news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
قهوة 12...بقلم: ميس فايز حاتم

في عز مرضهِ... وخلال إحدى صحواتِ غيبوباتِهِ الكثيرة.. فتحَ عينيه الذابلتين..
تأمَلها طويلاً، ثمَ قال لها بصوتٍ متهدج: اشتهي فنجاناً من القهوة، أريدُ أن أتذوق ذلك الطعم مجدداً..
طعمَ قهوتِكِ برشَتينِ منَ السحر.. وقطعةَ حلم.
تحملينها لي على صينيةٍ فضية. مع كأس ماءٍ باردٍ ليطفي اللهفة.


وكمشةِ ياسمين كنتِ تضعينها لي في صحن السجائر علكِ تمنعينني بعشقي للياسمين، أن أستبدلها بأعقابِ سجائري المسحوقة -والتي ثارت علي اليوم وسحقت رئتي-.
حتى في عز مرضهِ كانَ حالماً.. متمكناً من صياغةِ صورِهِ وترتيبها كحباتِ لؤلؤٍ في عقد.
ثم نثرها أمامها بسلاسة.
ساحرةً، سواء مرتبةً كانت أم مبعثرة هي كلماته.
من أين يأتي ياترى بتلك القدرة على انتقاء الكلام، ونبش الذكرياتِ الدفينة، واستحضار الحنين.
تلك الصنعة التي لطالما أتقنها.. ولطالما سحرها بها.
مأخوذةً بكلامِهِ أمضت سنيها.. مأسورةً بين جملِهِ كفاصلة.
لم تكن مرةً نقطةً في نهايةِ السطر.
في ما مضى...كان يتلذذ بمرارِ قهوتها المغليةِ على نيران الحرقة التي سكنت قلبها مذ عرفته.
والمشبعة بأنفاسها الملتهبة خوفاً.. خوفَ أن يتركها لوحدها ويمضي.
أما الآن.. فقد أراد فقط أن يشعر بالدفء. الدفء الذي لطالما افتقده مذ رحلت عنه آخر مرة..
الدفء الذي حملته له دوماً في فنجانِ قهوة.
دفءَ قلبها الذي احتضنه في كل نزواتِهِ.. و تركَ له البابَ مفتوحاً دائماً..
انتظرَ عودته بيأس.. لكنهُ انتظرَ حتى الرمق الأخير.. حتى العودةِ الأخيرة.
ولم يطرق بابه هو... إلا متأخراً عن العمر بعمر.
مهزوماً..مريضاً جاءها..
راجياً.. كطفلٍ معلقٍ بأثوابِ أمه كي لا تتركه...
ولم ترده خائباً هي...ككل مرة..
كانت تشرعُ له الأبواب ليستريح في قلبها قليلاً.. ثم يمضي تاركاً لها الإنكسار..وسقوطاً شاهقاً في وادي الخيبات..
دون أن ينظر وراءه.. ودون أن يشعر بشيءٍ من الذنب لما تركه خلفه من دمارٍ داخلها..
وبصبرِ وتسامحِ أم.. فتحت له الباب اليومَ أيضاً..
لأنها كانت تدركُ تماماً.. أن رحيله هذه المرة.. سيكون الأخير...

2016-11-17
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد