مع بداية الأزمة السورية، هرع أباطرة العرب والمتمسلمين من كل حدب وصوب، وبكثير خوفهم وإشفاقهم على ما يعاني منه الشعب المسلم في سوريا من اضطهاد وتنكيل، إلى دعوات بالجملة لرفع رايات الجهاد المقدس على الأرض السورية، وبذل كل غالي ونفيس من أجل نصرة هذا الشعب بغية تحريره من جبروت الطغاة ... موقف نبيل نحسد عليه من دون أدنى شك أو ريب!
واليوم يعاود عتاولة آل صهيون إلى شن مزيد من هجمات القتل والتدمير، على البقعة المباركة من أرض فلسطين السليبة، بهمجية منقطعة النظير ... فيهرع أباطرة العرب والمتمسلمين للتنديد - وبكثير من الخجل والاستحياء - لما يقوم به جيش الإحتلال الصهيوني، وفي أحسن الحالات لا تزيد مطالبهم عن اقتراح هدنة بين الطرفين .. ووعود بدعم مالي طالما تغنت به رؤوس الممالك المطلة على خليجنا العربي.
هذا من جهة ... ومن جهة أخرى صعقنا جميعاً حينما تابعنا على إحدى فضائيات الربيع العربي، إتصالاً بالناطق الرسمي لجيش ( الدفاع ) الإسرائيلي، ينفي ومن خلاله اسقاط طائرة مقاتلة اسرائيلية، بصاروخ أرض - جو من قبل القاومة الفلسطينية. بعد أن تغافلت تلك الفضائية - بقصد أو بدون قصد - عن ما أعلنته صحيفة يديعوت أحرونوت بما مؤاده أن الصواريخ التي يستخدمها أبطال فلسطين لدك معاقل اليهود إنما هي صناعة سورية بامتياز.
اجتمعت الجامعة العربية لتشكر كل من مصر وتونس وقطر، لمواقفهم الداعمة لأهل غزة، وتتالت خطابات التنديد والشجب والاستنكار - كما في كل مرة - وسلطت الأضواء على المتشدقين الذين يحاولون الاصطياد في الماء العكر، ليوهموا العالم بأن ما يحصل في غزة إنما هو وسيلة طمس لحقيقة ما يحصل في سوريا، وكأنما بات محور الصراع على الكرة الأرضية إنما يجب أن ينحصر بما يجري على التراب السوري دونما سواه!
أي متتبع للأحداث التي تدور في المنطقة .. صار يعي بأن البدء بالهجوم الصهيوني على غزة له دلالات كثيرة أوجزها بالأتي ... انحسار السعي الدولي لإسقاط النظام السوري! والإكتفاء أو العودة لعمليات الحصار والتضييق - التي إعتدناها - في سبيل مزيد من التنازلات عن الثوابت التي ينتهجها الساسة السوريون، منذ بدايات التصدي للهيمنة الغربية على المنطقة، هذا من جهة .. ومن جهة أخرى عزوف ما يسمى - دولة اسرائيل - عن فكرة ضرب المنشآت النووية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي كانت تشكل هاجساً للقيادات الصهيونية، والدلالة الثالثة تتمثل في حصول الموساد الصهيوني على معلومات عن تنامي القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، والسعي الدؤوب لإختبارها، بغية الحد من وصولها إلى مرحلة اللا سيطرة - وبإذن الله ما يتخوفون منه قد حصل -. والرابعة تتجسد في جس نبض الشارع العروبي - بعد مجمل التطورات الحاصلة - والتأكد من أن رعاء الإبل ما يزالون يغطون في سباتهم العميق، ولا جدوى من إيقاظهم ولو بتدمير الكون فوق رؤوسهم ... وعربي!
إذن المواجهة مستمرة ولكن بقوانين وقواعد جديدة .. قبل اليوم كنا نقرأ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مقارعة اليهود في آخر الزمان بكثير من الإستهجان لعظيم يأسنا مما جاء فيه بأننا المنتصرين بحول الله، ولكننا الآن نؤكد بأن كل ما ورد فيه لهو القول الفصل بعد أن أثبت الرجال الأشداء في طوق الممانعة، بأنهم المعنيون بما جاء عن رسولنا الكريم حينما قال:
روي الشيخان عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله" (ذكره في: صحيح الجامع الصغير برقم -7414)، وفي رواية لمسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله. . إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود" (ذكره في: صحيح الجامع الصغير أيضًا -7424)، ورواه الشيخان من حديث ابن عمر بلفظ: "تقاتلون اليهود، فتسلطون عليهم، حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر، فيقول الحجر: يا عبد الله، هذا يهودي ورائي فاقتله" (ذكره في صحيح الجامع الصغير -2977).
تنبهوا أيها المسلمون الأتقياء الأنقياء .. بأن حربنا الحقيقية ضد العدو الصهيوني، ولنكتفي من أن نجعل بأسنا فيما بينا، وليكف المتمسلمين فينا عن توجيه حرابهم لنحورنا، تحت مظلة فتاوى لا أسا لها ولا صحة. فالعدو الحقيقي جلي جلاء ضوء الشمس في رابعة النهار، وضوء الشمس لا يغطيه غربال !..
بسم الله الرحمن الرحيم ... ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ... صدق الله العظيم!