في الساعة الحادية عشرة إلا ربع من مساء أمس ( 3\1\2013 ) كنتُ بضيافة أحد الأصدقاء .. > يأتيني أتصال من المنزل ليقول الكازية (محطة الوقود) التي بجانب منزلي أنفجرت لتصبح أثراً بعد عين و طلبوا مني أن أتأخر قليلاً بسبب حالة الفوضى و الطوق الأمني الذي فرض بعد الأنفجار ..
و بعد عشرين دقيقة بالزبط ورد على التلفزيون السوري
خبر عاجل مفاده :
أنفجار ضخم في كازية قاسيون قرب مشفى حاميش في مساكن برزة بدمشق و الحديث عن
استشهاد عدد من المواطنين وإصابة عدد آخر بجروح .
نقطة أنتهى الخبر ..
قصة هذه الكازية في حياتي قصة كبيرة لأنني كلما خرجت من بيتي صباحاً كان أم مساءً
يجب أن أمرّ بها حتى لو لم يكن لتعبئة البنزين ، فهي تقع على الأوتوستراد
مباشرة بين مشفى حاميش و ابن النفيس حيث يقع منزلي ..
أتذكر دائماً العمال اللذين يعملون فيها وهم من الناس البسطاء يكدون ويتعبون لجمع
قوت يومهم
و بحكم ترددي الدائم أما على الكازية المذكورة أو من أمامها ، أصبح هناك نوع من
الألفة للوجوه فيما بيننا ..
بعد أزمة المازوت التي تعصف بالبلد أصبح طابور الباصات و الحافلات يصل الى عدة
أمتار , حتى مشفى حاميش تقريباً لدرجة تحجب الرؤية أمام نافذة بيتي الأرضي و غالباً
ما تبات هذه الحافلات و من فيها لأنتظار الدور من أوله في اليوم التالي ..
هناك طابور آخر موازي لطابور المازوت هو على البنزين و هو أيضاً أقصر من طابور
الباصات والحافلات نوعاً ما .. أما عندما تقترب من الكازية فتجد طابوراً ثالثاً
قصيراً جداً من قليلي الذوق و ما أكثرهم في بلادي هذه الأيام يحاولون دحش
سياراتهم لسرقة أدوار غيرهم فإما ينجحون مع كثير من الشتائم والصراخ و إما
يفشلون فيتحول المشهد الى عراك بالأيدي يجلب الجمهور والمزيد من المتفرجين
فيزداد التأخير تأخيراً ويطول الطابور أكثر ..
هذا بالنسبة للسيارات والحافلات هناك طابور آخر على المازوت من الناس العاديين
اللذين يحملون البيدونات وينتظرون لحظة الفرج ..
كل هذا المشهد يجري كل يوم من قبل ناس طحنتهم المعاناة وقهرهم الفقر والبؤس وقلة
الحيلة ..
السؤال الدائم الذي يطرح نفسه ماذا فعل هؤلاء الناس ليقتلوا بهذه الطريقة ?
فهذه الكازية لا تخدم أي قطاع عسكري أو أي قطاع ذو مسؤولية كل الناس اللذين ينتظرون
دورهم عليها هم من البسطاء الفقراء المعدومين المستعدين أن يناموا في العراء
لأيام من أجل الحصول على قطرات من المازوت ..
أيها السفلة المجرمون القاتلون حتى في الأرهاب تراعى المحرمات يا من لا دين لكم
ماذا جنيتوا بقتل أبرياء يقفون بالدور على كازية أو يعملون فيها ..
أمتزجت الدماء الزكية مع المازوت و البنزين لتصبح قطرات من نور و نار تزين بها
قوافل الشهداء ..
أما أنا لا آبه لأنني نجوت فلستُ أحسن ممن رحلوا ..
فلقد كان من المحتمل جداً أن يكون توقيت خروجي من البيت مع موعد التفجير ..
أنا فقط أتسأل بحسرة و الدموع تغرق عيني ..
عندما خرجت هذا اليوم و قبل أقل من ساعة من موعد التفجير
و نظرتُ في الوجوه و في الطابور رأيتُ لآخر مرة أناساً من بلادي طيبين ،
فمن منهم أستشهد يا ترى و من بقي على قيد الحياة ..؟!