كلنا سمعنا بغسيل الدماغ ( والتنويم المغناطيسي هو غسيل دماغ مؤقت ) , فهو تغيير أفكار ومبادئ وعقائد وقيم الشخص , ووضع أفكار وقيم جديدة مختلفة عن التي كانت موجودة لديه .
إن الإيحاءات تشمل كافة مناحي حياتنا الثقافة والفكرية والعملية, والإيحاء هو أساس التنويم المغناطيسي . فنحن نوحي لبعضنا بالأفكار والمفاهيم والقيم التي نعتمدهم ونؤمن بهم , وهذا بمثابة تنويم مغناطيسي ( أو غسيل دماغ الآخر ) نقوم به فنؤثر به على الآخرين وندفعهم لتبني أفكارنا قيمنا وأهدافنا وثقافتنا.
التنويم
المغناطيسي صحيح (وسنوضح ذلك لاحقا ) , و
كل منا يسعى لتنويم الآخر عندما يوحي إليه بأن أفكاره ومعارفه وقيميه هي الأفضل
. ولكن من ينوّم الآخر ؟
إن كافة أشكال الإعلام هي إيحاءات فكرية , أي هي
نوع من التنويم المغناطيسي .
ومفهوم
غسيل المخ أو برمجة العقول , والذي يستخدم في نشر الأفكاروالعقائد والمبادئ
وبالتالي دفع الناس لتبني أهداف ودوافع وغايات معين عن طريق الإيحاءات باستخدام
كافة أشكال الإعلام , هو شكل من أشكال التنويم المغناطيسي .
وهذا أدركه الإنسان منذ قديم الزمان ( ودون أن
يعرفه بشكل واضح ) وهو يستخدمه دوما وبفاعلية كبيرة .
إن استعمال اللغة
هو طريقة الدخول إلى عقل الآخر والتأثير على هذا العقل .
إننا نستطيع إدخال أفكار وتصورات وأوامر إلى عقل
الآخر عن طريق اللغة , إن هذه المدخلات مهما كانت طبيعتها تفرض تأثيراتها (صغيرة أو
كبيرة)على هذا العقل فهو مجبر على التعامل معها ومعالجتها والقيام باستجابات لها ,
وهذا يمكننا من التأثير على هذا العقل والتحكم في الكثير من استجاباته وبالتالي
تصرفاته .
إن هذه الظاهرة أو هذه القدرة التي تملكها اللغة
كان يستخدمها الإنسان منذ القديم عندما أدرك فاعليتها وجدواها .
وكل منا لاحظ تأثير اللغة على الآخرين وخلق
الإيحاءات والاستجابات لديهم وبالتالي التحكم بتصرفاتهم , وذلك عن طريق التكلم معهم
بأسلوب وطريقة مناسبة .
وقد كان للقصص أو الحكايا و للخطابة والأمثال
والشعر ( والآن الإعلام ) تأثيرهم الكبير,
وكانت الخطابة أشد تأثيراً لأنها كانت تستغل ظاهرة القطيع (أو
الجمهرة ) التي تعتمد على المحاكاة والتقليد الغريزي للآخرين , وكلنا لاحظنا "
هتلر" وغيره كيف كانوا يفرضون أفكارهم ودوافعهم وأهدافهم على الآخرين بواسطة
الخطابة .
وتأثير الإيحاء يمكن أن يكون ذاتي , " يكذب كذبة
ويصدقها "
مثل جحا عندما قال للأولاد الذين يضايقونه : أن
هناك وليمة في المكان الفلاني فركض الأولاد إلى هناك , وعندما فكر حجا بما قال ,
وجد أنه ربما يكون هناك فعلاً وليمة فركض خافهم . والوسوسة والتردد والتوهم . ., هم
ناتج تأثير أفكار وإيحاءات دخلت الدماغ وأعطت تأثيراتها .
إن الأفكار بعد أن تولد في أحد العقول , نتيجة تفاعلات الحياة , أو نتيجة تفاعل أفكار سابقة كانت قد دخلت إليه . تسعى للخروج والتوضع في العقول الأخرى , نتيجة لأمور عديدة , ذاتية واجتماعية , فإذا وجدت العقل الذي يسمح لها بدخوله , دخلته وسعت لكي تتوضع فيه , وهي سوف تجابه بمقاومة وممانعة من قبل الأفكار المتوضعة فيه وتسعى لمنعها من التوضع فيه . فإذا استطاعت أن تجد لها مكاناً , احتلته وأقامت فيه .
وكلما كانت هذه الأفكار الداخلة أكثر اختلافاً أو
متناقضة وغير منسجمة مع الأفكار الموجودة , كان احتمال توضعها أصعب , فهي تجابه
بممانعة ورفض قوي وحتى تحارب وتمنع من التوضع , أي تسعى الأفكار الموجودة سابقاً في
العقل للقضاء عليها ,ومنعها من الانتشار في العقول الأخرى .
فالأفكار الموجودة في العقول تحافظ على وجودها
وتسعى لزيادة انتشارها في العقول الأخرى , وبشكل عام تقاوم الأفكار الجديدة من قبل
الأفكار الموجودة , وهذا أساس المحافظة
وعدم التجديد .
إن هذا يحدث وبغض النظر عن أي الأفكار أدق أو أصح
, فالموجود هو الأساس , والجديد هو دخيل
ويجب أن يقاوم مهما كان , ولكن دوماً هناك احتمال بأن تستطيع بعض الأفكار الجديدة
التوضع والانتشار في العقول , وهذا يكون نتيجة عدة عوامل وهي :
1- تكون العقول المستقبلة فارغة من الأفكار في
هذا المجال, وعندها لا تجد من يقاومها فتتوضع بسهولة .
2- تكون الأفكار الجديدة قريبة من الأفكار
الموجودة , أوهي تدعمها أو تنسجم معها .
3 - نتيجة تكرار نشرها , فهناك دور أساسي وهام
جداً للتكرار في نشر الأفكار , فقد كان
يقول " غوبلز " المسؤول عن الإعلام لدى " هتلر " لمساعيه كرروا وكرروا ما تنشروه
فالابد أن يصدقكم الشعب , وهذا ما تمارسه كافة وسائل الإعلام بهدف نشر سلع أو أفكار
أو خلق رغبات ودوافع أو استجابات وتصرفات لدى المتلقين.وإن
للمحاكاة والتقليد دور أساسي وكبير في انتشار الأفكار في العقول .