومنطلقاته النظرية، ومن أهمها مقولته الشهيرة: أنه لا شرط لدينا لقيام الوحدة إلا قيامها، وفي هذا المؤتمر أقر تعديل ترتيب أهداف الحزب ،لتكون وحدة حرية اشتراكية ...، فأولية للوحدة الأهم بين الأهداف، وقدم لذلك المبررات الضرورية ومتطلباته أيضاً ...
وعرض صيغها وأشكالها الممكنة، بدءاً من أبسطها، وهو عدم التنافر والتخاصم والتنابذ والمهاترات، إلى إيقاف الحملات المؤذية، والكف عن سوق الاتهامات الافتراضية الضارة جداً، إلى خلق المناخ الملائم للتنسيق والتفاهم، وإنشاء العلاقات النية الودية المثمرة، الى التضامن والتعاون الفعال في كل المجالات الهامة والممكنة، كحد أدنى ضروري لخلق تكتل ذي وزن دولي، في عصر التكتلات والتجمعات السياسية والاقتصادية الدولية، علنا نحجز موطئ قدم لنا في هذا العالم المتوحش ... ،مما يسهل علينا السير الى اتحاد الدول العربية بأنظمتها المختلفة، ومن ثم إلى الوحدة الاتحادية العربية الشاملة المنشودة ...، وكرس الأسلوب النضالي الأصيل والشاق الجاد والمستدام، لتحقيق النصر في التحرير والتوحيد المنشود، وأهم ما يميز هذا المؤتمر هو الالحاح الشديد على موضوع الوحدة العربية قدس أقداس الشعب، وأن هذا المؤتمر يعتبر من أهم المؤتمرات في تداول الأفكار والآراء والمواقف القيمة، بشكل موضوعي عقلاني منفتح مسؤول وعملي، وفي إقراره لخطة عمل الحزب وقياداته في المرحلة الراهنة والاتية جادة وملزمة للجميع ...
وانعقد المؤتمر القومي الثالث عشر عام 1980، وعدل بالنظام الداخلي للحزب، في توجه أكثر نحو الديمقراطية، بالنص / بأنه يحق لكل مؤسسة حزبية في اجتماع نظامي عادي أو إستثنائي، ان تسحب ثقتها من قيادتها كلاً أو جزءاً وتنتخب بدلاً عنها في الاجتماع ذاته / لكنه مع الاسف لم يوضع موضع التطبيق حتى الآن، وفي عام 1984 مرض القائد الأمين العام للحزب، فهبّ الطامعون بالسلطة،وحصل الصدام بين أنصار الرئيس وأنصار شقيقه رفعت الأسد، وكاد يتطور إلى نزاع مسلح، عندما التقت دبابات الفريقين، والله وحكمة القائد والعقلاء من القادة،وضعوا للأزمة حلها، وأصبح رفعت نائباً لرئيس الجمهورية رسميا، ورفّع العماد مصطفى طلاس إلى عماد أول، وعين نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء، وهكذا وضعت الأزمات أوزارها، على حساب الحزب والوطن والقائد، فالخلاف كان،مع الاسف الشديد، كما ظهر فيما بعد، هو على الخلافة ليس إلا ....، حيث عقد المؤتمر القطري الثامن للحزب ،الذي مهدوا له وهيئوا، وأعلنوا بوضوح أن القصد الحقيقي منه، هو التصحيح والمحاسبة والتطهير ليس إلا، وبالإعلام فعلاً، واستنفروا لذلك كل الوسائل المتوفرة للنشر، وبأنه سيكون هذا المؤتمر ثورة ضمن الثورة، لما حفل به من المعلومات العالية القيمة والتفصيلية، حتى لم يبق شيء يستحق، أو لا يستحق، لم يتطرق إليه بالعرض وبالتحليل والنقد والتقييم والاقتراح، فقد كان شاملاً لكل المشاكل والأزمات التي عانى ويعاني منها المواطن، وفعلاً كان المؤتمر فاعلاً وغنياً جداَ بالمعارف والأفكار والآراء والمواقف والتوصيات العلاجية، بالإضافة للعرض الامين للإنجازات الكبرى الإعجازية قياساً للتمويل المتوفر بعد الثراء الفاحش للفقراء المساكين...!!
حتى ان الرفيق الأمين العام اقترح جمع لجان المؤتمر الثلاث في لجنة واحدة، لما يطرح من آراء وأفكار ومعلومات غاية في الأهمية غزيرة وقيمة جداً، في كل منها، وهو يريد أن يستمع للكل ولكل شيء بدقة وشمولية وتم له ذلك لأسبوعين متتالين ... ، وانتهى المؤتمر بعد أن اقر كافة المقررات والتوصيات في كافة مجالات عمله واختصاصه وصلاحياته، والتي ذات قيمة عالية وتأثير كبير جداً فيما لو نفذت فعلاً، بقيادة أمينة وشريفة ومؤهلة حكماً....!! انتهى باقتراح الامين العام أسماء اللجنة المركزية للحزب وموافقة الرفاق أعضاء المؤتمر عليها، ثم وباقتراح أسماء القيادة القطرية على اللجنة المركزية التي وافقت عليها حكماً، وجاءت قيادة توفيقية تصالحية مصلحية ...، وكأنك يا زيد ما غزيت...، وكل شيء عاد كما كان وأردأ. وبالتالي كانت نتيجة أعمال المؤتمر الثورة، مخيبة للآمال ومحبطة للطموحات والتطلعات المشروعة والزاهية، التي أصبحت كاليد في الفم كما يقال، فنامت سوريا خمسة عشر عاماً.نوماً عميقاً.....!! فقد كانت متقدمة حضاريا بكثير على أغلب نمور جنوب شرق آسيا، لكن كان تقدمها خلال ذلك بطيئاً جداً، لأن القيادات تكلست، واستهترت وأهملت، وتصرفت بأغلبها بما يحقق مصالحها ومصالح المحاسيب والأنصار، وانتشر الفساد بفورة كاسحة وغير مسبوقة، فلا مؤتمرات حزبية انعقدت، ولا مارست مجالس الشعب دورها في ذلك، وبالتالي لا يوجد حتى احتمال المساءلات أو المحاسبات، عما فعل المؤتمنون على قيادة السياسة الداخلية، بكل جوانبها ومطارحها ومجالاتها ومراميها في سوريا، فساءت الأوضاع، وانتشرت الأزمات، وأصبح لدينا أثرياء أزمات بالفعل كأثرياء الحرب، كما جرى ويجري في سوريا 2011 منذ آذار ولا يزال...، وبالمناسبة أسألوا أين خدام ورفعت وجوداً ودوراً ومكانة؟ وبالجواب تعرفون مصير الجوقة المتماهية معهما ....!!
بالمقابل وللحقيقة والإنصاف، فأن القائد الخالد، رغم مرضه، قاد أكبر وأشرف وأقدس معركة تحرير وطني في تاريخ العرب المعاصر، بوقوفه القوي الباسل والقادر مع المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية وغيرهما ...، بكل الصدق والجد، والفعالية والقوة والمتابعة المستدامة، وخوض المعارك الدبلوماسية والسياسية، المرافقة والمطلوبة لتصليب المقاومة واشتداد عودها ،وممارسة نهجها الجهادي والاستشهادي، لأنه بذلك تحقق اكبر نصر في تاريخ العرب المعاصر على إسرائيل، وإجبارها على الانسحاب المذل من لبنان، هاربة تاركة خلفها عملاءها، كما أجبرتها المقاومة الفلسطينية على الانسحاب من غزة، وإخلاء مستوطناتها منها، وهذا انتصار رائع لنهج المقاومة أيضاً، فإذا أردنا الامانة والإنصاف، نقول مؤكدين، أن الرئيس حافظ الأسد قاد معركة كبرى هامة وخطيرة وناجحة خارجياً، وخاصة ضد الاحتلال الاسرائيلي العنصري والوحشي المدعوم دائماً امريكياً وغربياً، قادها بجدارة واقتدار، وبنجاح باهر أيضاً ...، يستحق عليه ان يعلق على صدره وسام النصر المؤزر، الرائع والمعجز للمقاومة الوطنية اللبنانية وأختها المقاومة الفلسطينية وغيرهما ... التي احتضنها من ألفها الى يائها، منذ النشأة وطيلة زمن النضال ولا يزال ....، ويدعمهما ويرعاهما بكل الظروف وبكل الوسائل المتاحة، وقد خلفه في ذلك شبله وزاد، ولا يزال ...، الذي مكنها من إجتراح المعجزات التحريرية الباهرة، كما تعلمون، فهذه حقيقية واقعة وصحيحة ومشرفة ، لكنه في السياسة وعلى مستوى الحكم في الداخل (ينطبق علينا المثل من برا خام ومن جوا سخام) وبالفعل كان السخام في الداخل حقيقياً وواقعا ومُعاشاً أيضاً.....!
فقد كانت سوريا، باختصار، مزرعة للذين ائتمنهم القائد عليها، فعاثوا فساداً في اغلبهم، وأثروا وأفسدوا كثيراً ...، مما جعل الفساد يفرخ ويتوالد، كالنمل أو النحل تكاثراً وانتشاراً، فتجذر الفساد واستطون واستشرى واستوقح وتمادى واختال على الناس علناً، وكأنه ملك ساحة الوطن وزمام الأمر فيها ولا يزال ....، وهذا يعتبر من اكبر الأسباب المساعدة على تسرب الأزمات إلى سوريا...، التي هيأت المناخ الملائم للحرب العالمية اللاعسكرية الشرسة للغاية عليها، وكذلك مهد السبيل في الداخل للغزو المسلح الإرهابي للعصابات المسلحة، المتمادي في إجرامه والمتابع بإصرار، إلى أن يستجلب التدخل العسكري الخارجي، لقتل وتدمير وإحراق سوريا، وتفتيتها لدويلات طائفية ومذهبية هزيلة ومتنازعة باستمرار، لضمان امن الوجود والدوام لإسرائيل وتأمين السيطرة والهيمنة لها على المنطقة كلها ...
رابعاً: مراحل الضياع والأمل الخائب والمشرق :
وهذه مرحلة خاصة بالبعثيين الاصلاء المخلصين، المؤمنين بأهداف وأفكار ومبادئ البعث، والملتزمين بقراراته وآرائه ومواقفه النضالية المشرفة، أقول فيها أنها كانت مرحلة انقراض البعثيين هؤلاء،التي بدأت في أخطرها، بقرار حل حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا بداية عام 1958، الذي كان قراراً تعسفياً فردياً وفوقياً، جاهلاً وانفعالياً، بدون أن يُتهم أصحابه، إلا بمخالفة النظام الداخلي، مخالفة صريحة وكبيرة وخطيرة،لا بل كانت صاعقة وقاتلة بالنسبة لرفاق الدرب،فلا مؤامرة ولا خيانة،لا بل ارتجال واستعجال غير عقلاني وغير محسوبة نتائجه ...!!
والمرحلة الثانية المساهمة في انقراضكم أيها البعثيون،كانت حركة 23 شباط 1966،التي أقصت العديد من القادة التاريخيين وغير التاريخيين، وأغلب البعثيين المثاليين، المتمسكين بحزبهم ووحدته الفكرية والتنظيمية البعثية، وبصلابته وحضوره الفاعل جداً، فبعض هؤلاء كان قد أنشأ تنظيماً قطرياً للحزب بعد حله في سوريا، بمعزل عن القيادة القومية آنذاك، وكان لهذا التنظيم القطري في الواقع والحقيقة حضوراً فعالاً، وتأثيراً إيجابياً على الحركة الوطنية العربية الثورية،خاصة في زمن الانفصال، رغم عودة التنظيم القومي للعمل على ساحة القطر رسمياً ...، ففي هذا الزمن (مرحلة الانفصال وما قبله) ضاع منكم من ضاع، وترك من ترك، وغضب من غضب ولم يعد للحزب ...، واستمر من استمر هنا وهناك، وبقي البعث حياً وقوياً إلى أن جاءت ثورة 8 آذار 1963 فانصهر التنظيم القطري في أغلبه في الحزب الأم الموحد جدياً ...، فتدفق إلى الحزب طوفان من الراغبين بالانتساب إلى الحزب، فمن هؤلاء منهم الوطني، المؤمن بأهداف ومبادئ الحزب حقيقة وفعلاً، ومنهم من كان مثل هؤلاء، ولكنه متردد في الانتساب إلى الحزب، تهرباً من تحمل المسؤولية النضالية، أو تحاشياً لقمع السلطات ومطارداتها المتعاقبة، والبعض الأخر وطني ووحدوي، لكنه راغب بتسلق السلطة بسرعة وعلناً ...
وقد جاءته الفرصة على طبقٍ من ذهبٍ مميز،لكنه مستعجل جداً، لذلك يسقط غالباً ...!! والبعض الأخر فعل مثل السابق هذا، لكنه أخبث وأعمق فكراَ وأكثر روية، وأكبر طموحاً ...، وعلى مر الزمن تسلل هذا و(أمثاله) إلى الحزب بكل هدوء وتأني ...، وبدأ بأكبر عملية تثقيف ذاتي سياسي وحزبي، ليكون الأفهم والأوعى والأكثر استيعاباً لفكر الحزب ودستوره ونظامه الداخلي وبعض منطلقاته النظرية، فقد أصبح لديه القدرة المعرفية، حتى على أن يناظر بهذا، ومزوداً بقدرة عالية على إظهار الالتزام الطوعي الواعي والمسؤول، بأوامر القيادة وتعليماتها على مختلف مستوياتها، وهكذا تسلق السلطة بقوة وثقة وثبات ومسك بها وبمفاصلها، وجاءت فرصته ليزيحكم أيها البعثيون من الطريق تدريجياً بكل الوسائل المتاحة، ترغيباً أو ترهيباً، إهمالاً وتهميشاً، أو استفزازاً بالتباهي بما وصلوا إليه، ولوماً لكم على بقائكم كما أنتم...،ل ا بل ربما تراجعتم...،!! فلم يبق لديكم شيء تتمسكون به، إلا اللهم ذكرياتكم النضالية وتضحياتكم الغالية، التي سجلها التاريخ شاء هؤلاء ام أبوا ...، فانتم طليعة واعية، ناضجة ومناضلة، شريفة وزاهدة بمباهج ومغريات العصر، كنتم للنضال،وكان النضال لكم، فانظروا ماذا بقي لكم أو بالأحرى انظروا ماذا بقي منكم على ساحة الوطن، وخاصة في تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي، فلا تقفوا كثيراً على الأطلال ...، وما أدراكم ما الأطلال....!!
فأنتم لو شاء قائد الحزب والوطن، ونادى عليكم، أين أنتم أيها البعثيون الكرام، نحن والوطن الآن بأمس الحاجة لكم، ونحن على منوالكم ناسجون، وعلى دروبكم سائرون، وعلى تضحياتكم حافظون ...، وسنجدكم بالتأكيد تقولون لبيك يا بعث العرب، لبيك يا وطن العز، لبيك يا أسد الوطن ...، وهذا نقوله حازمين للحقيقة والتاريخ ...، فاشهدوا...، وكانت المرحلة الثالثة الاخيرة،للمساهمة في انقراضكم، هي قيام الحركة التصحيحة الرائدة، حيث كان معها من كان وكان ضدها من كان، وغادرها وغادر بالتالي البعث من غادر، ولم تسمح الظروف والممارسات المعيقة بعدها، في الداخل من عودة احد من هؤلاء البعثيين المغادرين الى صفوف الحزب، فازدادت قلتكم قلة، وكبرت الكثرة الحاكمة كثرة، وهكذا خلال ثلاثين سنة تساقط من تساقط على الطريق النضالي، وبقي من بقي، ومل من مل، لا بل يأس من يأس، وتكلست قيادات الحزب على كافة مستوياتها، كما ذكرنا، لاستمرارها أكثر من خمسة عشر عاماً /1985ـ 2000/، بدون أي حراك سياسي فاعل، أو تغيير في الممارسة، أو التوجه والنشاط، لغياب انعقاد المؤتمرات الحزبية القطرية والقومية،فكانت الساحة السياسية كبحيرة راكدة نمت فيها كل أنواع الطفيليات المفيدة والضارة على حد سواء، وكان يراد للوطن العربي، فيما لو انتصر المشروع الامريكي في المنطقة، أن يصبح مقسماً اكثر مما هو مقسم، وليستمر هذا الأجنبي بنهب ثرواته وخيراته،خاصة النفط والغاز الى ان ينضبا ...!!
وفي 10/6/2000 رحل القائد التاريخي الى رحمة الله...، وجاء القائد الشاب العلماني المنفتح، والخلوق والقوي الشكيمة، الى قمة الحزب والسلطة في سوريا، وطرح مشروع الاصلاح الهام، تحت شعار التحديث والتطوير...، وارتاحت الناس واطمأنت لهذا القائد الوطني القومي والإنساني وأحبته، وبادلها هو المحبة والمودة، ووثق بها واحترمها أيضاً، وسار معها بصدق وأمانة وبساطة، الى ساحة العمل الجاد والبناء الحديث، والى واحة النقد والتطهير والتوحيد، ولكن طواغيت الغرب، لم يسمحوا له بانجاز برنامجه الاصلاحي الضروري الملح كما يجب، حتى يجدوا لاحقاً الحجة للغزو الدولي الارهابي على سوريا،ب كل انواع اسلحة القتل والدمار المتوحشة، المعنوية والعسكرية ...،ك ما جرى ويجري فيها منذ آذار 2011 وحتى الآن ولا يزال ...، ولم يكن الداخل السوري أفضل حالاً من الغزو الخارجي، بل ربما أسوأ، لأن سلاطين الفساد وحيتان البلاد، كانوا عقبة كأداء في وجه المشروع الاصلاحي هذا ...
بالإضافة الى ذلك، فإن الأهم هو ما طرحه في المؤتمر القطري التاسع، من أفكارٍ وآراءٍ تغييرية تطويرية تحديثية لفكر وعقائد الحزب، بحثاً عن الأفضل لهذا الحزب ومنطلقاته النظرية، رغم كل الهزات والانهيارات التي أصابته، لكنه مع الآسف الشديد جداً، اتبع الأسلوب غير الديمقراطي نفسه،ا لذي مارسه الرفيق القائد الخالد في المؤتمر القطري الثامن...، بحيث رشح في المؤتمر القطري التاسع أعضاء اللجنة المركزية، ورشح لها أيضاً اعضاء القيادة القطرية ووافق المؤتمرون عليها...!! وهذا ليس أسلوب الديمقراطية المركزية الصحيح في الحزب، وتكرر للآسف الشديد أيضاً الأمر ذاته في المؤتمر القطري العاشر، فكانت القيادتان القطريتان اللتان جاءتا بعد التاسع والعاشر قاصرتين عن اداء مهامهما الهامة، وتنفيذ ما طرحه الرفيق القائد من آراء وأفكار إصلاحية قيمة....، لا بل وزادوا في الخلل،حيث تصوروا أيها البعثيون أن اللجنة المركزية للحزب المؤتمنة والمنتخبة، تفوض بقرار منها الأمين القطري بصلاحياتها، في انتخاب القيادة القطرية...، لا بل وتزيد عليه، بقرار آخر يمكنها فيه، في أي اجتماع نظامي لها، أن تسحب ثقتها من احد أعضاء القيادة أو كلها،وتنتخب بدلاً عنها، ولكن بناء على طلب من الأمين القطري....!!
وفي القرارين يرجع الأمر مركزياً إلى الآمين القطري انتخاباً كان أو ترشيحاً أو طلباً فلماذا ..؟! فهل هذه من الديمقراطية المركزية بشيء،وهل وصل الأمر بها إلى هذا الحد من الاتكالية وعدم تحمل المسؤولية، وعدم ممارسة صلاحياتها حسب النظام الداخلي ؟! لا بل ان تتخلى عنها طواعية ونفاقاً وانتهازاً أيضاً، فهذا أعجب....!!أعان الله الرفيق القائد عليها وعلى أمثالها ...، فلماذا هذا التنازل عن صلاحيتك، أيتها اللجنة المركزية التي تمثلين المؤتمر القطري في غيابه ؟! وكل ذلك يدل على أن اغلب من تسلم للمسؤولية السياسية والحزبية، كان إتكالياً متهرباً من تحملها ومن ممارسة صلاحياته الممنوحة له بالقانون والنظام، حفاظاً على مناصبهم الهامة وعلى امتيازاتهم الشخصية الكبيرة جداً، وبالتالي على كراسيهم اللعينة والجاذبة جداً ...، وتركوا أغلب أعباء السلطة والوطن والمجتمع على كاهل الرفيق الأمين القطري رئيس الجمهورية، وهذا جعل اغلب المسؤولين، ينسحبون من ساحة المسؤولية والقرار والعمل والنشاط والفعالية ...
واليوم المؤتمر القطري الحادي عشر على الأبواب، فأرجو لكم أيها البعثيون الباقون على العهد داخل الحزب (وخارجه)، أن تتكلل أعمال المؤتمر بالنجاح وستكون النتائج إيجابية جداً، فقط إذا التزم جميع الرفاق بنصوص النظام الداخلي، وتركوا الأمر يسير بحرية وشفافية ويسر، واتخذوا خطوات صائبة وواثقة وناجحة بإذن الله، بعيداً عن أسلوب التعيين والتدخل المباشر وغير المباشر المتبع عادة، وغير المناسب غالباً ...،ا لذي هيمن على القرار والفعل، خلال مسيرة الثورة الظافرة ولا يزال، وضيق الخناق عليها، وعرقل خطواتها الثورية المنشودة، وأضر كثيراً بسمعتها، وأساء جداً لها ولمؤيديها وأنصارها أيضاً، ولم يأتي بالأفضل بالمطلق...، وما الانتخابات الحزبية، والانتخابات العامة لمجلس الشعب، إلا المثال الأكبر والأنصع على دوره المعطل والمشوه، كما في الديمقراطية العرجاء، لا بل ربما الكسيحة....، التي عانى الأمرين منها الناس ومن تطبيقها الزائف والمكرر طبق الأصل...!! فكانت أغلب نتائج الانتخابات الحزبية أو العامة، معروفة سلفاً، خاصة بعد صدور القوائم الانتخابية، ليس فقط لأصحاب القرار بل ولعامة الناس أيضاً....!!
وتحط المعركة الانتخابية الأساسية رحالها فوراً...، وهكذا فالذي كان يجري ليس إلا المصادقة على ماهو مقرر، وإضفاء الشرعية عليها (أي على الانتخابات)، وعلى نتائجها، وبالتالي أداء دور شاهد زور بجدارة، وهكذا دواليك ...، وآسفاه ...!! رجاءً يا رفاق الدرب، طبقوا النظام الداخلي، خاصة لجهة الديمقراطية المركزية، واتركوا الرفاق يعبرون عن آرائهم بصراحة وشفافية، ويختارون بسرية ونزاهة من يرون مناسباً، لقيادة المرحلة التاريخية العصيبة والخطيرة،التي تمر بها سوريا والأمة العربية، وأعتقد جازماً، أن أعمال المؤتمر بذلك، ستكون في غاية الأهمية والصدقية والمسؤولية والنجاح، وستلمسون بأنفسكم صحة أعمالكم وجودتها، من ردود أفعال قواعدكم وجماهيركم وجماهير الشعب العربي عامة، المعبرة عن رضاها ومباركتها لانجازاتكم القيمة، فانتصروا لأنفسكم وانتخبوا الأكفأ والأجدر والأوعى ...، تنتصرون ...وبذلك تنتهي، على ما اعتقد مرحلة انفصام الشخصية المرضي، بين النظرية والتطبيق في الحزب، وينتهي الطلاق البائن بينهما إلى الأبد أيضاً ...، ويعود البعث بكل الانسجام والتآخي والتفاعل البناء بين النظرية والتطبيق، لإستكمال مسيرة التحرير والبناء والازدهار ،وتحقيق الأهداف المقدسة للأمة العربية الواحدة ....!! وانتظروا ...، وغداً لناظره قريب.