لم أجد والدي في ذلك اليوم الا يلقي بي داخل البولمان المتجه الى حلب عاصمة سيف الدولة الحمداني
وهو يلقي على مسامعي المواعظ التي تحتم علي ان ابذل الغالي والرخيص في سبيل النجاح . ،وما ان انطلق البولمان يشق طريقه نحو حلب حتى ترائت لي كل تلك النقاشات التي افضت بالنهاية الي الحكم علي بالنفي اربع سنوات الى مدينة حلب.
أذكر رد والدي حين واجهته برغبتي بدخول كلية الاعلام وتحقيق حلم الطفولة بأن اصبح صحفي ذو شان حيث قال لي ان كل من تجرأ ودخل كلية الاعلام انتهي به المطاف (مع مزيد الأسف) اما بائعاً للجرائد والمجلات او محرر بقسم مساهمات القراء في سيريا نيوز ،وقوله لي ان طريقي لوزارة الخارجية يحتم علي ان اتوقف ترانزيت اربع سنوات في حلب ريثما انال الأجازة بالأقتصاد الدولي ، وانه يتحتم علي ان اكون بحلول العام 2030 أمين عام لجامعة الدول العربية متناسياً انه من الممكن ان يكون عمرو موسى حينها على قيد الحياة.
كنت أعلم ان كلية الأعلام في دمشق لن تضمن لي مستقبل مشرق او تمدني بأساسيات العمل الصحفي التي تصلح في كل زمان ومكان ، ناهيك عن الذي نسمعه عن الكلية من مفاجأة الطلاب يوم الامتحان بتحويل المادة من مأتمتة الى كتابية ، وتهجم الموظفين على الطالبات ، والتلكؤ بتسليم مبنى الكلية الجديد الذي سيضم أحدث الاستديوهات بالشرق الاوسط.
أذكر اول يوم كان لي في الكلية ، كيف تأنقت ومشطت شعري الى الخلف ، درأً للفتنة ، حيث واجهني صديقي عبد الرحمن قائلاً ( وهو حلبي اصيل) : عبود ، يجب ان تعلم ان صبايا حلب غير صبايا الشام ، من الممكن في دمشق اذا بادرت الفتاة بصباح الخير ، ان ترد عليك بصباح النور ، ولكن تأكد هنا ان الوضع مختلف ، ومن الممكن ان تُقابل (صباح الخير) خاصتك بمقلوبة ، وان تحضر باليوم القادم اخاها (عبدو) او (حمودة) ليكسر راسك ويعلمك كيف تتعامل مع بنات الناس ، وهنا لا ننكر ان الله خص صبايا حلب بجمال من نوع خاص ، من لون بشرة ابيض صافي ، وعيون كبيرة خائفة من كل شيء.
طبعاً بمجرد وصولي حلب لم أجد سيف الدولة بانتظاري كما كنت متوقع ، فاستقليت سيارة اجرة وطلبت من سائقها ان يمر بي من امام كلية الاقتصاد ، لأتفحص معالم هذا الوحش الأسطوري الذي سأقضي اربع سنوات بين براثينه.
وها انا الآن قد أتممت الفصل الأول من السنة الدراسية الأولى ، وقد سددت ست صفعات مؤلمة لهذا الوحش متمثلة بهيئة ست مواد كانت مقررة علينا ، وبغض النظر عن الصعوبات التي تنتظرني بالسنوات المقبلة ، فأنا سعيد كوني أحد طلبة هذه الكلية المجيدة.