news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
حلم داخل الحلم 2... بقلم: طرطوسية
syria-news image

نهضت مسرعة باتجاه البيت ولكن الأمطار كانت قد بدأت بالسقوط بتسارع كبير, والسماء كانت تومض ببرقها كأنها تريد عرقلتها عن المسير, الرياح تدفعها من الخلف بلا رحمة وتقذف بخصلات شعرها على وجهها فتعصب عينيها عن الرؤية .. أسرعت في خطاها أكثر وأكثر, ولكنها لم تنتبه إلى حفرة صغيرة كانت قد امتلأت بالمياه الموحلة فسقطت ولوت كاحلها!!


بكت بشدة من الألم وتذكرت كلام ذلك الرجل, لا يوجد من ينقذها من مأزقها هذا, حاولت النهوض ومتابعة السير ولكن عبثاً حاولت.. إذا عليها الانتظار حتى تشعر عمتها بغيابها فترسل من يبحث عنها..

ولكن!! هل هذه أصوات أقدام خيل تقترب أم أنها تتخيل ذلك؟؟ لا لم تكن تتخيل انه رجل يركب حصانه!! ولكن أي رجل؟؟ يا الهي لماذا تضعني الأقدار دائماً في مواقف مخجلة أمامه هو بالذات؟؟

نزل عن حصانه حملها كطفلة بين ذراعيه ووضعها على الحصان, جلس خلفها وعاد بها.. شعرت بدفء صدره على جسدها المبتل تسارعت دقات قلبها .. تلاحقت أنفاسها.. أخذت ترتجف بين ذراعيه.. هي تلامس مباشرة صدر ذلك المغرور, ساعداه المفتولين يحيطان بها!! يا له من قدر مذل ... سألها:

- هل تشعرين بالبرد؟

- لا.. ولكن رجلي تؤلمني هذا كل شيء

- نعم سنرى ما يمكن فعله .. أنت طفلة متهورة ألم أخبرك بقدوم عاصفة؟؟ هل كان عليكِ أن تبتعدي لتقعي فيما أنتِ فيه؟ أنتن النساء مهما بلغتن تبقين كالأطفال

- لم أطلب منك المساعدة لذلك لا تبدأ بتهكمك

- هه .. حسناً أيتها القطة المتوحشة.. اقتربنا من البيت

ولكن لم يكمل إلى بيتها بل حملها ثانية وقطع تلك الساحة التي شاهدته يعمل فيها منذ ساعات قليلة عاري الصدر!!

لم يلتفت لطلبها بأن يدعها تذهب إلى بيتها وحدها, بل تابع وكأنه أصيب بصمم مفاجئ

نادى مدبرة المنزل وطلب منها أن تأتيها بثياب جافة وأن تصنع لها كوباً من الشوكولا الساخنة, بينما قام هو بفحص كاحلها بطريقة توحي بأنه طبيب مختص بهذه الحالات!!

لاحظ توترها فقال بتهكم واضح: "لا تخافي أنا طبيب ولن أسبب لك الأذى اهدئي"

آه لو تعلم أن توترها لا علاقة له بالخوف.. حتى هي لا تعرف ما يصيبها عندما تراه أمامها

ضمد رجلها بطريقة احترافية بعد أن غيرت ملابسها وشربت الشوكولا الساخنة.. ثم جلست تلهو مع يارا التي راحت تريها ألعابها وبعض رسوماتها وتحدثها كأنها تلهيها كي لا تغادر

نظرت إلى النافذة:

"لقد هدأت العاصفة.. هل أستطيع المغادرة؟"

 "كما تشائين ولكن لن تستطيعي السير على قدمك الآن.. أفضّل أن أقلك"

"ولكن ..."

"لن أحملك .. لدي عربة أستخدمها لنقل اللوازم.. ستفي بالغرض"

لم ينتظر حتى تقول شيئاً, فقد غادر الغرفة وعاد مع عربته.. حملها كالريشة مرة أخرى ولكن هذه المرة كان وجهها مقابل وجهه تماماً أحست بأنفاسه تحرق وجهها!! إنها المرة الأولى التي تنظر مباشرة إلى تلك العينين .. سوادهما جعلها تشعر أنها على باب مغارة مظلمة لانهاية لها, مغارة مليئة بالكنوز والنفائس تغريها بالدخول والاكتشاف ولكنها مرصودة بلعنة خطتها الخطوط الحمراء التي تشابكت في بياض عينيه... لمحت خلف هذا السواد حزناً عميقاً وألماً لم تتوقع أن تراه أبداً.. أحست برغبة بالغة في مد يدها لملامسة خده برقة ومعانقته بقوة.. ولكن لا...!! كم سيسخر منها ومن حماقاتها المتكررة.

وضعها في العربة وأوصلها إلى بيتها حيث كانت عمتها تقيس البهو ذهاباً وإياباً في قلق بالغ.. شكرت جارها اللطيف على عنايته بابنة أخيها ودعته لتناول الفطائر التي أعدتها, ولكنه اعتذر بحجة القيام ببعض الأعمال.

أصبح الفارس في حلمها أقرب أكثر فتبيّنت بعضاً من هيئته هذه المرة, دون رؤيةٍ واضحة لوجهه بالتفصيل

لم تستطع مساعدة عمتها هذا اليوم فقررت الجلوس في الحديقة تقرأ كتابها... سمعت صوتاً رقيقاً خلف السياج!! رفعت نظرها فرأت يارا مع لعبتها تقف بابتسامتها البريئة تسألها عن حال قدمها اليوم!!

- "ادخلي حبيبتي"... دخلت الصغيرة وجلست بقربها

- أنا أحبك كثيراً كنت أرغب أن تبقي البارحة وتنامي عندي فأنا أشعر بالوحشة وأنت لطيفة جداً

- أنا أيضاً أحبك ولكن لا يجوز أن أبقى معك وأترك عمتي وحيدة

- لقد أتت اليوم قريبة أبي لزيارتنا وهي تنام عندنا فلماذا لا تنامين أنتي؟ أنا لا أستلطفها فهي مغرورة ومتكلّفة ولا تخفي إعجابها الشديد بأبي.. أعتقد بأنه سيتزوجها فهو أيضاً يبدي إعجاباً شديداً بها

قالت الطفلة آخر جملة بحزن شديد وكأنها تتمنى أن لا يتحقق ذلك

شعرت سوزان بشيء مزعج يتحرك داخلها ولكنها لم تفهم سببه.. هل تغار عليه؟؟ لكن لا... كيف تغار على رجل تبغضه وتتمنى أن يختفي من حياتها؟؟ لابد أنها تتعاطف مع الطفلة المسكينة

- عزيزتي أنت مازلت طفلة ولا يمكنك فهم الحياة.. ربما تكون هذه الإنسانة مناسبة كأم وقد تستطيع تعويضك الحنان الذي تحتاجينه

- لا.. فهي تتصنع الاهتمام بي والحب أمام والدي, وفي غيابه تصبح باردة كقطعة من الجليد

- لا تشغلي رأسك الصغير بهذه الأمور حبيبتي يجب أن تفكري فقط بالمرح واللعب والسعادة

- لماذا لا تتزوجين أبي؟؟ أنا أحبك كثيراً وأبي رجل طيب سترين ذلك وافقي أرجوك

فوجئت بطلب يارا!! ارتبكت كثيراً وكأن صاعقة مفاجئة حطت على رأسها حتى أن الكتاب وقع من يدها

- لا حبيبتي لا يمكنني ذلك ولكن يسعدني أن تعتبريني أماً فأنت طفلة لطيفة جداً وأشعر بالسعادة في رفقتك

- لم لا؟ سأطلب من أبي أن يتزوجك أنتِ .. سترين أنه لن يرفض طلبي

- ضحكت من براءة الطفلة وقالت: "لا تفعلي فذلك لا يجوز.. هذه الأمور لا يجوز أن يتدخل فيها الصغار أبداً"

قضت فترة الظهيرة تتبادل الأحاديث المختلفة مع يارا ثم غادرتها الأخيرة قبل أن يعود والدها ويؤنبها

جلست مع عمتها على طاولة الطعام فبادرتها العمة متسائلة عندما رأت الحزن بادٍ على وجهها:

- هل أنتِ بخير حبيبتي؟ لم هذا الحزن؟؟

- لاشيء مهم, ولكن لابد أنني تعاطفت مع يارا فهي طفلة حساسة ويبدو أن قريبة والدها لا تروق لها, خاصة أنها ستصبح زوجته

- نعم ولكن هذا حال كل الأطفال في سنها عندما تأتي من تحتل قلب والدها الذي كان ملكها وحدها

- أعتقد أنك على حق... عمتي .. أرغب بالعودة للعيش في المدينة وإيجاد عمل ما يملأ وقتي

- ولكن لماذا؟ هل يزعجك العيش هنا؟ أفهم أنك تعودت على الحياة في المدينة ولكنني تخيلت أن الحياة هنا ستعجبك أكثر!!

- لا لست منزعجة أبداً ولكنني أحتاج أن أكون وحدي وأقرر ما يجب أن أفعله في الحياة, وإن أردتِ تستطيعين الذهاب معي هذا يسرني كثيراً

- لا... لقد اعتدت على الحياة هنا ولا أعتقد أنني أستطيع تحمل صخب المدينة بعد اليوم, ولكن لك كامل الحرية في تقرير ما يجب عليكِ فعله.

يتبع...

 

حلم داخل الحلم 1

2010-12-06
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد