news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
العمى ..! ...بقلم : عمرو طربوش

هذا مقال أو سلسلة من الأفكار والتجارب والأسئلة لإثارة الشكوك أكثر منه لتلقين يقينيات ، فعلى كل من هو معجب بآرائه ومعتقداته ،  ويرغب بالاحتقاظ بها أو يودّ أن يبقيها في مأمن بعيدة عن الشك ألا يزعج نفسه بقراءته ، وعلى هذا التوضيح  أبدأ  ، باسمك اللهم :


يُعتقد أنك ترى اللون الأخضر أخضرا أو الأحمر أحمرا ليس فقط بسبب تفاوت نسبة نقلها للضوء ، بل أيضا نسبة لعدد العصيات والمخاريط الموجودة في عينيك واختلاف تكوينها ؛ وعلى هذا الأساس تترجم المعلومات الواردة إلى  ذهنك فيريك اللون أحمر أو أخضر أو أرجواني ،  و بذلك نفرض أنني إذا قمت بالتلاعب بأعداد العصي والمخاريط الموجودة في عينيك ، أو أحدثت خللا فيها ، قد ترى الأحمر أخضراً ، أو الأخضر أحمراً  .

 

وعلى نفس المنوال يتكلم الفلاسفة والباحثين عن الحقائق العلمية ؛ فيزعمون أنك قد تقتنع ، و تتمسك بها لكونك استنتجتها حفاظا على الاعتراف أن الجهد الذي بذلته يكون قد ضاع سدى  ، أو ظهرت لك برّاقة وأعجبت بها – وحبّك الشيء يعمي ويصم -  وعلى هذا ينصحنا العالم والباحث بافلوف : "  لا تملؤوا ثغرات معرفتكم بالفروض والتخمينات النزقة إذ مهما كانت هذه الفقاعات  آسره للانتباه و الإعجاب الظاهري ، إلا أنها ستتفجر حتما و لا تخلف لك سوى   الارتبـاك و التشتت "  إذ هو يفسر ما وعظ به  فرانسيس بيكون ، ابدأ بالشك تنته إلى اليقين ، وابدأ باليقين تنته إلى الشك .

 

 ومن الدواعي أيضا للتمسك بالرأي طبيعة الإنسان المُقاومة للتغيير وعدم الاعتراف بالخطأ وإن هو إلّا تفضيل للكسل لمعرفته ضرورة البحث من جديد ، فهل من المعقول أن نتشبه باليابانيين الذين يرون في معرفة الخطأ فرصة للتحسين ؟

 

 أما العوائق التي اتقف في طريق البحث ؛ فهي  أصنام أربعة عرّفها فرانسيس بيكون تتلخص بنوازع أو مصالح  واهتمامات شخصية وقبلية  ، أو بسبب عمى قد أصاب قلبك نتيجة حقد أو غضب ، خوف أو غرور ، أو نتيجة آراء قديمة قد استبدت في عقلك ، أو الكلام والأخبار المتواردة من المحيط حولك  دون تمحيص ، متغافلين نصيحة الإمام علي : " اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل " ؛  فبذلك نصبغ الحقائق بالصبغة التي نريد أن تكون ، أو زرعت في عقولنا أطفالا أو راشدين ،  وعلى هذا يشبهون الإنسان بالحصان الذي يجرّ العربات وقد وُضع له غمامة فلا يرى إلا ما وضع في مجال إطاره .

 

ولتأثير الآراء المسبقة ضرر بالغ الأهمية يمنعنا من اكتشاف عينات وحقائق جديدة ، فإذا  جرّبت أن تركز كل طاقتك على لون أحمر أو أخضر مثلا ، وبعدها قمت  بالالتفات إلى الأجسام المحيطة بك ، ستجدها طبعا تتلوّن باللون الذي نظرت إليه ،  وكذلك إذا جرّبت أن تقوم بقراءة بعض الكتب عن المؤامرة - ليس بالضروة المؤامرة على سوريا - وإنما أي مؤامرة على المسلمين أو العرب أو حتى على الإنسانية ، وبعدها إذا كنت مسلما أو عربيا أو حتى إنسانا ، انظر إلى الواقع المحيط بك ، و ستجد نفسك حملاً وديعا في بين وحوش مفترسين .

 

جرّب أن تقرأ عن الثورة الفرنسية و عن غيفارا و لينين و حتى ماوتسي تونغ ونضالهم في سبيل العامل والفلاح وكيف يبررون ضرورة ديكتاتورية البلوريتاريا ، وان تتعاطف مع الثوار وتؤمن بضرورة الثورة ، ستجد الربيع المحيط بك مزهرا ، و جميع الثورات التي قامت أو تسعى لأن تقوم هي شريفة وطاهرة ، وستبرر كل هذه الدماء والأحداث الفاجعة ، وستجد أن جميع من يهاجمونها أو ينتقدونها هي ليسوا سوى إقطاعيين و استبداديين ، أو رأسماليين و امبرياليين .

 

و لشوبنهاور رأي في ذلك  ألا وهو :

"أن تدفق أفكار غيرنا في نفوسنا ، تدفقا دائما لا بد أن يحصر أفكارنا ويضغطها ، ثم يشل قوة تفكيرنا في النهاية ، إن نزوع معظم العلماء إلى القراءة هو نوع من امتصاص الفراغ ، و إن لمن الخطر ، أن تقرأ موضوع قبل أن نفكر فيه بأنفسنا ، فنحن حين نقرأ إنما يفكر لنا شخص آخر ولا نكون حينئذ إلا المعيدين لعمليته العقلية لذلك لو قضى شخص كل يومه في القراءة ، لفقد ملكة تفكيره"

 

ومن المهم أن تعلم أن العلماء لو تعصبوا لجميع المعلومات التي قرؤوها سابقا لكنا إلى الآن نظن أن الشمس هي التي تدور حول الأرض كما كان يظن بطليموس منذ آلاف السنين ، وهذا التعصب سيضر بك كفرد أولا ومن ثم بمن حولك إن كان لك تأثير عليهم ثانيا

 ولكن يجب الحذر حين إدراك  الحالة القطيعية المُعاشة – او ما يسمى " الزحام المتناغم المرتفع الإيقاع " -  أن يتخذ الفرد من التفكير المستقل مبررا للأفكار الشاذة وغريبة الأطوار "وتصبح من عادته الكفر بالأمور عنادا لا ليس إلا لأن الناس الآخرين يؤمنون بها " وهم من يطلق عليهم لقب المشاكسين في كتاب التفكير الأعوج والمستقيم ، " وهو الداء العضال المستولي على الأذكياء فضلا عن الجهال الأغبياء وكل ذلك حب للنادر الغريب ونفرةً من الشائع المستفيض " كما يصف الغزالي .

 

وبلغة المعلومات والقرارات والإدارة والتقارير ؛  نعلم أن قرارك كموظف أو زبون أو مدير ؛ يعتمد بشكل أساسي على المعلومات التي وصلت إليها ، أو وصلت إليك ؛ أي أن قراري أنا كمدير شركة مثلا ، يعتمد بالدرجة الأولى على المعلومات التي تصلني باستمرار من أفرع الشركة ( فرع التسويق ، فرع المحاسبة ، فرع الموارد البشرية ) وهذه المعلومات هي التي ترشدني إلى اتخاذ قرار إما في عرض منتج جديد أو سحبه من السوق ، في إغلاق فرع للشركة بسبب ازدياد خسارته ، أو في توظيف أو طرد موظفين جدد .

 

وأيضا أنا كشخص عادي لا حول له ولا طول ، وخلال مشيي في الطريق تأخذ هذه العمليات مجراها بسرعة بديهية ، فأقوم باتخاذ قرار في المشي إلى الأمام إذا كان الضوء الذي ينير الشارع يريني أن ليس هناك حفرة تعترضني ، وأمشي مهتديا بهدي النور الذي يريني سبيلي ، واتخذ قراراتي في الميل يمنة أو يسرة ، أو بالاستمرار قفزا أو قرفصةً  .

 

ولكننا الآن جالسين في منازلنا ، عاطلين معطّلين عن أشغالنا ومشاويرنا فكيف نتخّذ قراراتنا ، ونكوّن أفكارنا ؟ ومن يقوم بدور الهادي والدليل  ؟

 

إنه هذا الإنسان المناضل والمكافح الذي قرر أن يسلط عدسة الكاميرا وتوجيهها على حدث معين دون غيره ، أو حالة معينة في المجتمع ، وجميع قراراتي وأفكاري مقيدة بالإلهام الذي يأتي لصاحب الكاميرا من الجمال الذي يراه في الطبيعة ، أو عن طريق الهاتف أو اللاسلكي الذي يأمره بالاتجاه إلى حدث معين ، أو قصة طريفة أو محزنة ، فينقل لنا الحقيقة الخالصة من الشوائب ، والممحص فيها أيما تمحيص ويزعم أنه ينقل الصورة كاملة  ، ليساعدنا ويرشدنا سبلنا ، في اتخاذ قرارنا ، وتكوين أفكارنا ، وكلنا ثقة عمياء بهؤلاء الباحثين عن الجمال و الحق والحقيقة والمناضلين في سبيلها .

 

وسيكون من المجدي إن خلصنا لتعريف واضح لعملية الرؤية  ولكن بشكل أعم وهو:  أننا نبصر الأشياء التي ننظر إليها نتيجة سقوط الضوء عليها ، ضوء الشارع أو ضوء الكاميرا ، ومن ثم إنعكاسها على عدسة العين عابرة إلى الشبكية والمنظومة الأخلاقية التي تفسره إلى اشارات يتلقاها المخ ، وعندئذ تقوم الخلايا الدماغية بترجمة ما نراه وبالألوان ، بشتى الألوان ، ألوان العذاب أو الفرح ، الحب والكره ، التعصب أو التفهم ، ولكن وفق مفاهيمنا ومبادئنا ومنظومتنا الأخلاقية ، السليمة أو المريضة .  وكما أن عمى البصر والألوان هم نتيجة لفساد أو خلل في  الشبكية ، كذلك عمى القلب والبصيرة سببه فساد المنظومة الأخلاقية والقيمية  ، ولكن الفرق أن حالات  العمى البصري قد تكون  ليست نابعة من اختيار الفرد نفسه ، أمّا النوع الثاني فهو اختيار من استمر في غض الطرف وفق ما يهوون ،  واستحبّوا العمى على الهدى .

 

وهكذا قد أكون اختلفت مع بعض المفكرين الذين يرون أن الآراء والعقائد ليست إرادية ، وهي بالتالي مفروضة على البشر فرضا وفقا لتكوين عقولهم وطباعهم  ولا يلومونهم باستهجانهم أو استحسانهم لها ، وعلى هذا يتباحثون بمسألة العقاب والثواب .  ولكن هذا ليس موضع بحثي فالعدل الإلهي مطلق ، ولو بطل الاختيار لبطل العقاب والثواب ، فضلاً على أن الله لم يعد أحدا بعذابه إلا بعد إبصاره إلا بعد إبصاره غيّه من رشده  ،  " وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولا "

 

ولكن مرادي أن أخلص بنصيحة لمن هو بطبعه مفطور على حب الهداية والإرشاد ، ومن لم يمل من هدي العمي وإيقاظ النيام ، توفيرا  للوقت الضائع واقتصادا للجهد المبذول . فكما أنه لا سبيل لإيقاظ من هو مولع بالنوم إلا بتنبيهه بما يشكل عنده محور اهتمام ، كذلك لا يمكنك إخرج من في البئر ، إن لم يقتنع أنه في القعر .

 

فافهم تسلم وتغنم .

 

2013-06-29
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد