كل الوطنيون العرب باتوا يطربون، بل يتغنون بما بات يعرف بالقدرات الإستراتيجية لجبهة الممانعة، والتي صار من المؤكد بأنها تمتلك من الصواريخ المتطورة ما يهدد أمن ما يعرف بدولة إسرائيل بالكامل، حيث رشحت معلومات بأن هناك مجموعة من الصواريخ الموجهة، والتي لو كتب لها أن تدك حصون الكيان الصهيوني لأبادته عن بكرة أبيه.
كل ما ذكر ينعش الضمير العربي الحي ... ولكن - وفي هذا الخضم - هل تبادر لذهن أي من المنتعشين السؤال التالي: بالمقابل ماذا يمتلك الكيان الصهيوني من مثل هكذا منظومة من الصواريخ؟ وما مدى فاعليتها على أرض الواقع؟؟؟
تثبت التقارير لمراكز دراسات وأبحاث مختلفة بأن آلاف الصواريخ الموجهة - والتي يمكن أن تحمل رؤوس نووية -، والعديد العديد من الطائرات مختلفة الأنواع والأشكال، التي يمكن أن توصل الدمار إلى أبعد نقطة من الأرض العربية، وبأقصى درجات الفاعلية التدميرية.
أيضاً هنالك البوارج والفرقاطات الحربية، والتي تستطيع بسط الهيمنة و النفوذ على كافة المسطحات المائية، ناهيك عن مرتزقة ما يعرف بجيش الدفاع الإسرائيلي، الذين دعوا من شتى أصقاع المعمورة، فهيأوهم و صقلوهم، ليصبحوا مؤهلين للزج بهم في المعترك، حين يدور رحي المعركة الكبرى، والتي بات الجميع يعتقد بأنها باتت قاب قوسين أو ادنى..
معاذ الله أن أكون في هذا العرض ممن يثبطون العزائم أو الهمم .. ولكني أجد نفسي - وبذات النفس النضالي - مضطراً وتحت عنوان ( إعرف عدوك )، للتطرق لما بحيق بذاك ( المانشيت ) العريض والذي نصوغه عن قدرات جبهة الممانعة، من دون أن ننتبه إلى أننا نتعامل مع أدهى وأخطر جيوش الأرض قاطبة.
و حتى تكون حساباتنا موضوعية، أذكّر بأن الكيان بدأ يطرق أبواب تكنولوجيا المعدات العسكرية منذ إحتلاله الأرض العربية، و اعتمد على مختلف الخبرات الغربية، ورصد من أجل ذلك إمكانات مهولة، حقق من خلالها تفوقه العسكري الذي برز في العديد من المواجهات اللاحقة، كل هذا كان قبل أن يستشعر العرب أهمية مسألة التوازن الإستراتيجي، والتي باتت الشغل الشاغل لكل صاحب ضمير وطني عروبي في وقتنا الراهن.
استيقظ الإنسان العربي في تشرين 73، بعدما كان يغط في نوم عميق فرضه الآخر علينا، ليجد بأن قطار الصناعات العسكرية قد فاته ومنذ زمن ليس بقليل، إعتمدنا على الأصدقاء وبقدراتنا المحدودة والضئيلة استطعنا أن نغير شيء من المعادلة.
تنبه الأخر لهذه المسألة الخطيرة، لكنه وبحكم تبنيه ( بروتوكولات حكماء صهيون )، استطاع بأن يستغل التوازن الإستراتيجي الذي بدأ يطفو على السطح وقتذاك، و يجيره لصالحه بتغيير بسيط لقواعد اللعبة، وطرح بالخط العريض شعار << ليكن بأسهم فيما بينهم >>.. فكان كامب ديفيد وانسلاخ مصر عن جبهة الصمود والتصدي، ومن ثم تفعيل دور الجماعات الدينية المتطرفة على الجبهة السورية، وخلق صراعات اقليمية، و شرذمة حركات التحرر الوطنية في مختلف الأصقاع العربية !!!
مع بداية الألفية الكونية الثالثة .. كان لزاماً تعديل التموضعات الدولية للتغير الحاصل في موازين القوى، وبدأ الإنحسار الصهيوني يبدو جلياً ليس في التفوق العسكري من حيث الكم والنوعية، وإنما من حيث العقيدة القتالية ... وبرزت مقولة مؤادها << لا نفع في عدة وعتاد، لا يوجد من يتقن استعماله >>. ذلك بدا جلياً عندما اضطر قادة ما يعرف بجيش الدفاع الإسرائيلي، إلى استدعاء المتدينين - الذين يعيشون في كنف حكومة الإختلال - للإنخراط في الخدمة العسكرية، التي كانوا معفيين منها في الماضي من الأيام.
وبسبر دقيق لمجمل عمليات جيش الإحتلال في العقد الأخير، يظهر وبشكل واضح الهبوط الملحوظ في مؤشر الإنجازات على المستويين الداخلي والخارجي على حد سواء، ويعود ذلك - وبحسب محللين عسكريين - إلى تضاؤل الدعم الدولي لما كان يعرف بدولة اسرائيل، نتيجة انعدام الأهداف التي أنشئ هذا الكيان من أجل تحقيقها .. ولتنامي القدرات العسكرية لدول المنطقة وأخص بالذكر جمهورية إيران الإسلامية، التي تشكل العصب الرئيس لما بات يعرب بجبهة الممانعة للهيمنة الغربية على منطقة الشرق الوسط.
لن أخوض في مسألة التحالفات السياسية، فالكل بات يعرف بأن السياسة مبية بمجملها على المصالح الإقتصادية، ومن هذا المنظور الضيق نستطيع - وبقدراتنا المتواضعة - وبحنكة من يعرف توظيف مصلحة الحلفاء بالشكل الأمثل، نكون قد وضعنا بصمتنا، وأصبحنا ممن يعول عليهم في كتابة تاريخ الكون مع بداية ألفيته الثالثة، من دون ان نكون الرقاع الذي يكتب عليه الآخرون إنجازاتهم المهولة .. و ليعلم القاصي قبل الداني بأننا - في الشام - شرعنا في تحديد هويتنا العروبية وبحروف من ذهب ليقرأها العالم، ومن هذا المنبر نصدح بعالي الصوت ونعلن بأن عتاولة الإرهاب لم ولن يستطيعوا طمسها، بهمة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .. صدق الله العظيم ... وللحديث بقية !.