news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
في دمشق القديمة حيث تسكن روحي ...بقلم : ميس فايزحاتم

هناك أمام الشاشة الخرقاء تلك، تسمرت عيناي، وتحديداً على شريط الشؤم الأحمر العريض في أسفل الشاشة. ترى كم من العيون معلقة به الآن تتسابق لقراءته بلهفة، تبحث عن شيءٍ ما ينفي كارثة فقدانِ أحدهم كان قد ذهب ليشتري هديةً لحبيبته، أو شالاً لأمه، أو ربما مر ليأخذ عبقاً من عطر دمشق القديم قبل أن يغادر محملاً بالحنين.


كم أكرهها تلك الكلمات الملعونة ( عبوة ناسفة- دم- قذائف- قصف- قتل- خطف-دمار- نزوح ) التي تطالعنا صباح مساء، وكأنها أصبحت جزءاً من أيامنا، مع اختلاف الأماكن، والأسماء، وعدد الضحايا، أو النازحين لا فرق. إلا أن الألم مازال نفس الألم، وتلك الحرقة بازدياد.

 

هذه المرة اختارت تلك العبوة قلبي لتنسفه، وتفجر سيول ذكرياتٍ لي هناك، فأرجع تلك الفتاة العشرينية تمشي في ذلك الطريق الطويل، الطويل. ذلك الطريق الوادع المتفيء بأقواسه الحانية كما لو أنها تحميه، وتظلل زائريه من مختلف الأشكال والبلدان والأديان.

أطير في جنباته كالفراشة، أسلم على أرضه بلاطةً بلاطة، ألوح للباعة الباسمين دائماً، فتتعالى أصواتهم يردون السلام بلهجتهم الشامية التي تغرقك بالحب، وتنفي عنك آثام الغربة، فتشعر وكأنك هناك في بيتك وبين أهلك.

 

أسير بين ضحكاتهم وحكاياتهم و أنتهي على عتبات الجامع المعمور، فيضحك قلبي ويرد حزنه، أشق طريقي بين حمائمه الارستقراطية المنحدرة من سلالة بني أمية والتي قررت أن تواجه أقدارها هناك في مسقط رأسها على عتبات الأموي إلى الأبد. أطل على باحته فأراها وقد خلت من المصلين والمساكين، وعابري السبيل، أقبل جدرانه وقناطره بعيني وأمضي لأتسكع على واجهات الفضة بين سلاسل وخلاخل النساء الشاميات، أجمل نساء الأرض.

فتستوقفني ضحكات لرفاق دربٍ هاربةٍ من مقهى النوفرة مع رائحة القهوة والمعسل، فأسحب كرسي القش وأرمي بذاكرتي عليه لترتاح قليلاً أمام ذلك الباب، أسند ظهر أوجاعي إلى ذلك الجدار الحجري الحنون فأسمع أنين اشتياقه للسلام، للسكينة، ولنا.

 

هناك تحت عريشة الياسمين، عند ذلك الدرج الحجري، حيث ترك يوحنا المعمدان رأسه ليرتاح، تركت قطعةً من قلبي و مضيت، تحملني أحلامي إلى القيمرية لآخذ من دفئِهِ زاداً لأيام الصقيع، فأختارُ طاولةً صيفيةً صغيرةً في ذلك البيت الشامي اليتيم بلا سكانه، وأتساءل كيف يا ترى ترك أصحاب هذه الجنة كل هذا الجمال و الدفء ؟ وبأي مكانٍ أجمل من هذا البيت الشامي تراهم استبدلوه؟

 

هنا حيث يعانق الحجر الياسمين، وتعزف لك البحرة ألحاناً، هنا حيث يحلق صوت فيروز الملائكي من الفسحة السماوية ليتناثر حبات سحرٍ على مسامع عشاقها الدمشقيين. فأهل الشام يعشقون فيروز بالفطرة ويحفظون أغانيها عن ظهر حب، وعن ظهر قلب.

ولتعلم فيروز أنها لولاهم أولئك العشاق التواقون للنقاء، ولولا أنهم يستيقظون على صوتها مع فنجان قهوتهم الصباحية، لما امتلكت كل ذلك السحر. فالدمشقيون يعلمون الحب، ويسكبون مذاقاً سحرياً لكل ما يعشقون وكل من يعشقون.

هناك في أرض تلك الدار لا حواجز تمنع دعواتك وصلواتك من الوصول إلى السماء،،

هناك تشعر بأن الله قريبٌ من روحك..

 

هناك للحب طعمٌ،، وللحزن طعمٌ،، وللظلم طعمُ آخر هناك..

هناك بحثت كثيراً في عيون المارة،، وفي الحارات الضيقة،،، وفي وجوه الغرباء هناك..

هناك في تلك القطعة من الأرض حيث يسكن نور الله بحثت كثيراً عن شيء ما قد ضاع مني هناك،،

بحثت كثيراً عن شيء ما ضاع مني هناك...

 

بحثت عن نفسي،،

وعن قلبي،، 

وعن روحي هناااااااااك...

 

23-11-2013

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews


 
2013-12-27
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد