غريبٌ جدا أن يعترض غالبية أعضاء مجلس الشعب على
العقلية غير الديمقراطية أو بمعنى آخرا (الاستبدادية ) لرئيستهم "هدية عباس" بعد
عام من تعيينها بالإجماع في 6 حزيران 2016 ، لأَن التوجيهات كانت هكذا ولذا لم يجرؤ
عضوا في المجلس على ترشيح نفسهِ أو الاعتراض!.
ما يثير البَسمَة هو قول البعض أنها لم تكُن
ديمقراطية في إدارة الجلسات وكأننا في بلدٍ لا مكان فيه إلّا للديمقراطية وحرية
الرأي وحقوق الإنسان، بينما الكبير والصغير يعرف أن كل هذه المعاني لا وجود لها في
البلد، وممنوع أصلا وجودها، وممنوع التحدُّث بها في الإعلام والمنظمات والنقابات
وداخل الحزب، وهذه كانت مشكلة سورية على مدى عقود طويلة وهذا ما أدّى إلى كل
المصائب التي عشناها على مدى تلك العقود وأولها الفساد والإفساد، وتولّدتْ عنها
الظروف التي نعيشها اليوم والتي أدّت إلى هذه الحالة الكارثية لسورية التي ضاعت من
بين أيدي أبنائها وبات الغرباء هم من يقررون فيها كل شيء، بعد أن ملئت قواعدهم
العسكرية الأرض السورية، منها بموافقة الحكومة ومنها رغما عن الحكومة العاجزة عن
فعل شيء إلّا إصدار بيانات الاستنكار للاعتداء على السيادة السورية، ولكن دون أن
تلقى أذانا صاغية لدى أحدٍ!!. فالجميع يتصرف من مبدأ أن سورية كَرْما داشرا لا يوجد
من هو قادر على حمايته ولذا فلا حاجة للاستئذان من أحدٍ لوضعِ اليد على قطعة من هذا
الكّرمْ!. وهكذا بدأ السباق بين المتنافسين!.
*ما زالوا يهزئون من عقول الناس وأن رئيس مجلس الشعب يتم انتخابه ديمقراطيا وبشكلٍ
حرٍّ، وكذلك الأمر مع نائبه وأمين السر وغيرهم، بينما هذه التمثيليات (التي حطّمتْ
البلد) لم يصدقها أحدا منذ تأسيس مجلس الشعب عام 1971 .. والجميع يعرف أن أعضاء
مجلس الشعب يتمُّ تعيينهم مُسبقا من قبل الجهات المختصة، ضمن قوائم محددة وكل من
يترشح ضد تلك القوائم فسوف يرسب.. طبعا مع إبقاء بعض المقاعد لِما يُسمّى
بالمستقلين وهؤلاء جميعا مِمّن لهم ارتباطات بالأجهزة أو راضية الأجهزة عنهم تماما!..
وكذلك، بِحسبِ ما هُو مُتعارفٌ، يتمُّ تعيين رئيس المجلس ونائبه وأمين سرِّه
بتوجيهات تأتي من خارج المجلس!.
* عقلية رفض الديمقراطية والحوار الديمقراطي، أو بمعنى آخرا "الاستبداد " (إن كان
ذلك صحيحا) ليس من طباع السيدة عباس لوحدها، وإنما عقلية رفض الحوار الديمقراطي
والاستبداد بالرأي هي عقلية راسخة في الدولة السورية ولدى مسئوليها.. وطالما أن
هؤلاء المسئولين، سواء في الحكومة أم في مجلس الشعب أم في قيادات المنظمات
والنقابات أم في قيادة الحزب، طالما لم يأتوا نتيجة عمليات ديمقراطية حرة وتعددية
في البلد، أو داخل أحزابهم ومنظماتهم، ومفروضين فرضا بالقرارات، فإن ثقافة
الاستبداد سوف تبقى وتترسّخ أكثر كل يوم، وجِراح سورية تتعمّق كل يوم، فضلا عن
تهميش دور المؤسسات، وزيادة الفساد والإفساد والثراء غير المشروع وتغييب القانون
والمعايير وتكافؤ الفرص، وتحويل الدولة إلى مزارع لشريحة أهل الحُكم والنفوذ ومن لفّ
لفيفهم من أهلٍ وأقاربٍ وأصحابٍ ومنتفعين ومنبطحين وتقديم أبناء الفقراء قرابين
لأجل مصالحهم تحت عناوين وشعارات برّاقة، ينأون بأولادهم عنها (يعني عن تلك
العناوين والشعارات) ولا يقبلون أن يموت أولادهم لأجلها، وأما أولاد الفقراء فلا
بأس فهؤلاء بلا قيمة!.
*هناك من اتّهم السيدة عباس بتزوير إرادة أعضاء المجلس، وهناك من يرون بالمجلس كله
تزويرا للإرادة الشعبية!. (مع كل الاحترام والتقدير لكل الأعضاء).. فهذا المجلس
تحديدا نعرف كيف تشكّل!.
وإنْ كان النهجُ كله في سورية يقوم على غياب الديمقراطية، فلماذا العتَب على
الدكتورة "هدية عباس " لوحدها؟. العقلية غير الديمقراطية أو بمعنى آخرا (الاستبدادية)
هي منتجا طبيعيا لكل نهج حكم "شمولي" في العالم، وهذه كما معادلة 1+1= 2 ، وهذه
المعادلة هي ذاتها في أي مكان بالدنيا، فما هو وجه الغرابة؟.
إن كان هناك اليوم من يتحيز للديمقراطية، ويرفض الاستبداد في الرأي، الذي تربّت
الناس ونشأتْ في ظلهِ فحاسبوا أصحاب الممارسات التي أشرتُ إليها في مقالٍ سابقٍ يوم
18/7/2017 بعنوان (تعقيبا على كلام عضو في مجلس الشعب السوري) المنشور في هذه
الصحيفة الكريمة، المُتنفّس للناس، الذين حوّلوا البلد والدولة إلى مزارع للأصحاب
والأحباب والأهل والأقارب والمقرَبين، والأتباع من المتملقين والمنافقين!.. هل
قرأتم ما ورد في ذاك المقال؟. أم أن ذلك لا يعنيكم يا سادة يا محترَمون؟.
للأسف ثقافة الاستبداد بالرأي باتت تكوينا تربويا ونفسيا وعصبيا في كل الدولة ولدى
كافة مسئوليها.. أخبروني عن مسئول واحد على أي مستوى يقبل أن تناقشهُ وتخالفهُ ولا
يحقد عليك ويُدمِّرك؟. أخبروني عن مسئول تقف بوجهه وتقول له أنا أختلف معك في هذا
الرأي أو ذاك، أو أنكَ أخطأت هنا وهناك، ولا يحرق الأرض من تحتك؟!. بل هل تربّى
السوريون أصلا على ثقافة النقاش والحوار وهل هذا مسموح به؟. فلماذا نتحسّس من عدم
ديمقراطية السيدة عباس؟. على العكس فالسيدة عباس لم تَفُتَّ خارج الصحن، وتسير على
الخط ذاته الذي تسير عليه كل الدولة، فلماذا الانزعاج منها لوحدها؟.
*بلْ أليسَ هناك أعضاءٌ اليوم في مجلس الشعب وكانوا قبلها في المناصب الحكومية،
وحتى الحزبية، وكانوا من كبار المستبدين؟!. ألمْ يكن واحدهم معاون وزير وأمين فرقة
حزبية في أهم الوزارات وكان يقمع كل صوت يرتفع لينتقد الممارسات الهدّامة في تلك
الوزارة لأن مصالحه الخاصّة ومكاسبه كانت تقتضي ذلك؟!. ألَم يكن أكثر استبدادا من
الوزير في تلك الوزارة؟!. فكيف له أن يكون اليوم في مجلس الشعب ويقف في وجه "الاستبداد"
ومعروف عنه أنه كان من أهله وعائلته؟. بل كمْ مرّة زار القرية التي انحدر منها
والمنطقة التي بات عضوَ مجلس شعب باسمها ،على مدى 45 عاما؟!. هل يعرف تلك المنطقة
أو المناطق التي يمثلها؟!.
*أليس فرضُ أعضاء المجلس بالطريقة التي ألِفناها على مدى عقود هو شكلٌ من أشكال
الاستبداد أم لا؟. وألا ينسحب الأمر على كل قيادات المنظمات والنقابات بالدولة؟.
ألا يتم تعيين الجميع بالقرارات وعلى أساس المحاصصات الطائفية والجغرافية
والمحسوبية، وبعد الدراسات والتزكية من الأجهزة المختصة؟.
عندنا يُصبِح الطالبُ أستاذا في الجامعة ويبقى قائدا طلّابيا؟. ويتخرج الابن من
الجامعة ويبقى والدهُ طالبا!. عندنا باتت هناك مقاعد دائمة في المجلس لبعض العائلات
على غرار العائلات اللبنانية!. ذهبنا إلى لبنان كي نقضي على الأمراض السياسية
فعُدنا من لبنان ونحن نحمل كل أمراضهم السياسية!. بل يتميّز الساسة اللبنانيون عنا
بأنهم شفافون وصريحون ومتواضعون ويتحدثون بكل حرية عمّا لهُم وعليهم!. وهذا ليس من
ثقافة مسئولينا إطلاقا!. بل عندنا لا ترى من المسئول إلا تعريم الصدر ورفع المنخار
والتعالي على الناس!.
هل يمكن لأحدٍ بالدولة أن يسأل أصحاب القرارات لماذا رشّحتم ثم عيّنتم أبناء
السفراء السابقين، سفراء ليرثوا آبائهم وما هي معاييركم وهل هؤلاء هُم الأكفأ
والأقدر والأخبر والأحق بين زملائهم؟. ألا يكفي أن آبائهم كانوا سفراء بل يجب أن
يكون أولادهم أيضا سفراء؟. كيف لا يخجلون حينما يقولون أن الدولة للجميع والوطن لكل
أبنائه والناس ترى بعينها نقيض هذا الكلام؟.
هل يجرؤ أحدا أن يسأل رسميا لماذا تركتم سفارات على مستوى قائمين بالأعمال لِعشرين
عاما وماذا خطر ببالكم اليوم حتى تعينون فيها سفراء؟.. هل هناك من عاملٍ سوى
المزاجية والمحسوبية والارتجال والواسطات والدّعم والدوافع الخاصّة؟. هل هكذا تُدار
الدول؟.
منْ يجرؤ حتى في مجلس الشعب أن يطرح هذا الكلام؟. بل هل يجتمع أي وزير أصلا مع
الكوادر ولو مرّة في السنة كي يصغي إليهم ويتحاور معهم بشؤون العمل؟. وإن اجتمع
معهم فهل يجرؤ أحدا أن يختلف معه بالرأي والكلام؟.
*اليوم استفاقوا على عدمِ ديمقراطية رئيسة مجلس الشعب، ولكن لماذا لم تهتموا بكل
الشكاوى التي ذهبت إلى مجلس الشعب وإلى عدة جهات بالدولة عن استبداد وزير في أهم
وزاراتكم؟. أم أن هناك استبدادٌ جيد وهناك استبدادٌ سيئ؟!. تماما كما الإرهاب فهناك
إرهاب جيد وهناك إرهاب سيء!..
*هل يجرؤ أحدا في كل المجلس أن يسائل أي مسئول سابق ولاحق عن ثروته وثروة عائلته
وكيف جمعها، كما فعلت المحكمة العليا في الباكستان مع رئيس الوزراء المُنتخب أصولا،
نواز شريف، الذي ثبتَ أنه غير شريف، وكانت إقالتهُ!..
*للأسف الشديد، الحكومة التي نراها، ومجلس شعبنا الكريم، هي واجهات ولكن هناك
الحكومة العميقة غير الظاهرة هي التي تتحكّم بكل شيء، وهي التي تأني بأعضاء الحكومة
وبمجلس الشعب، وبكل مسئولي الدولة!.
*ولأن الشيء بالشيء يُذكر، وبمناسبة عزل السيدة "هدية عباس" لتعاملها "غير
الديمقراطي"، ومخالفتها للأصول والفروع ومشتقاتها، فسوف أسرد هذه الحكاية البسيطة
كي تروا أن المسألة ليست مسألة شخصْ وإنما ثقافة وتكوين في كل الدولة :
*مسئولة في الدولة طلبنا منها بِحكم الزمالة والروح الرفاقية والمعزّة والاحترام
ومعرفةٍ تعود لأول السبعينيات حينما كنا طلبة في الجامعة وننشط سوية في صفوف الطلبة
ونعمل بلجنة إدارية طلابية واحدة، وكُنا كلما التقينا بالصدفة نتذكر تلك الأيام
ونتحدث عنها، وحينما طلبنا منها خدمة بإيجاد فرصة عمل لِفتاة متخرجة من جامعة دمشق
بمعدّل 71% ، وتجيد الإنكليزية وتحمل شهادة بإدارة الأعمال صادرة عن جامعة بريطانية
(وتنتمي لعائلة شهداء) فوجِئتُ بردِّ فعلها الذي نقلتهُ سكرتيرتها، حينما قالت
بشكلٍ لئيمٍ ) :نحن لسنا مكتب تعقيب معاملات)!!. وكل ذلك لأنني خالفتُ السيدة
المسئولة الرأي حينما قالت أن الترشيح للمناصب الحكومية تحكمه أسُس وقواعد مدروسة،
فكتبتُ لها أقول أن الاختيار للمناصب لا تحكمه أية معايير سوى المحسوبيات والدعم
والواسطات (وسردتُ لها شواهد)... فقامت القيامة، إذْ كيف أخالفها الرأي!. شايفين كم
يتمتع مسئولينا بروح ديمقراطية ؟!.
*قصَدنا مسئولة أخرى بعد أن سمعنا خطابها الواعد والغيور على أبناء الوطن وشبابه
وشابّاتهِ، فصدّقنا، وأرسلنا لها عبر الفاكس طلبا نشرح الأمر ونطلب العون، ولكن لم
يصل الفاكس إلا إلى سلّة المهملات، فالكلام بالإعلام شيء وحقيقة الأمر شيء آخر!. بل
مَن هو المواطن العادي كي يخاطب أحدا من مسئولي الدولة؟. هذه بالنسبة لهم "وقاحة"
...المسئول يخاطبه مسئولٌ مثله (أو رجُل أعمال ثري) ويطلب منه خدمة ما أو وساطة
وليس أي مواطن!. هذه فوضى وقلّة حياء من المواطن، اللي ما بينعطى وش !!.
*يدعس كل واحد في بلدنا بثوانٍ معدودة على عقودٍ من المعرفة والمودة والصداقة
والنضال المشترك لِمجرّد أن تخالفه الرأي!!. وأحيانا ينسى جميع من كانوا أصحابا
وأصدقاء لِمجرّد أن يصبح مسئولا ويغسل الفقر الذي ترعرع في ظلهِ، ولكن بقي متجذرا
في أعماقهِ!!. كل واحد شعاره : تمسكن حتى تتمكن!.. ولذلك كنا نرى أشخاصا نعتقد أنهم
أودعَ من الحمام، ولكن ما إن استلم واحدهم المنصب حتى نبتتْ في صدره مخالب الذئاب!.
هذه حالة عشناها مع من يشغل الطابق الأخير في خارجيتنا!.
تلك المسئولة التي أشرتُ إليها ما أزال احتفظ بكتاب الشكر والتقدير الذي أرسلَتهُ
لي حينما كنتُ في إحدى السفارات وقمتُ بمبادرة شخصية مني بتعديل برنامج زيارتها
ولقاءاتها (ودون رغبتها) ولكنها شكرتني لاحقا لأن تعديل البرنامج واللقاءات أدى إلى
نجاح زيارتها بشكل غير متوقع!. كل ذلك نسفَتهُ بثوانٍ معدودة لأنني كتبت لها أنه لا
توجد معايير في البلد إلا المحسوبيات!!. وهي تعي تماما أن كلامي صحيح 100% ولكن
علينا أن نكذب ونكذب حتى نصدق أنفسنا.. وقد رأينا إلى أين تقود سياسة الكذب، وبَدنا
أحسن من هيك تربية ديمقراطية؟!.
*مسكينة الدكتورة هدية عباس، راحتْ بالطوشة كما يقولون بالعامية!.. فقد اعتقدَتْ أن
لها حصانة خاصّة وأنّ من قرّروا تعيينها رئيسة للمجلس لن يسمحوا بإزالتها من رئاسة
المجلس، وهنا كانت غلطتها الكبرى!.
*لا تؤاخذوني، فأعضاء مجلس الشعب الذين صوتوا لِعزلِ رئيسة المجلس بسبب عدم
ديمقراطيتها فربّما هم أنفسهم من مفرزات غياب الديمقراطية، بِدليل أنهم جاؤوا
بقرارات من السلطات الحاكمة والمعنية، وليس في إطار عملية انتخابية ديمقراطية
تعددية كما يحصل في الدول الديمقراطية، ولذا فجميعهم موظفون ينفذون تعليمات،
ودولتنا ومنعرفها ومجلسنا ونعرفه أيضا(مع كل الاحترام للجميع)!!. وطالما الثقافة
"الشمولية" هي السائدة بالدولة فمعناها أن الاستبداد بالرأي على كل المستويات قائم
ومستمر، بكل ما يعنيه من فساد وإفساد ومحسوبيات وتمييز ومحاباة وشخصنات وكيديات
وظلم وقهر واحتكار للمال والمناصب لِأصحاب الدّعم والأقارب والأصحاب والأحباب،
ودعسٍ على القانون والمعايير والمؤهلات العلمية واللغوية ووو الخ!. وأنا على
استعداد لمناقشة أي عضو في المجلس أو أية لجنة من لجانه بكل آرائي هذه!!. ورقم
هاتفي موجود عندهم وعلى فاكسات سابقة!!.
*أليس من العار على كل الدولة وبرلمانها أن يسمحوا بوجود وزير يُسنِد بعض صلاحياته
إلى سائقهِ الذي لا يحمل أي مؤهل علمي، مستهترا بكل معاونيه وكوادر وزارتهِ، بل
مستهترا بالمسئولية وبالدولة ذاتها، ويجعل من السائق الآمر والناهي لثمان سنوات،
وكلمته معادِلة لكلمة الوزير؟!. هل هناك في الدولة من يجهل هذا الأمر؟.. لماذا لا
يُستدعى ويُساءل ويحاسب ويُتّهم بأنه غير مؤهّلٍ للمسئولية كما حصل في الباكستان مع
رئيس الوزراء؟.
*للأسف في بلدنا لا يحتاج الإنسان لأية مؤهلات علمية عالية ولا مؤهلات لغوية لأنها
لا تنفعه في شيء ما لم يكن مدعوما... وإن كان مدعوما فإنه يشغل أعلى المناصب بأدنى
المؤهلات العلمية واللغوية!. بل بشهادة دكتوراه كتبها له هذا وذاك وهو قابع في
مكتبهِ وليس لديه الوقت ليرى أولاده ودون أن يقيم شهرا واحدا في الدولة التي لطشَ
منها الدكتوراه ودون أن يعرف كلمة بلغةِ تلك الدولة، ولا بلغةٍ أجنبية في الدنيا!.
فحتى العِلم هناك من خرّبوه وأهانوه!.
*بل أحيانا تشعر أن الأمر أشبه بنظام "الكفيل" في دول الخليج، فلا يمكنك العمل بلا
كفيل تتبع لهُ وتكون كما العبد عنده وإلا يطردك من العمل ومن البلَد!. وحتى يكون لك
مكانا في دولتنا فيجب أن تكون من عِظام أهل القرار والسُلطة، أو مدعوما من هذا أو
ذاك (يعني لديك كفيلا)، وتمارس دور العبد عنده لأنه ولي نعمتك ويقرر مصيرك بأية
لحظة!.
*ولكن إن كنتَ تنتمي لإحدى العائلات المعروفة بالمدُن، ولديك طموح السُلطة، وبعض
الشطارة، فالأمر سهلٌ جدا، وخاصّة إن كان الانتماء للعاصمة، إذ يبدو أنّ هناك عقدة
نقص لدى الكثيرون في السُلطة إزاء أبناء العائلات المعروفة بالمدُن، ويرغبون جدا في
أن يكون هؤلاء في المناصب حتى يقولون ها هُم أبناء العائلات تلك إلى جانبنا، وهكذا
يعتقدون أن هذا يكسبهم الشعبية!. ولذا كانوا يأتون بأبناء تلك العائلات ويسندون لهم
مناصب الوزراء والمحافظين والسفراء وحتى أمانة الفروع الحزبية، ويدللونهم أيضا
ويسكتون عنهم مهما كان واحدهم فاشلا.. مَن لا يعرف كيف دردرَ الدردري اقتصاد البلد،
ومع ذلك هل سائلهُ أحدٌ؟!. وهل تجرّأ مجلس الشعب على مسائلته ومحاسبته؟. كلّا، لأنه
لم يتلقى تعليمات من أصحاب القرار بهذا الشأن!.
في فترةٍ مَا وتحديدا في العام 2011 وما قبلَهُ وبعدَهُ ، كان هناك ثمانية سفراء من
العاصمة في الخارج (مع خالص محبتي للعاصمة وكل أبناء العاصمة فهي عاصمة بلادي قبل
كل شيء) وأحدِهم قالها من عظمة لسانهِ لدائرته الخاصّة، أنه أخذ هدية بمبلغ ألف
دولارا حينها لقريب أحد المسئولين على بعد مائة كيلو متر من العاصمة، وعلى أثرها
ترشّح وتعيّن سفيرا!. والتفاصيل لديَّ ولكن لا يمكن نشرها!.
* نعم كفانا اختباء خلف أصابعنا، والتستر على الممارسات المعيبة لأن السكوت عنها
أهلك البلدْ!.
*لا تعتبوا على السيدة عباس، فأصلا لو كانت لدينا ديمقراطية ما كنا نرى من يجب أن
يكونوا في آخر الصفوف هُم من يحتلون المقاعد الأولى، ومنْ يجب أن يكونوا في المقاعد
الأولى قاعدون في بيوتهم!. البلد تحتاج إلى أصحاب الكلمة الصادقة الحرة الجريئة
التي تقول للأعور بعينهِ أنت أعور، ولا تُجامل أكبر مسئولين بالدولة ومهما كانت
مواقعهم.. المصيبة أن هذه النوعية تمّ تهميشها وإقصاؤها واستبدلوها بنوعيات
انتهازية انبطاحية جَبَانة متلونة بِلا لون ولا طعمٍ ولا رائحة.. نوعيات لا تجيد
إلى التملُّق والمديح والثناء لأولياء نعمتها، ترى الغلط وتغمض عينيها ولا تجرؤ أن
تُشير إليه أو تتحدث عنه، وآخر همّها الوطن والمواطن!.
هناك محترمون كثيرون بمناصب الدولة ولكن لا يستطيعون الخروج عن طريق السير العام
المرسوم ولا يستطِع أحدهم التقديم أو التأخير بشيء مهما كان محترما وواعيا ومتحمسا،
لأن المشكلة ليست فقط مشكلة أشخاص وإنما مشكلة نهج موضوع مُسبقا وعلى الجميع
الالتزام به!.
فكيف لن تتهدّم البلد في ظل معادَلات هدّامة!!. وكيف سنحرر الجولان من العدو
الإسرائيلي الذي يصول ويجول في أجوائنا متى ما شاء، ويقصف فوق أراضينا متى ما شاء،
ونحنُ نُعلِّم الناس ثقافة العبودية وليس ثقافة الحرية وحقوق الإنسان، ونرتاح لِمن
يمتلك عقلية الخنوع والإذعان، وليس عقلية النقد والنقاش والمجادلة والحوار
والإقناع!!. فهذه النوعية الأخيرة لدى مُحبي العبيد، هي نوعية ثرثرية ومكروهة وغير
منضبطة وتسبب الصداع ووجع الرأس!!. وأصحاب السلطة يحبون فقط من يجيد إحناء الرأس
والظهر ولدى كل كلمة يصرخ: حاضر سيدي... أمرك سيدي... وما شفتْ ولا سمعتْ ولا
تكلمتْ!!.. كيف سيصطلح شيئا في البلد في ظل هذه العقليات!!.
*أنقذوا ما يمكن إنقاذه من سورية، ونَفِّسوا ما يمكن من الأحقاد التي ملئت الصدور،
والتي ستدفع ثمنها غاليا في المستقبل طوائف بعينها، فالتاريخ نِسبي جدا، والمعادلات
قد تنقلب في أي وقتٍ مع الزمن، ومَن سقطت له نقطة دم فلن ينساها لاسيما أننا
مُجتمعا يؤمن بعقلية الثأر مهما طال الزمن!. ومن يعتقدون عكس هذا الكلام فهم بعيدون
عن الواقع!. المسألة ليست مسألة مُشاجرة بسيطة واشتباك بالأيدي وبعدها نأتي
بالمتشاجرين ونقول لهم: يالله يا شباب بوسوا ذقون بعض وتصالحوا وانتهى الأمر!.
*هناك من يمكنهم الاستغناء عن سورية في أي وقت لأنهم يمتلكون عشرات أو مئات ملايين
الدولارات والاستثمارات في الخارج، ولكن ماذا عمّن لا يمتلكون سوى ثمن رغيف الخبز
وأجرة الطريق بين طرطوس واللاذقية؟!.
لا سبيل لتنفيس الصدور وتخفيف الاحتقان إلا السعي للانتقال بالبلد نحو نظام
ديمقراطي تعددي يحتكم فيه الجميع لصناديق الاقتراع، ويحصل كلٍّ على حقهِ وحجمهِ ولا
ينتفخ أحدا على حساب غيره!. حينها على ماذا سوف تتحارب الناس وتتقاتلْ إن حصل كلٍّ
على حقهِ؟.
كفى تصريحات سياسية بعيدة عن الواقع لدى البعض مِمن وزارتهم لا دورا لها، وهم
يحدثوننا كل يوم وليلة عمّا يطلقون عليه (مصالحات)!!. أية مصالحات هذه التي تقوم
على أساس قاهِر ومقهور، ومُهجّر قسرا، وقوي وضعيف!!. هذه ليست مصالحات، هذه مجرّد
تخزين للأحقاد وتأجيلٍ لاندلاع النيران في أوقاتٍ أخرى!!. المصالحات تأتي طبيعية
على ضوء ما أشرتُ إليه من خلال نقلِ البلد نحو نهج سياسي يقوم على الديمقراطية
والتعددية!!. لماذا لا يقوم أهل الحُكم أنفسهم بهذه المهمة ويسجلها لهم التاريخ!!.
لا أقول هذا الكلام لخدمة مصالح خاصة، ولا انحيازا لهذا أو لذاك، وإنما هي نظرة
موضوعية ومنطقية لإنقاذ الوطن، وتَجَنُّبْ سفك مزيدٍ من الدماء في أي زمنٍ
بالمستقبل!. والمثل يقول: صديقك من صدقَكَ وليس من صدّقكَ!!.
*ماذا ينقصنا حتى لا تكون لدينا دولة مستقرة (استقرارا صحيحا نابعا من عُمقٍ قلوب
أبنائها وإيمانهم وليس مُزيّفا وخادعا مفروضا بالقوة والخوف والرعب) وينعم بها
أولادنا وأحفادنا في المستقبل، وحكومة مُنتخبة تأتي وترحل عبر صناديق الاقتراع؟.
ماذا ينقصنا؟. هذا الكلام برسمِ كل سوري في أي مكانٍ كان، وعلى أي مستوى كان..
* وعودة للسيدة هداية عباس، فما قلته أعلاه لا يعني أنني منزعجٌ على عزلِ رئيسة
المجلس، بل لو تمّ عزل المجلس كله لكانَ أفضل للوطن من مجلسٍ لا دورا له إلا في
التشريع.. فمن الممكن تأليف لجنة من خيرة القانونيين وبمشاركة الجهات المعنية
لصياغة التشريعات، ونوفِّر على الدولة الملايين التي تُصرف على المجلس وأعضائه بلا
فاعلية!.
*الناس غير معنية بِمن يرأس مجلس الشعب ولا بمن يرأس الحكومة أو سواها، وإنما معنية
بتوفير لقمة العيش في ظل هذه الظروف الاجتماعية المأساوية التي حوّلت الكثير من
البشر إلى جياعٍ والحكومة ما تزال تتفرّج على الأسعار الملتهبة ولم ترفع رواتب
الناس (أو الصدَقَة) ولا ليرة واحدة، وكأنها غير معنية بحياة البشر، بينما لم تتأثر
حياة المسئولين وأولادهم وشُركائهم من أهل رأس المال، بشيء، ولم يتغير مستوى
رفاهيتهم!.
*السيدة "هدية" لا أعرفكِ شخصيا، ولكن أعرف أنهم قدّموكِ هدية للدعاية الإعلامية
والقول أن هناك حرية تعبير وديمقراطية ولا يوجد استبدادا أبدا وأن مجلس الشعب يمتلك
قرارهُ، ولكن السؤال: كمْ واحد في الوطن سيقتنع بذلك؟!.