أولاً : معضلة مخالفات البناء المزمنة،أسبابها ونتائجها و العلاج:
1 ـ ولادة المعضلة الآثمة: لقد صدر المرسوم التشريعي رقم /40/ لعام 2012 الخاص بمخالفات البناء ، من إعداد وزارة الادارة المحلية صاحبة الاختصاص لم تصدر بعد التعليمات التنفيذية الخاصة به ،لعلها تغني هذه التعليمات المعاني القانونية الصحيحة و الايجابية،وتكرس القيم الاجتماعية و الإنسانية الواردة فيه ،أي إما تغنيه وتتسامى به ،أو تفقره وتشوهه وتحجمه ،وتحرفه عن المقاصد الحقيقية و العادلة أيضاً، فلقد هدد و توعد المرسوم المخالفين بالويل و الثبور وعظائم الأمور ، فأجمل وفصل وحلل وعلل وركب وصاغ النتائج والغايات بعبارات شديدة الوضوح و التحديد ،إلا أصحاب النوايا السيئة أياً كانوا وأينما كانوا ، وكيفما كانت مكانتهم ودرجتهم في المسؤولية والصلاحية ...، هؤلاء بالأساس يعكرون الماء ليصطادوا فيها ، فاحذروهم جيداً واتقوا شرهم ومفاسدهم ، فهم الأسوأ....، و في هذا السياق نسأل، هل هذا وقت مناسب لطرح مثل هكذا مرسوم، يمس حاجات المواطنين من جهة، ويحمي المصالح العامة الخاصة بهم من جهة أخرى ، و بالتالي يحمي الوطن من التخريب و الفوضى الهدامة ،حفاظاً على مستقبل الأجيال و الوطن،هذا مؤكد ..!! لكن ونكرر ، هل هذا هو الوقت المناسب لصدوره ؟! و لو اقتصر على معالجة كل ما يخص المصلحة العامة الوطنية ،وترك الجزء الخاص بالناس ومخالفاتهم الفردية إلى وقت أكثر ملاءمة ، لكان أفضل وأقوى تأثيراً، بل أصوب وأجدى عملاً.....، والله أعلم .....
و هنا لا بد من القول ، أن المخالفات لم تهبط من السماء كأنها القضاء ،كن فيكون ، وإنما تمر بمراحل كما تعرفون ، تبدأ بمرحلة الشروع بالمخالفة الواجب منعها بحزم وحسم ، استرشاداً بالقول/ درهم وقاية خير من قنطار علاج / وتدفن في مهدها ،إلا إذا في غفلة منا نمت و ترعرعت ، فتدخل في المرحلة الوسيطة أو المتوسطة من إنشائها فتشب و تكبر، عندئذن يجب قمعها بشدة ومحوها من الوجود، قبل أن تدخل مرحلة الانجاز و اكتمال الإنشاء ،وعندها يجب إزالتها بكل القوة و التصميم و الالم، لأنها المرحلة الأصعب و الأعقد، وكان يجب عدم السماح بالوصول الى هذا المستوى من العمل المخالف و الضار للجميع.... ، اللهم و بالمناسبة وفي هذا المجال نقول،أنه لن تكون هناك مخالفة حقيقية و مكتملة بالمطلق بدون تواطئ أو إهمال، المسؤولين عنها ، لا عندنا و لا في أي مكان في العالم ،إلا ما ندر ، كأن تكون نائية جداً وبعيدة عن الأنظار ، أو بنيت في أيام العطل و الأعياد وصار أرباب المخالفات في هذا بارعين جداً، يجب أن تكون المراقبة فيها مستمرة ، لا بل ومكثفة أيضاً، إذا كانت السلطة المختصة تريد فعلاً منع نشوء مخالفات جديدة ، حرصاً منها على سلامة البلد و سلامة إقتصاده وجماله أيضاً ....
2ـ : أسباب ولادة المعضلة:
و أوجز الأسباب الاساسية ، التي هي كثيرة ومعقدة ، لوجود مخالفات البناء و تكاثرها المستدام منها:
أ ـ السلطة أو السلطات المختصة بمختلف مستوياتها ، هي المسؤول الاول و الاخير ، و للمرة الالف عن وجود المخالفات بالأصل ، وعن تكاثرها المرعب ،وعن توالدها الهائل و المستدام،بنتيجة إهمالها أو تكاسلها أو لامبالاتها أو بتواطئها المشبوه أو ربما بمشاركتها الخسيسة ، فلا مخالفة بلا ذلك ، الا ما ندر ،و المخالفة تساوي الفساد ،و عليه بلا الفساد و الافساد ، لم ولن تكون هناك مخالفة ، وبالتالي يجب مساءلة ومحاسبة كل من تداول السلطات المختصة . وإذا تعذر ذلك أو استحال ، فلتكن المساءلة و المحاسبة على الاقل من تاريخ صدور القانون رقم 1 لعام 2003 ، وعلى الاخص منذ صدور المرسوم رقم /59/ لعام /2008/ لا بل وحتى لِما بعد صدور المرسوم رقم /40/ لعام /2012/ وحتى الان ، لأنه من المتوقع ،و للأسباب التي ذكرت ، ستزداد المخالفات بعده ، كما حصل بعد صدور القانون و المرسوم السابقين ، فقد ازدادت المخالفات بعدهما و لم تنقص كما تعلمون....،و لو ارادت السلطة المسؤولة بسط العدل والنظام و المساواة ، لفعلت ما يجب فعله من اجراءات قانونية عملية وحاسمة وعاجلة ، لإثبات مصداقيتها و نزاهتها و جديتها ، وردعاً لكل النفوس الميتة ،وليست الضعيفة فقط لعل وعسى....!!
و إنني لأقول بشفافية وتعبير آخر للتأكيد و التوضيح :
أن تقصير كافة المسؤولين ، وعلى كافة المستويات ، وفي كافة الأماكن ،عن أداء مهامهم و أدوارهم المنوطة بهم، في منع قيام المخالفات السكنية، وقمعها في مهدها ، وإزالتها بعد الولادة، تقصيراً غير متعمداً أو ربما متعمداً و مأجوراً ، و لا أحد يمكنه أن يبرر أخطاؤهم الفادحة و الكارثية أبداً، فلو كان كل من له علاقة بمنع ومكافحة المخالفات، أدى واجبه في ذلك ، فلم ولن تكون هناك مخالفة بالمطلق ، فالمسؤول الأول عن كل بلاوي ومشاكل المخالفات السكنية، هو أولاً و أخيراً السلطة الإدارية المسؤولة، كما أسلفنا، و الدليل أن المرسوم 40 لعام 2012 وضع المسؤولين عن البناء في السلطة المختصة في كل مستوياتهم ، مساوياً بالمسؤولية القائمين بالمخالفات من ألفها إلى يائها ، مساءلة وعقوبة وغرامة .....الخ ،وأعتقد أن المواطن صاحب الحاجة القاهرة في هذا بريء ، أما التاجر العقاري الجشع ،وضعيف الشعور بالمسؤولية الوطنية، فهو مدان و يتحمل مع السلطة المسؤولية عن ما حل بهذا الوطن من مصائب بيئية واجتماعية ومشاكل عويصة و أزمات معقدة و معندة على الحل ...كما ترون ....!!
ب ـ تاجر المخالفات الطامع ، هو المسؤول الثاني و ليس الاخير عن وجود مخالفات البناء و تفاقمها، فقد وجد الارض خصبة لتحقيق مآربه و إشباع جشعه الذي لا يشبع ، فعمل بالتعاون أو بالتواطئ مع الذين أفسدهم و من شارك منهم بشكل مباشر أو غير مباشر... ، وساهم في هذا العمل أيضاً ، مقلدين و في ظلهم ، بعض الأفراد أصحاب الحاجات الملحة ، و بتعبير آخر و للتأكيد و للتوضيح أيضاً ، نقول أن حاجة التاجر العقاري، لتحقيق رغبته الجامحة في الاثراء الفاحش والسريع، على حساب كائناً من يكون ، مستغلاً حاجة الناس للعمل ، و لو كان شاقاً، و للسكن و لو كان مخالفاً ، وبالتالي استغل رخص الأراضي غير المنظمة ، كما مر، و استغل أيضاً رخص اليد العاملة ، لإنشاء الأبنية المخالفة، وهؤلاء التجار القادرون، خلقوا ومن معهم ، ما عرف بمناطق المخالفات و البناء العشوائي في ساحة الوطن .، كما تشاهدون ....، ما يثير العجب و الغضب و الامل ....!!
جــ ـ حاجة الناس الملحة و الضاغطة و الكبيرة جداً للسكن الرخيص و السريع ،لإيواء أسرهم الطامحة للاستقرار والأمان بأي شكل من الاشكال... ، هذه الحاجة الناجمة عن التكاثر الطبيعي للسكان ،أو بسبب هجرة الريف الى مراكز المدن ، بحثاً عن الرزق ،وعن الافضل في مستوى المعيشة المختل بين الريف و المدينة بشكل فاضح...، و استغلال تاجر المخالفات و من معه من الفاسدين في السلطات المختصة ،المسؤولة عن منعها و قمعها وإزالتها حسب الانظمة و القوانين النافذة ، بالإضافة لاستغلاله لهذه الحاجة و لرخص الاراضي غير المنظمة، ،التي أغرت الذئاب بالهجوم عليها ، و على جيوب المواطنين المساكين ، أصحاب الحاجات للسكن، استغلالاً كبيراً وقذراً ،وهدراً للمال و الوقت و الجهد ،وضياع الاحلام بالاستقرار الاجتماعي و النفسي...، و بالتالي شكل ذلك ، إساءة بالغة للاقتصاد الوطني و للبيئة ، و أيضاً للحضارة العمرانية المتألقة، بوجود أحزمة المخالفات العشوائية المشوه لكل شيء جميل وحضاري ...!!.
د ـ قصور المخططات التنظيمية ، عن تلبية حاجة السكان للتوسع السكني النظامي ، الذي يوفر لهم إمكانية تأمين حاجاتهم للمأوى الامن الضروري المنشود، مرخصاً كان أم غير مرخص سيان ،لا بل والأنكى تطاول هذه المخططات التنظيمية بتوسعاتها على المناطق الخضراء ، وإبتلاعها الاراضي الخصبة الصالحة للزراعة أيضاً، لأن إنجازها يجري عادة في الغرف المغلقة على طاولات المراسم ،فلا استطلاع على أرض الواقع كما هو مفروض ،و لا معاينة ميدانية لطبيعة الارض وصلاحيتها للتوسع السكاني ، بدون الاضرار بالبيئة و لا بالخضرة ....،واقتراح إنشاء الضواحي على المناطق الجرداء القريبة، هو اقتراح و حل موضوعي وواقعي ، حقيقي وسريع ، يجب على السلطات المختصة دراسته جدياً واتخاذ القرار المناسب بشأنه....، كما أن توسع المخططات التنظيمية ، في هكذا أراضي يعمرها ،و تبعث فيها الحياة بعد موات..، ويبقى الامل مشروعاً في ألف باء الحل ، هو عمل السلطات المختصة ، و أمانتها و جديتها ،نزاهتها وحزمها ، شفافيتها وإخلاصها في الرقابة و المتابعة ، و المنع و القمع و الازالة لكل المخالفات قبل و اثناء وبعد قيامها ، و الوقاية أفضل من العلاج ، أي منع وقوع المخالفة أصلاً ....
لكن إذا لزم الامر فآخر العلاج الكي ،أي الازالة المؤلمة بجد وحسم ...، ولا بد بالتوازي من معالجة أحياء ، وربما بلدات المخالفات ،بأبسط و أسرع الحلول العلمية و الواقعية و الممكنة التنفيذ، و هو ببساطة شديدة إقامة أبراج سكنية في مناطق المخالفات ،و إسكان أصحابها في هذه الابراج، وتصرف السلطة المختصة ، أو الشركات الاستثمارية ، بالباقي لتغطية النفقات مع هامش ربح كبير و مشروع ، بالإضافة إلا أنها أعمال إجتماعية وجمالية حضارية أيضاً...، وكفى دراسات تتلوها دراسات ،ولجان تعقبها لجان و تفرخ لجاناً ،و النتيجة ضياع الوقت و الجهد و المال ،وانتشار المزيد من المخالفات مع المزيد من الفساد المدان و المرعب ، وسيكون علاجه أصعب بألف مرة من معالجة مخالفات البناء ، فإعادة إعمار بناء مخالف بنظامي ، أسهل و أسرع و أقل كلفة و صعوبة من إعادة بناء النفوس و ترميمها و إعادتها إلى جادة الصلاح و الصواب و الصحة ....،فالعلاج واضح و ممكن و مباح ،ويحتاج للهمة و الارادة والقرار السياسي الصائب في المكان و الزمان المناسبين ، وكفاكم انتظاراً وترقباً للفرج الرباني ، وتوزيعاً للاحلام و الآمال الخلبية على الناس ، خير لكم و للشعب و الوطن والله أعلم
و ـ كلفة الترخيص المرتفعة جداً،و التي أسبابها و أسها رسوم نقابة المهندسين الباهظة الجائرة و غير العادلة ، والتي تزيد أضعافاً على رسوم وضرائب البلدية نفسها، ثم لماذا هذه الرسوم ملزمة للمواطن بالنظام، وعليه دفعها حتماً( وقد دفعتها شخصياً) ؟! وهي بالفعل تشكل عقبة كأداء ،في وجه الترخيص حقيقية وجدية ، ودافعاً قوياً للناس للتوجه إلى المخالفات ، كما هو جار على ساحات الوطن حتى الآن ، لا مناص من معالجتها ،و الأصح إلغاؤها كاملةً وفوراً، بالإضافة لمعالجة الإجراءات الروتينية الصعبة والمعقدة، وما يلزمها من مال وجهد ووقت زائد غالباً ....،هذا إذا لم يكن مفسداً.... مما يؤدي حتماً الى تسهيل وتيسير ، عمليات الترخيص، نتيجة تقليص كلفتها كثيراً فعلاً ، و لماذا أصبحت على ما يبدو نقابة المهندسين كأنها المسؤولة كلياً عن كل ما يتعلق بعمليات الاعمار و البناء ،و المرجع في كل ما يتعلق بذلك ، فإذا لم يكن ذلك صحيحاً ، فافعلوا الاصح و الاصوب عملياً ، و لكم الأجر و الثواب...!!
و لا يختلف الامر في نقابة المحامين ، فهي تفرض الرسوم الخاصة بها بواسطة السلطة المختصة أيضاً....،و آخر ما قيل في هذا المجال، ان القاضي لا يقبل أية استدعاء يقدم إليه، إلا إذا أبرز ما يدل على أنه قد وكل محامياً ،ولا يهم إذا تابع الدعوى بنفسه أو بمحاميه ، وهذا يشكل عبئاً جديداً على المواطنين يفضل إلغاؤه فوراً يا وزارة العدل العادلة ، و الامر ذاته ينطبق على نقابة الاطباء التي تتقاضى ثمن ورقة أو الأصح وريقة ( تقرير طبي ).، مبلغاً ليس بقليل، بالإضافة لأتعاب الطبيب المنظم له و الطوابع ، فلماذا لا تطبع وزارة الصحة تقارير طبية ، تكون مجانية أو بسعر رمزي ، تخفيفاً للأعباء الثقيلة عن المواطن ، ألا يكفي الأطباء ما يتقاضونه من كلفة الكشف الطبي ( المعاينة)الباهظة و غيرها ....!!التي رفعتها الصحة لهم عند ارتفاع اسعار المازوت ، فيا للمفارقة العجيبة و المدهشة ....!!فالرحمة الرحمة للناس يا وزارة الصحة التي نَجُلُ ونحترم ،وأيضاً يا كل المسؤولين عن فرض الرسوم للنقابات أياً كانت، بغير وجه حق ، على الاقل من وجهة نظري ونظر المواطن ، الذي لم يعد يعرف من أين تنهال عليه كالمطر ، الرسوم والضرائب ،وليست الماء و الكهرباء والهاتف والعقارات ،إلا دليل بسيط على أن بعضها أصبح أكبر مما يكلفه من استهلاك للمادة المعنية ، فلماذا لا تُعيد السلطة بكل أنواعها ومستوياتها ، النظر بكافة الرسوم و الضرائب وتُبقي ما تراه حقاً ضرورياً ، وتلغي كل ما هو غير ذلك أيضاً، حتى لو اضطرت إلى رفع أسعار المادة، لتعويض ما خسرته بإلغاء تلك الرسوم والضرائب الخلبية و الطفيلية ؟!
عسى ولعل يستجيب من يسمع و يرى و يعقل و يعمل ، ويعالج ما تراه واجب المعالجة بالحق والعدل و الانصاف ....!!
وبعد كل هذا أقترح أن يتم اللجوء إلى الجزاء العادل و القاسي الرادع ، بحق كل الفاسدين من المسؤولين عن وجود المخالفات بأنواعها ودرجاتها ، الذي ثبتت إدانتهم ....،و إلا لن يكون هناك إلا المزيد من المخالفات ، و المزيد من تراكمها أيضاً....!!و الدليل كلما صدر قانون أو مرسوم خاص بالمخالفات ،كالقانون رقم /1/ لعام /2003 و المرسوم 59 لعام 2008 ، تزداد المخالفات ولا تنقص ، وحتى بعد صدور المرسوم /40/ لعام 2012 أيضاً .....!!،فإذن ليست القوانين والمراسيم هي الحل الوحيد المجدي، و لو تم تفعيلها بجد ، بل لا بد أولاً من تسهيل وتشجيع الترخيص ، و ثانياً توسيع المخططات التنظيمية اللازمة في الوقت المناسب ، وملبياً للحاجات الضرورية الملحة وكافياً لها ، وثالثاً تعديل أنظمة البناء لتواكب هذا التطور.الحتمي.،ورابعاً و أساساً مساءلة ومحاسبة كل مسيء في هذا المجال ،وتطهير الجهاز المختص منهم حتماً وعاجلاً....!!
و إلا على الدنيا السلام، فلا تهديد يفيد ،ولا وعيد يسوغ ما يُرتكب بحق الجميع من إساءات بالغة الخطورة....، وضمور الوعي والشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والشعب والدولة ، ليس مبرراً لهذه الاخطاء و الاساءات بالمطلق....، فاستيقظوا من سباتكم،أيها المساهمون جميعاً بالمصائب ، واطلعوا من خلف أصابعكم التي تختبئون خلفها خوفاً من المعبود و العباد والوطن ...، وافعلوا ما عليكم لمصلحة الجميع خير لكم و أبقى .....!!
3 ـ إقتراحات لعلاج المعضلة المطروحة:
وبالإيجاز نقول ونقترح الاتي:
أ ـ إعتماد مبدأ التوسع الشاقولي الملزم في البناء، بقدر ما تسمح الشروط الموضوعية و الفنية اللازمة ،حفاظاً على الخضرة والبيئة ،وتوفيراً للنفقات على الطرفين البلدية و المواطن ،ومكسباً لهما عملياً مهماً أيضاً....
وأكرر هنا الاقتراح الاستثنائي للغوطة في دمشق، بأن تُسوَّر قرى و بلدات ومدن الغوطة ، بجدار يمنع التوسع الأفقي فيها بالمطلق ،وإعتماد التوسع الشاقولي قدر المستطاع ،ومن يرغب في غير ذلك ،فليكن خارج الغوطة حتماً، حفاظاً على البقية الباقية من الغوطة ،وإحياء للأراضي الجرداء المحيطة بها، وهي شاسعة وصالحة للنشاطين معاً العمراني و الزراعي.
ب ـ الإصرار على إنجاز المخططات التنظيمية اللازمة بالسرعة القصوى ، وفي الوقت و المكان المناسبين و كافية تماماً للمطلوب ،مبتعدين فيها عن المناطق الخضراء قدر الإمكان وبحسم ، لاستيعاب حاجة التكاثر السكاني الطبيعي للسكن، ومنعاً لبناء المخالفات خارجها، كما حصل سابقاً و لا يزال ،مما يراكم الأخطاء الفادحة في هذا المجال....، و هذا يشكل الخطوة الأولى العملية والجدية المساهمة في إيقاف طوفان السكن العشوائي المخالف....، والمبرر بذريعة تأخر صدور المخططات التنظيمية وقصورها ، وخصوصاً عجزها في كثير من الأحيان عن تلبية المطلوب الحضاري....، و الخطوة الثانية هي تسهيل و تبسيط وتشجيع إجراء الترخيص للراغبين فيه ،وسيكون هذا حتماً في حال استطاعت الجهات المختصة ، إيقاف المخالفات و منعها بالحزم و الحسم و الإطلاق .
ج ـ إلغاء رسوم نقابة المهندسين الخاصة برخص البناء وكافة العمليات الاخرى من تسويات وغيرها كلياً وفوراً ، وليس تخفيضها الهزيل المعتاد ، لأنها على الارجح لا تستحقها ،لأنه من المفروض أن تكون ميزانيتها ، من اشتراكات أعضائها ، ومما تقتطعه من أتعابهم مقطوعاً كان أو تصاعدياً سيان...،فلماذا إذن الرسوم الطفيلية المذكورة التي تنمو كالفطر ....، ولماذا تفرض السلطة رسوماً للقطاع الخاص بشكل غير مباشر ؟ و لماذا كأقتراح لا تحدد الحد الأقصى لأتعاب المهندسين المكلفين بالترخيص وغيرها ...، و ينطبق هذا الاقتراح على كافة أنواع نقابات المهندسين ...،عملاً بمبدأ الأجر قدر الجهد ،وليس أضعافه ...، كل ذلك تشجيعاً للمواطنين للإقدام على الترخيص العادل والسهل ،مما يضرب سوق المخالفات ويقضي عليه بالضربة القاضية،بدلاً من الدوران في الحلقة المفرغة التي صنعتها السلطة والجهات المختصة لنفسها،لتبرر كل الأخطاء الفاحشة التي ترتكب بحق المجتمع و الوطن ، نتيجة الروتين و الفساد الناجم عنه ،والمبرر له زوراً وبهتاناً ،فتفكروا رجاءً و أنصفوا أنفسكم والناس و الوطن ...خير لكم و أوفى....
د ـ تعديل أنظمة البناء في البلديات،ليستوعب مبدأ التوسع الشاقولي المعتمد للبناء ،والاستعاضة عن التوسع الأفقي المسطح،الذي يلتهم الاخضر والأجمل ،ويُحمّل المواطن و البلدية نفقات إضافية، متزايدة بتزايد رغبة وحاجة الناس لبناء المساكن النظامية واللائقة، والإصرار على إقتراح مشاركة بعض المهندسين والخبراء من أبناء المنطقة ،في كل لجنة يدُرس فيها موضوع التوسع في المخطط التنظيمي ،وكذلك عند دراسة تعديل أنظمة البناء أو وضع أنظمة بناء جديدة ، للمساهمة قدر الإمكان لتأتي الدراسات بنتائج إيجابية و صحيحة وملائمة ومقبولة في كل المقاييس....، بدلاً من أن تقوم كالعادة اللجان من خارج المنطقة، بالتخطيط و التنظيم وإصدار التشريعات و الأنظمة الناظمة لعمل البلديات،على كافة مستوياتها، في مطبخ الغرف المغلقة....،فأهل مكة أدرى بشعابها ،والمشاركة المحلية بالقطع مفيدة جداً ، ربما حتى لا تتكرر الحاجة باستمرار إلى تعديلات متتالية للمخططات التنظيمية ،ولأنظمة البناء...، لقصورها المتتالي عن تلبية الحاجات المشروعة في هذا المجال حاضراً ومستقبلاً....
هـ ـ معالجة مناطق المخالفات ،بالعدل و الحق و القانون والمنطق، و بأسرع ما يمكن ،لتأمين الأمان و الاستقرار و الاطمئنان لسكانها ،وأغلبهم من الكادحين وذوي الدخول المحدودة ،وذلك بإنشاء أبنية برجية فيها ،أي منطقة المخالفات ذاتها ، تستوعب كل سكانها، وما يزيد تستفيد منه الدولة أو الشركات المستثمرة ،كما أسلفنا ، ولا بأس من إشراك المواطنين الشاغلين في تسوية هذا الموضوع ،وحل المعضلة المعقدة والصعبة ، بما يؤمن مصالح الجميع بديمقراطية وكرامة وعدل ، مما يساهم بتقليل نزيف الاقتصاد الوطني في تأمين كافة الخدمات للمناطق المخالفة هذه ، وتمنع المزيد من الهدر بإضافة مخالفات جديدة للقائمة فيها أيضاً.
باختصار نقول ونعيد و نؤكد : أن المخالفة تستدعي الإزالة ،و المخالفة تساوي الفساد، والفساد يساوي إثراء فاحش غير مشروع ،وإفساد للغير أيضاً ،لينتشر الفساد وينمو، فتكون لدنيا آثرياء مخالفات، كأثرياء الأزمات المعاشية ،وكأثرياء الحرب ،وللآسف كل ذلك موجود في الأزمة السورية الحالية الأخطر في تاريخ العرب القديم و الحديث ،لذلك يجب ملاحقة هؤلاء ومحاسبتهم بأقصى ما يمكن من العقاب الرادع و المانع ،وأعني بهؤلاء على الأخص مسؤولي السلطات المختصة، بكافة مستوياتهم ومراتبهم أولاً، بلا إستثناء لأحد كائناً من يكون، تكسب السلطة المصداقية ، وتمنحها الارادة القوية والقادرة على ردع هؤلاء وغيرهم تجار الدم ،والجهد و الحاجة الأنذال الذين خربوا اقتصاد البلد بشكل صارخ و أكيد كما تعلمون...
وـ تعديل المرسوم 40 لعام 2012، أو تعديل تعليماته التنفيذية التي صدرت بعد إعداد هذه المقالة ، حيث نقترح إعفاء كل راغب بالتسوية وتوابعها، من الغرامات بأنواعها ،والاكتفاء باستيفاء ما يعادل كلفة الترخيص النظامي ، فكلفة التسوية ، يجب أن تعادل كلفة الترخيص ،و كأن المواطن يقوم بالترخيص من جديد وحسب الأصول ، ولكن بدون رسوم نقابة المهندسين الملغاة كلياً،إلا ما تكلف به اللجان الفنية فيها من الجهات المختصة.....، ويدفع لها صاحب الشأن ، ما تستحقه من أتعاب، حسب القواعد المتبعة لدى السلطة المختصة ...، مما يخفف الأعباء كثيراً عن المواطنين الأفراد، ويشجعهم على إجراء التسوية أصولاً ، ودفع الرسوم المقررة و المستحقة بالقانون ، ولا يتناول هذا الإعفاء تجار البناء الذين عناهم المرسوم أبداً ....!!.
ـ وأخيراً أسأل الإدارة المحلية سؤالاً بريئاً وبسيطاً وصريحاً :هل هذا الوقت مناسب لإصدار هكذا مرسوم ؟! وما الفائدة إذا كان غير قابل للتطبيق ، أو غير قادرين على ذلك ،و الذي أعنيه من السؤال، ما يخص المواطن من غرامات يتعين عليه دفعها صاغراً ، وهل ينقصه ذلك في هذه الظروف الأصعب والاخطر ، التي نحن بحاجة لمساندته لنفسه و لوطنه و لدولته وسيادتها..،و لتضامنه ولمساعدته أيضاً ، على اجتياز هذه المحن القاسية، وهذه الامتحانات الأقسى لإيمانه و لوطنيته ولصبره ،و ليس لتآليبه وإثارة غضبه غير اللازم الآن؟! ساعدكم الله و أعاننا وإياكم على الانتصار في معركة الوجود و المصير الحقيقية، وليست غير ذلك بالمطلق أبداً، وفقكم الله لما فيه خير الوطن والمواطن والأمة الصابرة ....!! .
وعذراً يا نقابات و يا سلطات مختصة ، فمصلحة المواطن و الوطن فوق الجميع.