أن تغيب حريات البشر و استباحة حقوقهم هي مقدمة لا بد منها لقتل بنيتهم الأخلاقية الإنسانية و بالمقابل فإن إرساء عقد اجتماعي على أسس الديمقراطية و سيادة القانون و احترام حقوق الإنسان يعتبر المناخ الأمثل لبناء علاقة صحية بين السياسة و الأخلاق تضمن احتكام كلتيهما لنظام مشترك يحتويهما و يتجاوزهما.
من وجهة نظر بعض الفلاسفة فالأخلاق و السياسة
ماهيتان مختلفتان بطيبعتهما ومن المحال احتواء إحداهما للأخرى لكن يمكن دمجهما في
تفاعل ترعاه أجواء الحرية و الاعتدال لأن الفضيلة السياسية أوالأخلاق في السياسة لا
يمكن أن تنمو في مناخات التطرف و العنف ومع غياب حقوق المواطنة و العدالة و
المساواة و المشاركة.
وقد ميز المفكرون و الفلاسفة منذ أفلاطون الفارق الكبير في البنية الأخلاقية بين
الفرد الذليل و المدفوع وراء أهوائه و نزواته وبين الذي يتمتع بكامل حقوقه الطبيعية
المدنية و السياسية و يصبو لقيم الخير و الحق و العدل مما يجعل الديمقراطية الخيار
الأكثر إلحاحا لبناء مجتمع معافى و إنسان سوي و أيضا لإرساء قواعد سلوك سياسي تنظمه
القيم الأخلاقية الإنسانية في مواجهة العنف و شيوع الاساليب البربرية في حسم صراعات
المصالح السياسية.
وبما أن الأنظمة السياسية و السلطات الحاكمة تشكل و ترسم و عي جماهيرها بشكل مباشر
او غير مباشر لذلك يترتب عليها تحصين البنية الأخلاقية الإنسانية للمجتمع من خلال
الإنتقال من المجتمعات القبلية و الأمنية المغلقة التي تنعدم فيها الحريات بشكل
كبير مما يؤدي إلى ضرب و هشاشة البنية الأخلاقية للإنسان إلى المجتمعات المدنية
المتحررة المنفتحة التي ترتقي و تسمو بالفكر الإنساني نحو الأخلاق و المثل و القيم
الخلاقة و لابد لهذه الأنظمة و السلطات أن تعتمد في بناء الإنسان على الأخلاق و
الحرية و الديمقراطية لإن كل ما هو مهم و عظيم يصنع بحرية مطلقة ( الحرية
المسؤولة).