أمضت طوال طريق رحلتها ووجهها ملتصق
بزجاج النافذة ...
هي اختارت تلك الوجهة تماما لجمال الطريق المؤدي إليها، وفتنة الطبيعية الآخاذة
التي كانت تدفعها سابقا لإبقاء عيناها مفتوحتان طوال الطريق كي لا تفوت لحظة جمال
واحدة لا تتكرر علها تفتتح رحلتها بنسيانه لساعات قليلة، لكنها كانت تتفرج على
أيامها معه من خلف الزجاج هذه المرة!!!!
لاتدري لماذا تذكرت ذلك اليوم بالذات، عندما
التقته للمرة الأولى ,في بيت أحد الأصدقاء المشتركين لهما ،،وكانا يقيمان حفل
عشاء صغير بمناسبة زواجهما .......
كانت ضحكته مجلجلة كحضوره، وفظة كطريقة تدخينه ، كان يدخن بنزق وفظاظة
عادي هو بكل مقاييس الوهلة الأولى، بل يضفو على شخصيته قلق واضح ينتقل إلى من
حوله بسرعة
حتى أن مالفت نظرها إليه هو استياؤها من بعض تصرفات بدرت عنه بعفوية ....وجدت
لها مبررا لاحقا وهو الغربة لسنوات طويلة والعيش في مجتمعات لا تعير لبريستيجات
المجتمع ,,وإيتيكيت طاولات الطعام أي اهتمام...
لم تدر أن عذابها المقبل لسنوات قادمة، سيكون على يدي كل تلك التناقضات
المجتمعة في شخصه ...والتي عشقتها فيما بعد ..
كان سره يكمن في اختلافه ...
عندما عرفته جيدا بعدها، اكتشفت أن يتمه المبكر أحاله شرسا، وكأنه حقد على كل
إناث الأرض ...
كان يثق بها فقط هي ((أمه)) التي خطفها الموت وتركته في طفولته المتأخرة متخبطا
ينازع بؤسه وغربته بدونها...
كان اليتم يسكن ملامحه وتفاصيله، وكان سبب مآسيه كلها،،، بل ومآسيها هي أيضا
...
بعدها ....لا امرأة على الإطلاق ستسكن قلبه وروحه...
لاحقا......
في حياته القادمة، دخلت هي إلى قلبه متسللة،،متلبسة صبر وحنان وطيبة أمه....
ينقذها مضيف الرحلة من شرودها ليعرض عليها ماء باردا ...تشرب الماء ,,علها تطفي
به نيارين ذكرياتها الملتهبة في كل زاوية من زوايا قلبها الظمىء...
تسند رأسها إلى الوراء فقد أثقلته كل تلك الذكريات ,ولم تعد قادرة على حمله بين
كتفيها،،وتسمع صوت نقر خفيف تلتفت إلى النافذة مجددا ..
ينقر هو على زجاج الذاكرة ليعيدها مرة أخرى إليه.....