كانت عيناها تشعان فرحاً وسعادة, كيف لا وهي ستتزوج أخيراً بمن تحب وستعيش الحياة التي لطالما حلمت بها إلى جانبه..
بدت كالأميرة وقد خرجت من إحدى الأساطير بفستانها الأبيض وابتسامتها الصافية, إنها حقاً أميرة.
عاشت الحلم وأنجبت ابنتها الأولى, كانت تكرر دائماً عبارة "كيف يقولون بأن الحياة لا تمنح السعادة كاملة لأحد؟ فأنا سعيدة جداً ولا أتمنى سعادة أكبر من هذه!!".. ولكن القدر دائماً له مشيئة أخرى.
عاد زوجها تلك الأمسية متجهماً على غير عادته, فكانت كلما سألته عن سبب استيائه يجيبها بأنه العمل ومتاعب العمل.
شيء ما بداخلها كان ينبئها بخطب ما, ولكن انتظارها لم يكن طويلاً, عندما طلبت منها أخت زوجها أن لا تكون أنانية وتحرمه من فرصة العمر بالسفر إلى دولة أجنبية!!... ولكن هذا الأمر سيكلفها حياتها الزوجية لأنه لا يستطيع الذهاب دون الاقتران بأخرى يذهب على اسمها بعد أن يطلق زوجته... كان طموحه أكبر بكثير من حبه لها ولابنته, طلقها وبدأ بمعاملات الزواج من الأخرى.
عادت إلى أسرتها مع طفلتها الصغيرة وهي لا تصدق أن الحياة بعد أن منحتها كل شيء عادت وأخذته مرة أخرى بهذه القسوة.
لم تلق أدنى ترحيب من أسرتها ومن والدتها بالتحديد, فلقد كانت يومياً تسمعها عبارات قاسية عن صعوبة الأحوال المعيشية, فقررت البحث عن عمل تعيش منه, ولكن حتى سقف البيت كان كثير عليها عندما طردتها والدتها هي وطفلتها بعد أن رفضت الزواج من رجل بعمر والدها.
كان هذا الرجل يرغب بالزواج منها قبل أن تتزوج والد ابنتها, وعندما علم بطلاقها عاد وكرر طلبه, كانت تكرهه ويشعرها بالقرف والاشمئزاز, ولكن ليس لديها أي خيار آخر فإما النوم في العراء وإما أن تقبل به.
قبلت الزواج لكي تؤمن لابنتها سقفاً يحميها بعد أن رفض أهلها منحها سقفهم, واستطاعت مع الأيام أن تحترم زوجها ولكنها لم تتمكن من حبه فجرحها كان عميقاً ولا مكان فيه للحب.
أنجبت ابنتها الثانية, ولكن أثناء الولادة لاحظ الأطباء وجود ورم في الرحم, لتبدأ رحلة عذاب أخرى مع العلاج, فتم استئصال رحمها وخضعت لعدة جلسات للعلاج الكيميائي, حتى أصبح من يراها لا يعرفها ويكاد يقسم أنها امرأة أخرى غير تلك الخارجة من الأساطير.
لكن بفضل الله وحبها للحياة ولابنتيها وقوة إرادتها, تمكنت اليوم من الشفاء والحياة بشكل طبيعي واستعادة رونقها وابتسامتها الساحرة.
----------------------------------
جلسنا لتقديم واجب العزاء في سيدة ستينية قضت بعد صراع قصير مع مرض عضال, كانت ابنتها الكبرى وهي أم لثلاثة أطفال تجلس بجانبي شاردة الذهن, وكأنها تنظر إلى شيء ما خارج الجدران.
عندما انتبهت إلي أنني أحدق بها, ابتسمت بمرارة وقالت "كم تسخر منّا هذه الحياة, فنحن مجرد دمى مربوطة بمجموعة من الخيوط نتحرك دون إرادة منا"
لم تستطع الأم تحمل نبأ إصابة ابنتها الكبرى وأول فرحتها بهذا المرض, فأصابها حزن شديد لم يقوَ قلبها ولا جسدها على تحمله, فقضت بنفس المرض بعد وقت قصير, وقت لم يكن كافياً ليستفيق الجميع من صدمة مرض الابنة ليتلقوا خبر وفاة أمها!!
لقد أصيبت هي أيضاً بهذا المرض قبل والدتها, كانت قبل زواجها تتمنى أن لا تعيش اليوم التي تغادر أمها هذه الحياة.
لكن بعد أن أنجبت أحست بأن هذه الأمنية تحمل الكثير من الأنانية, لقد كانت أنانية عندما تمنت أن تموت قبل والدتها وهذا لا شك كان سيصيب والدتها بالحزن الشديد الذي لن تقوى على تحمله, الآن وبعد أن تمنت أن تعيش لتربي أطفالها, كان للقدر مشيئة أخرى.
قالت لي: "صدقاً لا أعلم إن كنت أرغب بالحياة أم لا, فالأمر سيان بالنسبة لي, بل وأعتقد بأنني إن متّ الآن فهذا أفضل لأولادي, فلو ماتت والدتي عندما كنت صغيرة لما حزنت عليها كل هذا الحزن, ولكنت اعتدت على العيش بدونها, أما الآن فأنا أشعر بالذنب لأنني أنا السبب بمرضها ووفاتها"
شعرت بالعجز أمام كلماتها الحزينة, فكل واحد منّا فقد عزيزاً, ولكن الله يلهمنا الصبر والسلوان بمرور الوقت, أما هي فهل ستنتهي مأساتها مع الزمن وتتابع حياتها وتتغلب على مرضها؟
يقول الاختصاصيون بأن العامل النفسي هو أهم عوامل تغلب الجسم على هذا المرض, فإرادة الحياة لها مفعول قوي وسحري للتغلب على أي مرض حتى العضال, فهل ستتمكن يوماً من التغلب على مرضها عندما تنظر في عيون أطفالها وتقرا في تلك العيون "أحبك يا أمي؟"
لو أن الأم رغبت بالحياة ربما كان بإمكانها المقاومة والشفاء, ولكن من أين تأتي هذه الرغبة وقد حكم على ابنتها بالموت؟
ولكن يبقى الثقة والإيمان بالله أساس كل شيء, فهو قادر أن يشفي الإنسان من أي مرض مهما كان خطيراً, كيف لا وهو يحيي العظام وهي رميم؟؟
تمنياتي للجميع بوافر الصحة والعافية, وليبعد الله عنكم وعن محبيكم المرض, ولتكن الصحة تاج تزين رؤوسكم.
ملاحظة: لحظة إرسال المساهمة للنشر كانت بطلة القصة الثانية قد انتقلت إلى رحمته تعالى