news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
الجلنارة المنسية في أبنيتنا الاسمنتية ....بقلم : محمد العكش

  آه على جلنارة جدتي, كانت تسقيها بعناية الأمومة الحنونة, بدفء الأنوثة البريئة, تشذبها بدقة, كأظافر ابنتها المحبوبة, كان لجمال الزهور- أيامها - أسطورة حب سامي جمع بين زهرة وانشودة, كان لاخضرار الأوراق لوحة, أبدعها الله و رعتها جدتي.


كانت العصافير تغني بلحن فريد, كانت تطلق صيحاتها بحرية مجنونة, لم تكن تخاف طلقات الغدر من صياد لم يعرف معنى التحليق في سماء الحرية, كانت ألوانها ألوان فراشات حورية, كانت زهور جدتي تغار من تناسق ألوانها الرشيقة, كانت لا تحتاج الى كمامات طبية, للهروب من دخان المصانع المريضة.

كان المطر يهطل بأنين كلمات صادقة. كان لصوته طرب, لهدير البرق المخيف رواية, يقرب من أفراد العائلة, المتحلقة حول مدفأة البيت الوحيدة, و كان الحطب موردها و وقودها الوحيد, المستمد من الشجيرات اليابسة, على أطراف بساتين الرمان, بالقرب من العين التي جفت منذ بضع سنين ليس أكتر.

كانت ألعاب الأولاد ثقافة, و الجميع منتصر, بعشق الطفولة الصادق, رغم بعض المشكلات الصغيرة, لكن أغلبها تنتهي, مع غروب اليوم الأول, و مع اشراق شمس صبحنا الجديد, الكل نسيَّ ما جرى, و الكل يجري بروح الفريق المنتصر.

كان لصوت الأذان صدى, يسمعه من كان بأخر القرية الجميلة, الكل يشمر عن ساعديه, و يعلن النيّة, لأداء فريضة ألزمنا بها الخالق, لشكره على نعمه, وللتقرب اليه, ليس فقط أيام القحط, بل كانت مع كل صوت تكبيرة.

أعراس القرية, لكل القرية, لفقيرها و غنيها, للأولاد و النساء, كان للابتسامة معنى, و للفرحة نكهة, نكهة البساطة اللطيفة, ما كان أحد يزعج طفلاً, شدته سنواته القليلة لإبداء حماس غير مقصود, كم اجتمعنا بجانب التنانير الفخارية, في أحد البيوت القريبة أو البعيدة, لنأكل خبزاً لم نتذوقه بعد ذلك.

كانت عادتنا, أن نضع حبات القمح في قدور كبيرة, هذا ما يسمى ( سليقة), تشعل النساء تحتها بنار من قُرم عتيقة, لرائحة الدخان, المنبعث من ثناياها, كنسيم صاف كأنه يهلل بقدوم موسم الربيع, في غير أوانه.

كانت كل وفاة, في أي بيت, كأنها في كل بيت, تلبس النساء الثوب الأسود, تعبيراً عن مشاعر صادقة, ليست كالتي تحكى في أيامنا هذه, الكل يبكي ليس تمثيلاً الكل حزين ليس لثروة منتظرة, و ليس لمجد يصنع بدموع التماسيح, هذه كانت حياتنا.

على جهاز الراديو القديم, يستمع رجالنا لأخبار العالم, لأخبار فلسطين الحبيبة, كم بكوا و كم حزنوا, و كم دعوا لتفريج همٍّ, و تخفيف كربًّ, عن أشقاء لنا دمرتهم آلة الحرب الظالمة.

كان لأيام الحج المقدس قصة, حينما كان يسافرون في سيارات و باصات, تفتقد كثيراً لخدمات وسائط النقل الحديثة, رغم ذلك كانوا فرحين, كانوا مسرورين, كانت لهدايا الحج نكهة خاصة, و تراث رفيع, لم تعد موجودة الآن, كانت الأمور تنظر بقيمة الأشياء, لا تهتم بقيمة الأسعار, كم من تمرة كانت, كالمن والسلوى حينها, يالله ما أروع تلك الأيام.

انخرطنا بالحداثة المعقدة, نسينا ما علمونا اياه أجدادنا, من حب صادق, وحسن الجيرة, و من أشياء لم تعد ذاكرتي قادرة على استعادتها, لأن الجزء الأكبر ذهب لتأمين أبسط الحقوق المعيشية, دعونوا نستقي من عبق الماضي الغير سحيق, عبرُ, ليس لأي شيء, لكن لأن الأنسان دون ماضي هو لا شيء.

2011-01-18
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد