ليس هناك حدود للأمل , ولا حدود للحلم , فكلنا يحلم بحياة تؤمن له الرقي والتنعم بكرم الله ونعمه , كلنا يسعى لتحقيق حلمه ليعيش متاع الحياة , والترفيه برقيها وسعادتها ولأن لله حكمته , خلق البشر في الحياة مختلفين لا متشابهين بالأجناس والأشكال , الغنى والفقر , الشعوب والعروق , العادات و الأعراف.
أنها حكمة فرضها الله في الأرض , ليبلونا أيان َ أحسن ُ عملا ًو رغم أن الله كتب لزيد ٌ من الناس رزقه إلا أنه لم يمنعه من ألتماسه وسعيه وراء هذا الرزق أينما كان مكانه , على أن يكون مالا ً حلالً لا شبهة فيه ولا في مصدره ِ , فمنا من لا يستطيع تحقيق هذا الحلم إلا خارج البلاد فيسعى للخروج إلى أي دولة ٍ , يسعى فيها على الرزق الذي كتبه الله له.
ومن هنا فأن المواطن العربي كثير السعي وراء الرزق , كثير البحث عن الحلم ولا مانع في هذا طالما أنه لم يوفق بتحقيق حلمه في وطنه الأم وأن فرصة عمل جيدة في دول ِ أوروبا على وجه الخصوص هي أكبر حلم
لدى المواطن العربي , فأنها بالنسبة للبعض تختلف نكتها عن نكهتها في أرض الوطن و يشعرون بأحلامهم تقبع هناك وتنتظرهم كي تمسك أيديهم يبدءون رحلة الحياة السعيدة الراقية
ربما لأنها منظمة , منمقة , مرتبة , ترتدي فستانها الأخضر , وشعرها الأشقر زينته شريطة" حمراء بل ربما لأن حمرة شفتيها تختلف بألوانها , وأشكالها , وطعمها , عن حمرة الشفاه التي على شفتي العمل في الدول العربية
جميل ٌ أن يسعى (( المرزوق )) وراء العمل والرزق ولا بأس أن كان مكانه الدول الأوروبية وطالما أن الله لم يحرمه عليه , لا يستطيع أحدا ً من البشر تحريمه وفق الشروط التي ذكرناها في البداية.
و لأن محور حديثي يدور حول المغتربين العرب في أوروبا الذين تلذذوا بطعم العمل هناك , وتمتعوا بالرقي والسعادة هناك وحققوا أحلامهم بالجهد والعرق والعمل هناك , فلا بد أن اذكر أحوالهم و أخبارهم فهم سفراؤنا في تلك الدول التي تجهل الكثير عنا وعن عاداتنا وتقاليدنا وأفكارنا العربية واختصرها بوصفها (( القيم العربية ))
هذه القيم والتي بنيت على أساس وأرضية صلبة تأبى العبث فيها تأبى أن يغير أحدا ً ما معتقداتها رغم أن بعض العرب غيروا أو يحاولون التغير بها وكم أسعد حين أتتبع أخبار المغتربين العرب في أوروبا وأرى منهم من أسس ملتقى , أو مجمع , أو ندوات , تجمع العرب و الأوربيين في خندق ٍ واحد ٍ
وهدف تلك اللقاءات تكوين صورة للعرب بل نقل تلك الصورة الحقيقية التي يقولون فيها للأوربيين هكذا نحن هذه أخلاقنا , هذه عاداتنا , هذه أفكارنا وكم نعتز بهم , ولولا الحاجة لما تركنا أرضنا والجميل في الأمر حين تجد من كان منهم لديه خلفية مختلفة ٍ عنا نحن العرب وبفضل تلك الملتقيات تحسنت الصورة وانكشفت أمامهم بكل ِ وضوح ٍ
فهنا أجزم أنهم بالفعل سفراء مميزون رفعوا رؤوسنا عاليا ً وكانوا بحجم الثقة يعشقون الوطن , يرفعون شأن الوطن , حافظوا على قيمنا ونقلوها للآخرين .
ولكن سرعان ما تختفي تلك السعادة من جوف قلبي , وتـُسرق الابتسامة من بساط شفتي , حين أنظر إلى الطرف الأخر الطرف المغاير المختلف بالمضمون والكيفية , وحتى بالشكل مختلف ٌ بحياكته إلا أن صناعته واحدة وهي عربية قي الأصل و بيدا ً عربية أشعر بهذا الشعور حين أنظر وأرى بعض المغتربين العرب وكأنهم ودعوا تلك القيم العربية عند سلم الطائرة التي أقلتهم إلى أوروبا .
رحلوا إلى هناك للغرض نفسه الذي رحل من أجله سفراؤنا في البداية والغاية هي البحث عن الرزق والسعي من أجله لكنهم لم يمثلوننا خير تمثيل كما مثلنا سفراؤنا فأننا نجد البعض قد استغنى عن تلك القيم والعادات والأفكار العربية وتطبعوا بأفكار أوروبا , وعظمة أوروبا , و أشكل أوروبا وأصبح بعضهم لا يستطيع التمييز بين (( الحلال والحرام ))
بين الحق والباطل , بين التهاون و والتفريط مع الشيء , و بالشيء ِحتى أننا أصبحنا لا نستطيع تمييزهم أن كانوا عربا ً أم أوروبيين لأنهم يحملون أشكالهم وأفكارهم وعاداتهم بل ربما أكثر من ذلك , ناهيك عن سلبيات يرتكبونها هناك تشوه الصورة العامة للعرب من كذب ونفاق وهمجية وعدم أخلاق , و التفريط بالدين أن كان مسلما ً
ولا أعمم بل أقول البعض , فهل هذا النوع منهم يستحق أن يكون سفيرنا في بلاد ِ الغرب تلك البلاد التي يجب أن نرسم على جدرانها أجمل صور ٌ للعرب لأنهم قوم ٌلا يعرفون حقيقة قيمنا التي تربينا عليها , وناهيك أيضا ً عن السياح الذين يقصدون أوروبا للسياحة فهم أيضا ً ينقسمون إلى قسمين , قسم حمل قيمه معه وحمل عاداته وتقاليده ولا يسمح بالتفريط بأصغرها , ولا يقول في نفسه أني في بلاد غريبة لا يعرفني بها أحد , ولا يسمح لنفسه أن يرتكب الخطأ مهما صغر شئنه , ويكون هدفه في أوروبا قضاء عطلة صيف هادئة جميلة مع عائلته , أو حتى مع أصدقائه
والقسم الأخر يذكر في نفسه قبيل السفر سأفعل ( كذا وكذا ) ويكون حينها يخطط كيف سوف يفرط بتلك القيم وما يستوقفني هنا بعض الأسر التي تنتمي للدين الإسلامي تجد بعضهم يفرط بقيمه وقيم الإسلام منذ أن تطأ قدمه تراب أوروبا وتجد بعض النساء أول ما يفرطنا به هو الحجاب وهذا اقل وصف , وكأنه كان عبء ٌ عليهن وكأنه بالنسبة لهن ّ ثقيل الدم , غليظ فظ على القلب , قبيح الشكل
بل كأنه وجب عليهن في ديارهن , وخيرن ّ به في أوروبا وأن أردت الوصف الحقيقي علي ّ الذهاب إلى بعض شواطئ أوروبا كي أنقل لكم صورة هذه المحجبة قبل أوروبا كيف كانت وبعد أوروبا كيف أصبحت ولكن للأمانة أكثرهن ّ لم يصلن لدرجة ( البكيني )
ترى كيف يستطيع المرء التفريط بقيم نشأ عليها وتربى في حجرها وشرب شرابها , وأكل طعامها سؤال ٌ اسأله لنفسي لكني لن أصل لإجابة تعلل لي السبب علها حينها تريحني من عناء التفكير والتساؤل و يا ترى هل هذه الإشكالية تتعلق بنفوس المغتربين والسياح العرب في أوروبا ؟
أم أنها بالنسبة للبعض غضب وكبت من العادات والقيم العربية وهذه الأفعال سبيلهم الوحيد للانتقام ؟
وبقي لي أن أقول أن هذه الصور لم أنسجها بمخيلتي , بل أنها صور ٌ نقلها صديق ٌ لي مقيم في أحدى الدول الأوروبية وقد نمقتها كما فهمت وسمعت وفي الختام أقول لكل المغتربين العرب في العالم أتمنى أن تكونوا سفراء حقيقين للعرب , وللقيم العربية , ولا شك أن أكثركم شرفونا بقيمهم وأخلاقهم , وتمثيلهم لنا هناك .
بقلم : ياسر محمود حاحي