news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
إن لم يُثمِر مسار جنيف عن حل سياسي فإن مسار آستانة سينجح في التفتيت فقط...بقلم: د.عبد الحميد سلوم

مسار الآستانة، بخصوص سورية، سيكون إيجابيا وواعدا إن كان الجميع مقتنعا أنه خطوة نحو نجاح مسار جنيف، لأن هذا هو الأساس الذي يستند إلى قرارات أممية ويهدفُ إلى الحل السياسي على أساس تلك القرارات. مسار آستانة معنيٌ بمناقشة مسائل وقف إطلاق النار وكيفية تعزيز ذلك، أي بالمسائل الأمنية وبعض المشاغل الإنسانية. أما مسار جنيف فهو المعني بالشأن السياسي والتوصُّل إلى الحلٍ السياسي الذي تحتاجه سورية وبدونهِ لن يتوقف سفكُ الدماء والدمار الذي سيؤدي أخيرا إلى التفتيت.
 


التركيز على مسار آستانة والتقليل من أهمية مسار جنيف يعني ببساطة التخفيف من أهمية تلك الدماء التي سُفِكت وما زالتْ تُسفك على مذبح الصراع من أجل السُلطة، وليس من أجل الدفاع عن الوطن. الاستهتار بمسار جنيف يعني الاستهتار بالحل السياسي الذي نصّ عليه قرار مجلس الأمن 2254 وبيان جنيف لعام 2012. تسخيف مسار جنيف يعني تسخيف السعي لحلٍّ سياسي في سورية يقوم جوهره على قاعدة الانتقال السياسي وتأسيس سورية جديدة على أسس الديمقراطية والتعددية والتداول على السلطة.


التركيز على مسار آستانة لوحدهِ دون مسار جنيف يعني أمرا واحدا: تفتيت سورية. وما تمّ التوصل إليه يومي 3 و 4 أيار 2017 في الآستانة من إقامة مناطق بين المتحاربين تحت عنوان "" مناطق تخفيف التصعيد"" deescalation وإن لم يكُن مقدمة لدفع مباحثات جنيف نحو الأمام، يعني نحو الحل السياسي، فإنه سيعني المحافظة على تكريث الوضع القائم في سورية وتثبيت كل الأطراف في الأماكن التي تسيطر عليها، وإقامة حُكمها الإداري والسياسي فوقها، وكلٍّ على طريقتهِ، وإن طال هذا الحال دون التوصل لحلٍّ سياسي عبر جنيف فهذا يعني أن التفتيت باتَ أمرا واقعا لسورية، لاسيما أن هذه المناطق سوف يتخللها مراقبون عسكريون (قوات فصلٍ) (غير معروف هويتها بعد) وحواجز تفتيش ومراكز مراقبة مشتركة.


أنْ تكون قوات الفصل أو المراقبين على خطوط فض الاشتباك بين سورية وإسرائيل بعد حرب 1973 فهذا مفهومٌ، أما أن تكون فوق كل الأراضي السورية لفض الاشتباك بين أبناء الوطن الواحد، فهذه مهزلة المهازل.. وبالتالي سوف يصحُّ القول أن هذه المناطق سوف تعود لتلتحم مع بعضها حينما تعود الجولان لِتلتحم مع الجسد السوري!. للأسف هكذا يبدو الاستنتاج اليوم(وهذا ما لا نتمناه) لاسيما حينما نسمع تأكيدا متكررا من رأس الخارجية السورية على تسخيف محادثات جنيف التي تهدف للحل السياسي الذي يمكنهُ وحدهُ عودة التلاحم بين كافة المناطق السورية. محادثات جنيف هي الأساس وهي الرهان ومن يَسخرون منها هُم من يريدون لها الفشل. ومن يريدون لها الفشل لا يبحثون عن حل سياسي في سورية، لأن الحل السياسي على ما يبدو لا يخدم مصالحهم ومكاسبهم وامتيازاتهم. هكذا تبدو الأمور، إنها مصالح خاصة ولأجلها ليكُن ما يكُن.


هناك من ينظرون إلى مسار آستانة وما يتمخّض عنه على أنه هو الحل في سورية، فضلا عن نهجِ الحصار والاستسلام ثم الإبعاد إلى مناطق أخرى، الذين يطلقون عليه (مصالحات) وهو لا علاقة له لا من حيث المعنى ولا الجوهر بمعاني ومفهوم المصالَحَة. إنه اقتلاع من الأرض، وتعميقٌ للأحقاد وتربُّصٌ للثأرِ في يومٍ من الأيام ولو على أيدي الأبناء أم الأحفاد أم أحفاد الأحفاد، ذاك الثأر الذي سيدفع أثمانه الفقراء فقط وممن لا حول ولا قوة لهم بشيء وإنما على هويتهم المذهبية ليس إلا. ليتصوّر كلٍّ منا أن المسألة معكوسة وأنّهُ هو وأهلهُ هُم من يُحَمّلون بالباصات ويُبعدون عن مسقط رأسهم وبيوتهم وحقولهم؟. حينما يتخيّل المرء أنه هو من يعيش هذه الحالة ويتخيّل كيف ستكون مشاعرهُ، حينها فقط سيَفهم مدى الحقد والغضب الذي اختزنته صدور أولئك الناس. هل هكذا تكون المصالحات؟. المصالحات قد تأتي عفوية مع الزمن حينما فقط يتمُّ التوصل للحل السياسي ويشعر الجميع أن حقّهم وصل لهم وأن هناك دولة جديدة في سورية تقوم على قوّة القانون ودور المؤسسات وفصل السلطات، وعلى الديمقراطية والتعددية والتداول وحرية التعبير وحقوق الإنسان ويرتقي كل إنسان في الدولة بحسبِ مؤهلاته العلمية وخبراته وأقدميته ومرتبته وليس بحسبِ واسطاتهِ وقراباتهِ. هكذا تصبح المصالحات عفوية ولا تحتاج إلى اتفاقات مكتوبة ولا ترحيل ولا شهود ولا باصات نقل داخلي!. المصالحات لا يمكن أن تقوم على قاعدة قاهِر ومقهور. والمقهور سوف يمضي حياته يتربّص بالقاهر، وسوف يورِّث ذلك لأبنائه ومن جيلٍ إلى جيل. أليسَ هذا هو التاريخ؟. ألا يقاتل بعضهم اليوم ثأرا لدماء الحسين منذ 1400 عاما ولم ينسى ذلك، ويقول هؤلاء الأحفاد من أولئك الأجداد؟.


*كلّا ليس هكذا تُورَد الإبل. وليس هكذا تُحلُّ المشكلة في سورية، وليس هكذا يكون الحل السياسي. قرارات مجلس الأمن واضحة, وهي خريطة الحل السياسي, وإن لم يتمُّ الالتزام بها وتطبيقها من خلال مسار جنيف ومباحثات جنيف فإن الاتفاق الذي تمّ التوقيع عليه في الآستانة في 4 أيار 2017 بما ينطوي عليه من فصلٍ بين المتحاربين ومُراقبين لهذا الفصل، فإنما سوف يكون تكريثا للواقع الحالي والنتيجة ستكون هي ترسيخ هذا التفتيت القائم.. وهكذا تكون إسرائيل قد حققت ما كانت تخطط له منذ قيامها وهو تفتيت سورية إلى دويلات صغيرة متحاربة، ويكون السوريون المتحاربون جميعا هُم بأيديهم من أنجزوا لإسرائيل تلك الأماني. ولا ينسى الجميع تصريح الرئيس التركي أردوغان يوم 20 نيسان 2017 على إحدى الأقنية الخليجية حينما قل: "" لا أحدا يهتمُّ لوحدة سورية، وإن ما يجري حاليا هو تقسيم لها قطعة قطعة.." هذا كان قبل التوقيع على اتفاق آستانة الأخير بأسبوعين.


وعلينا أن لا ننسى ما أشارت إليه بعض المواقع الإعلامية في أواخر نيسان 2017 عن مقترحات أمريكية بريطانية لمشروع تشكيل حكم ذاتي إداري وسياسي في جنوب سورية في محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، وإقامة ثلاث سلطات: برلمان الإقليم، وحكومة الإقليم، والمجلس الأعلى للقضاء، بكل ما يعنيه ذلك من تأسيس قوة للأمن الداخلي والشرطة وطردِ كل من يعارض هذا المشروع ودستور محلّي. وأن ذاك المقترح تلقتهُ زعامات العشائر في الأردن التي لها امتدادات في جنوب سورية وقدمت لها هذا المقترح الذي ما يزال ضمن إطار النقاشات العامة، رغم أن قيادات الفصائل المسلحة قد رفضتهُ.


* ولا ننسى في هذا الإطار ما تمّ تداولهُ خلال شهر نيسان 2017 أيضا تحت مُسمّى "" وثيقة العهد"" التي تدعو لتطبيق اللامركزية الإدارية في حوران، الأمر الذي أثار جدلا واسعا ورفضه البعض لأنه مشروع يدعو لفصل حوران عن سورية.
كما لا ننسى أيضا ما تقوم به "" قوات سورية الديمقراطية"" من أعمال لإقامة ""كيان كردي مستقل"" في شمال سورية!.


كل هذه المشاريع مطروحة وجاءت وثيقة آستانة الأخيرة بإقامة مناطق ""تخفيض التصعيد"" ووضع مراقبين بين المتحاربين في قلب الداخل السوري لزيادة مشاريع التفتيت وتقسيمها قطعة قطعة، ما لم ينجح مسار جنيف ويُنجَز الحل السياسي بسرعة ويسبق كل هذه المشاريع. وهذا ما يتطلّب من الجميع تغليب مصالح سورية الوطن على كل مصالحهم الخاصة، فهل الجميع على استعداد؟. وهل الدول الإقليمية الغارقة في الأوحال السورية يعنيها وحدة سورية، أم أنّ مخططاتها التوسعية وحصصها من الكعكة السورية أهم من سورية وأهم من كل شعب سورية؟.


يا جماعة: سورية اليوم كمَن يُصاب بأزمة قلبية خطيرة، ما لم تسعفوها حالا فسوف تخسروها. وإسعافها هو بالإسراع بتطبيق الحل السياسي وفق القرار 2254 وكفى مماطلة ولفْ ودورانْ ومناوراتْ لن تخدم أخيرا إلا مشاريع التفتيت. وكل من يناور على الحل السياسي ويمطمط به فإنما سيتحمّل أمام التاريخ المسئولية عن تفتيت الوطن السوري. وإنْ كان ذلك لا يهمُّ الغرباء فهل هو لا يهمُّ أبناء الوطن أيضا؟.
 

2017-05-18
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد