**بعد حلبْ هناك ثلاث خيارات أمام سورية ، ومسئولية أيٍّ من هذه الخيارات تقع بالدرجة الأولى على روسيا .. لأن روسيا هي اللاعب الأساس وصاحبة القرار الأول والأخير على الساحة السورية ، وهذا ما ثبتَ تماما خلال المرحلة الماضية .. فالروسي كان يقرر كل شيء والآخرون يسمعون من الإعلام ، أو يتبلغون متأخرين !.. الإيراني لهُ دورا مُهما أيضا ، ولكن لا يمكن أن يرقى لدور الروسي ..فالروسي هو من قلبَ المعادلات العسكرية خلال عامٍ من تدخلهِ في سورية ، وليس الإيراني !!.. والإيراني ليس بوسعهِ مخالفة الروسي أخيرا ، لأنه لا مصلحة له بإغضاب الروسي ، وليس في وضعٍ يسمح له بإغضاب الروسي !..
**الخيار الأول : وهذا ما ندعو الله أن يحصل ويتحقق ، وهو السعي لتطبيق القرار 2254 المعطوف على بيان جنيف في حزيران 2012 ، دون مزيد من المماطلة وتضييع الوقت ، لأن أية مماطلة وإضاعة للوقت تعني زهق المزيد من الدماء ، والمزيد من التهجير والتشرُّد !!. إن القرار واضح ولا يحتاج إلى كثرة عناء في التفسير ، بل هو مُفسّرٌ من تلقاء ذاته .. وأول ما ينصُّ عليه هو الانتقال السياسي!!. إن تحقّق هذا الحل (وبالتأكيد إن كانت إرادة الروسي صادقة وصارمة فسوف يتحقق) فحينها يمكن إنقاذ سورية والاتفاق على صيغة ترضي كافة مكونات الوطن وتعطي كل مكونٍ حجمه وحقّه ونشهد استقرارا،، ولا يكون هناك من يشعر بالظلم والقهر والإقصاء والتهميش !!. وربما كلام بوتين للرئيس الإيراني أنه سيعمل لإيجاد حل سياسي بسرعة ، إنما هو إدراك من بوتين على خطورة التأخر أكثر في هذ المجال !..
** لا يمكن أن يسود الظلمُ في مكان بالعالم دون أن تندلع الحروب !!. هذه معادلة يجب
أن نعيها جيدا ونسعى لمعالجتها !. لا يمكن أن يسود الظُلم حتى من مسئول على مرؤوسيه
في وزارة دون أن تندلع المشاكل وتنفجر الناس في وجهه !!. على الجميع أن يدركوا
ومهما علتْ مواقعهم ، أن كل البشر لديهم كرامات كما هُم ، وليس هناك من هو أقلُّ
اعتزازا بكرامته من أكبر مسئول !.. والمسئول ليس من طينة مختلفة حتى يستصغر الآخرين
وينظر بتعالٍ إليهم مُستغلا موقعه ونفوذه .. حينها سوف يزدروه بالتأكيد .. وخاصة في
بلدنا حيث المسئول تصنعهُ (غفـ .... ) الزمان والمحسوبيات وليس إرادة عامة ولا
مؤهلات ولا خبرات ولا كفاءات !..
**على كل سوري أن يضع يدهُ على ضميره وأن يفكر بأحوال عشرات الآلاف من أبناء وطنه
في البراري وتحت الخيم ، في ظل هذه الظروف الجوية القاسية .. إن أي مواطن سوري يجلس
في بيته بهذا البرد القارس من دون تدفئة ، بسبب عدم المقدرة على شراء المازوت ،
يُدرِك معنى البرد .. فكيفَ هو الحال بعشرات آلاف السوريين الذين يعيشون بالبراري
في الخيم في ظل هذا البرد القارس !!. هل هناك من ما زالتْ لديه ذرّة من إنسانية
يُفكّر بأحوال هؤلاء البشر ؟. هل تصوّر أي إنسان لو كان أولادهُ هُم من يعيشون تلك
الظروف ؟. أم أن الرحمة خرجتْ بالكامل من قلوب السوريين والحقدُ قد فاض خارج القلوب
!!.
**الخيار الثاني : وهذا لا نتمنى أن نراه ، ولكن إن فشلَ الحل السياسي وتم إضفاء
التفسيرات المختلفة على عملية الانتقال السياسي بهدفِ إفشال الحل ، فالخشية هي من
العودة للحرب وبشكلٍ أعنفٍ وأشرسٍ مما شهدناه على مدى خمس سنوات !!. فالدول
الإقليمية ، والدول الأوروبية ، والولايات المتحدة ، ما برحتْ تصرح أنها مستمرة في
دعم المعارضة بالسلاح والمال ولن ترضخ للأمر الواقع وأن الحرب طويلة !!. والكونغرس
الأمريكي بصدد تبني قرارا لدعم المعارضة بأسلحة دفاع جوي ، يعني صواريخ مضادة
للطيران .. ويخطئ كل من يعتقد أن هذا لا يُخيف الرئيس بوتين .. فالرئيس بوتين يخشى
جدا جدا حصول المعارضة على أسلحة مضادة للطيران ، لأن إسقاط طائرة روسية واحدة ، هي
إسقاط لهيبة بوتين .. وإسقاط طائرة ثانية هي إسقاط لسياسة بوتين وتأليب للرأي العام
الروسي ضده .. وإسقاط طائرة ثالثة يعني تحويل سورية لأفغانستان !!. ومن هنا فإن من
مصلحة بوتين العليا هي في تحقيق الحل السياسي بسرعة وهو في عزِّ معنوياته وتفوقهِ
وقوته ، وإلا سيرتكب خطأ كبيرا !.. وعدم السماح بالعودة للحرب بشكلها الواسع الذي
عرفناه !..
**الخيار الثالث : وهو مرتبط أيضا بالخيار الثاني ، فإن تصاعدتْ نيران الحرب من
جديد ، في ظل الفشل بالتوصل إلى حل سياسي ، فإن هذه الحرب ستكون أطول مما نتصور ...
فالغرب لن يسمح للروسي بالحسم .. وكل زعامات الغرب قالوها : لن يكون هناك حل عسكري
في سورية ، ولن يكون هناك سوى الحل السياسي !.. أي لن يسمحوا إلا بالحل السياسي عبر
التفاوض ووفقا لقرارات الأمم المتحدة !. وإن طالت الحرب سنوات عديدة أخرى فإن
التفتيت في سورية قد يصبح أمرا واقعا .. وعلينا أن لا ننسى كلام وزير الخارجية
الفرنسي حينما قال في 6 كانون الأول 2016 أن خطر تقسيم سورية بات يلوح في الأفق !..
** الأكراد لهم منطقتهم التي يسيطرون عليها ، وتركيا تستولي على أكثر من خمسة آلاف
كيلو متر مربع اليوم من أراضي سورية ووصلت إلى مدينة الباب شمال حلب .. وكل ذلك
بالاتفاق مع روسيا ، حيث قايض الطرفان بين الباب وحلبْ .. هذه أمور باتت واضحة ولا
تحتاج لعناء لمعرفتها .. الدول مصالح وليست جمعيات خيرية ، والغباء أنه ما زال في
سورية الكثيرون يعتقدون أن روسيا جمعية خيرية وإيران جمعية خيرية وهُم يقاتلون فقط
لوجهِ الله ولا يريدون جزاء ولا شكورا ، وليس من أجل مصالحهم ، ومصالحهم فقط !..
وهُم من الواضح أنهم غير معنيون لا بدولة سورية ولا بحكومة سورية وقرارهم هو قرارهم
!!..
** سورية غرقت بالطائفية والأحقاد الطائفية ، ومن لا يدرك ذلك فعليه أن يضع نظارات
تكبير حتى يرى الأمور على حقيقتها !!. ولكن علينا الاعتراف أيضا أن الطائفية في
سورية لم تنتجها هذه الحرب فهي صناعة تاريخية دائمة مُكدّسة جيلا بعد جيل ، ولكن
هذه الحرب عمّقتها وأظهرتْ كل الوجه القبيح والعفِن الذي كان ما يزال مستورا ..
الحمقى وحدهم هم من لم يرغبوا بالاعتراف بالحقيقة وكانوا يميلون دوما للقفز فوقها
والحديث عن مجتمع متلاحم منصهر متماسك ووووو الخ هذه الأكاذيب .. بينما حقيقة الأمر
كنا نرى الطائفية والعصبيات الطائفية بأقذر أشكالها في المؤسسات وأولها المؤسسة
التي تعتبر وجه الدولة (الخارجـ ....) .. فكل واحد من طائفةٍ أو من منطقة جغرافية
ما كان يمتلك الصلاحيات والسُلطة كان يتحيّز بشكلٍ وضيعٍ لأبناء ملّته (ويمكن أن
أستثني العلويين فهم دوما أكبر أعداء لبعض).. لا حاجة لذكر الأسماء فالجميع يعلم
ذلك ، والجميع يتذكّر ما كان يُطلَقُ عليه بـ (المحفل) الذي كان مثار حديث الجميع
بالوزارة ، وأعضاء "المحفل" الذين يجب أن يلتقوا يوميا في مكتب أحدهم ليتناولوا
القهوة ويتداولون الحديث ...أحدهم مدّدوا له أخيرا في البعثة عاما إضافيا بعد الـ
65 من العُمر ليكدّس المزيد من الدولارات ، بينما كل أبنائه يحملون الجنسية
الفرنسية ولم يخدم واحدهم الوطن يوما واحدا !!. وهذا حال كل من يحصدون ثمار هذا
الوطن ، فليس من أبنائهم من خدمَ العلَم يوما واحدا ، بينما أولاد الفقراء كانوا
هُم وقود هذه الحرب كي يستمتع أولئك بجمعِ الدولارات ، من دماء الفقراء وأبنائهم ..
هل خدمَ أولاد أضخم وزير بالدولة وأولاد مستشاره خدمة العلم يوما واحدا ؟؟. كلا ولا
يوم !!. إذا على أي أساس يتمتعون بهذه المكاسب والامتيازات !!. وعلى أي أساس أولاد
أهالينا وأشقائنا وشقيقاتنا منذ ست سنوات ونصف وهُم في خدمة العلم ؟؟.
** بل الأدهى أن هناك من هُنّ متزوجات من أجانب وأولادهنّ لا يعرفون سورية ، وهنّ
ممثلات لسورية بالخارج ويتقاضين كل شهر آلاف آلاف الدولارات على حساب دماء أبناء
الفقراء (ويتسترون عليهنَّ مع أن هذا مخالف للقانون) .. حتى لا نتحدّث عن فضيحة
المجيء بابنة سفير سابق في باريس من خارج السلك كله كي ترِثَ والدها سفيرة في باريس
، وهو أساسا من خارج السلك ، في إزدراء لكافة كوادر الوزارة .. وفي ترسيخٍ قميء
لدولة المزارع والإقطاعيات (ثم يخرج عليك حاقد من هنا وهناك ليقول لك إنها دولة
العلويين ،، بينما العلويين هم حُرّاسا فقط لمصالح أولئك ) .. فأمَا كفى موتا
للفقراء وأبناء الفقراء من أجل تلك النوعيات التي لا يساوي الوطن عندهم إلا شيك
الدولارات آخر الشهر ، وبعدها سوف يلتحقون بعائلاتهم وأولادهم خارج الوطن ..
** نعم هذه كانت الحقيقة ، والهروب للأمام وطمر الرؤوس بالرمال لا يفيد .. علينا أن
نعترف أن بلدنا ومجتمعنا غارقا بالعصبيات الطائفية ، ولا يختلف عن لبنان بشيء في
هذا الأمر وكنا نكابر وننكر ونحن نعرف أننا نجافي الحقيقة !!..
**اليوم لم يعُد هناك مجالا للكذب ولا لطمرِ الرؤوس بالرمال ...فقد فاحت رائحة
سورية الطائفية بكل العالم .. وقبلها فاحتْ رائحة العشائرية داخل الطوائف .. فهناك
من كان لا يرضى في مؤسسته سوى أبناء عشيرته ويدعمون بعضا في كل الدولة..
**لا يمكن لأحدٍ أن ينكر أن هذه الحرب الأهلية السورية ، كانت في الجزء الأكبر
والأوسع والأعمق منها حربا طائفية صرفة ،، وامتدادا لحرب صفِّين وحرب كربلاء !..
هكذا جعلها الإيراني والسعودي !!. اليوم تمدّدت صلاحية أحقاد صفِّين وكربلاء 1400
سنة جديدة .. ونحن على أعتاب جولة جديدة من الحرب والاقتتال كل ثلاثة عقود ، ما لم
يعلو صوت العقل والحكمة والوعي ويتم تغليب مصلحة الشعب والوطن ومستقبل الأبناء
والأجيال ، على كل مصالح شخصية وخاصّة ، ويتمُّ التوصل إلى صيغة حل سياسي يعطي كل
ذي حقٍّ حقه .. فالكل يعرف أنه حينما يشتري أبا لُعبة لأولاده ويحتكرها أحد بينهم
ويرفض أن يشارك الآخرين بها فإنهم سوف يشتبكون فيما بينهم حتى يحطمون اللعبة !!..
**نحن مجتمع ليس جديرٌ بأن يحكم نفسه بنفسهِ ، هذا ما أكّده الجميع من خلال السلوك
والممارسات .. والكثير يعتقد أن الحُكم يعني البسطار والسحل والسحق والسجن وإخماد
كل أنفاس الآخر !!. هذا تفكير ضيق ومحدود ، ومن يقبل ذلك لغيرهِ عليه أن يقبلهُ
لنفسهِ أيضا !!.
*كلنا معنيون بهذا الوطن ، لأنه وطننا وليس لنا خيارا آخرا ، كما الكثيرون من أصحاب
رؤوس الأموال !.. ولذلك الكل يجب أن يرفع الصوت من أجلِ وطنٍ للجميع وليس لفئة أو
مجموعة بين الجميع !.. الكل يجب أن يرفع الصوت ضد كل أشكال الخلل والسياسات التي
ثبتَ فشلها على مدى عقود طويلة !!.
*انتسبتُ منذ عام 1968 لحزب البعث ، وبهذه الصفة أقول ، لا مستقبل لسورية في ظل
النهج السياسي الذي سادها على مدى عقود طويلة وكان غير موفّق .. لا مستقبل لسورية
بدون أن يملك الشعب قراره الكامل والمطلق والحر في اختيار كل حُكامهِ وممثليه
وبرلمانه وأعضاء مجالس المحافظات وقياداته النقابية والحزبية ووووو بشكلٍ حُرٍّ
وشفاف وتعددي ، وأن تأخذ الشريحة المثقفة في الوطن دورها الكامل ولا تكون خلف الأقل
ثقافة ووعيا ومؤهلات !!. وأعتقد كل من لديه ذرة غيرة على هذا الوطن ومستقبل الأجيال
فسوف ينضمُّ لهذا الكلام .. أما الغوغاء فلا نتوقف عند كلامهم ، وما أكثرهم !..
ولكن لا بُدّ من القول لهم : هل فكّرتم بيومٍ قد يأتي ولو بعد عشرات أو مئات السنين
، وتنقلبُ فيه المعادلات 180 درجة ، وتصبحون المحاصرين والمعزولين والمحرومين ؟؟.لا
يوجد "مُطلقا" في التاريخ ، وكل شيء نسبي والمعادلات متغيرة دوما !!. ألا يقتضي
العقل والحكمة أن تفكروا بعيدا للمستقبل وتطالبوا فورا بالحل السياسي العادل الذي
يعطي كلٍّ حجمه وحقّه ويقطع الطريق أمام أية حروب مستقبلية !!.
**علينا التمتع بمنتهى الصراحة ، فالزمن ليس للاختباء خلف أصابعنا والقفز فوق
الحقائق .. المشاعر والعواطف السنية على مستوى كل المنطقة العربية لا تشارك الحكومة
السورية الرأي بأنها تحارب إرهابا .. هُم مجمعون أن داعش إرهابية ، وكذلك جبهة
النصرة ، ولكن لا يمكن أن يقتنعوا بأن كل من حمل السلاح هو إرهابي !!. وقناعتهم أن
الحرب هي إيرانية شيعية ضد السنة !..
**إن كتاباتي تنطلق من رؤية عامة شاملة ومستقبلية لمصلحة الوطن ، بل ومن الحرص على
"العلويين" كطائفة .. فهناك من يرون مصلحة العلويين في هذا النهج أو ذاك .. ولكنني
أراها بنقل سورية نحو الديمقراطية البرلمانية والعلمانية والتعددية والتداول على
السلطة من خلال صناديق الاقتراع ..فهذا ما يضمن لهم حقهم ووجودهم ، وهنا تكمن مصلحة
العلويين ، فضلا عن مصلحة كافة مكونات الوطن ... لا يمكن لأبناء شعبٍ أن يتعايشوا
مع بعض على قاعدة قاهرين ومقهورين .. علينا أن نتمتع بالحكمة والوعي والعقل ...
ونصغي لأهل الحكمة والوعي والعقل ، وليس للحمقى ومحدودي العقل والتفكير الذي يثيرون
القرف بتصريحاتهم ولا يرون أبعد من مناخيرهم !..
**لا يجوز أن نبقى أسرى للتنافس والحقد بين السعودي والإيراني ... ونستمر مواقدا
يحرقنا بها السعودي والإيراني .. على السوريين جميعا أن يدركوا أن القدر كتب عليهم
أن يعيشوا مع بعض ولا سبيل أمامهم سوى الحلول السلمية والتفاهم أو التفتيت .. فلا
يمكن أن تبقى هذه الطائفة تحتمي بالروسي والإيراني ، وتلك تحتمي بالسعودي والتركي
،، وغيرها تحتمي بالفاتيكان والدول الأوروبية .. كمْ هو من العار أن كل طائفة باتت
تبحث عن حماية لها في الخارج من الطائفة الأخرى !! إن هذا معناه أخيرا التفتيت ما
لمْ يتم الإسراع في الحل السياسي على قاعدة بيان جنيف 2012 وقرارات مجلس الأمن
الدولي !..