ثالثاُ: معالجة الفساد
أ- مقدمه:
أكد المؤتمر القطري العاشر للحزب في حزيران 2005، في بيانه النهائي على أهمية دعم أجهزة السلطة القضائية واستقلاليتها، وتكليف الحكومة بوضع آليات ناجعة لمكافحة الفساد والحد من ظاهرة الهدر في المال العام.
- قال السيد الرئيس الأسد في مقابلة مع صحيفة الأسبوع المصري 8/1/2006 حول الفساد، حيث أوضح أن أفكاراً عديدة قد طرحت في مؤتمر الحزب في مجال مكافحة الفساد،" لكن كل هذه الأفكار لم تتوصل إلى آليات فاعلة لمكافحة الفساد، هناك رغبة قوية لدى الناس لمكافحة الفساد، لذلك يجب أن يكون لدينا أنظمة إدارية سليمة ومؤسسات تمنع الفساد ونحاصره... الآن قطعنا شوطاً كبيراً لاختيار أشخاص جدد يتميزون بالطهارة، ولكن لا يكفي أن يكون المسؤول شخصاً نظيفاً، بل عليه أن يجعل الآخرين من حوله يتمتعون بنفس الطهارة والنظافة، نحن مقصرون حتى الآن في تطوير المؤسسات، وأي آلية دون مؤسسات سليمة، وفي مقدمتها القضاء، فلن تمكنا من مكافحة الفساد ".
ويقول في حديثه لقناة العربية في 9/6/2003 " لا يكفي أن نقول الشخص المناسب في المكان المناسب، أنت بحاجة للنظام المناسب، النظام الإداري المناسب، هو الذي يساعد الشخص المناسب على كشف الفساد، لذلك أنا قلت في مجلس الشعب، إن لم نقم بالإصلاح الإداري، فلن نصل إلى نتيجة في مواضيع مختلفة، لا في الاستثمار، وتطوير الاستثمار أو جذب الاستثمارات، ولا في مكافحة الفساد، وهذا ما نسعى إليه الآن"
- شهد المؤتمر القطري العاشر للحزب حزيران 2005 مناقشات وحوارات مستفيضة وجدية لظاهرة الفساد المقلقة، مع حزمة اقتراحات وتوصيات وتوجهات، يُنتظر أن تأخذ طريقها إلى الدراسة والتنقيب والتدقيق، بالتالي إيجاد الآليات الفعالة والقابلة للتنفيذ، فالإرادة السياسية موجودة وقوية وحاسمة لمحاربة الفساد بصورة منتظمة ودائمة ومؤسساتية، وموضوعية وعادلة، لا يستثنى أحداً، جهة كانت أم سلطة أم شخصية عامة لا فرق... ومعالجة هذه الظاهرة تقتضي البحث المعمق والتقصي الدقيق والدراسة الشاملة، والاستفادة القصوى من تجارب الدول والمجتمعات التي نجحت في هذا المجال بما يتلاءم وأوضاعنا الخاصة، وكذلك تقتضي عدم التسرع في إصدار الأحكام والاتهامات، كيفما اتفق، وعدم التردد والتباطؤ في المعالجة أيضاً، لان الفاسدين والمفسدين لن يرتدعوا من أنفسهم، بل يستغلون الوقت لتهريب ما نهبوه وسطوا عليه، وسيجدون الكثير من الأساليب والحجج والحيل الملائمة لتوفير التبرئة لهم أو على الأقل تجميد ما يثار ضدهم من قضايا الفساد للوقت المناسب...
فهناك رعاية حقيقة للفساد والمفسدين، بل وحماية فعلية لهم من أوصيائهم الفاجرين، وإلا لمصلحة من تهمل قرارات وتوصيات الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش الصادرة بحق مديرين عامين وغيرهم من المسؤولين، من قبل أصحاب القرار في المؤسسات والإدارات العامة والحكومية... الخ
- وتناول السيد محمد سعيد بخيتان الأمين القطري المساعد للحزب، موضوع مكافحة الفساد وصوّغ آلية مؤسساتية محددة لمكافحة هذه الآفة، في مختلف مفاصل الإدارات والمؤسسات العامة، وبما يشمل الممارسات الخاطئة، من هدر للوقت وتعقيد لمعاملات المواطنين وعرقلة لخطط التنمية، مشيراً إلى أهمية آليات التنفيذ والمتابعة للأجهزة الحكومية، بما يضمن الحد من الفساد ومحاربته، واعتباره مهمة دائمة للهيئات والمؤسسات المختصة، وكذلك للجهاز الحزبي ليكون قوة فاعلة في الرقابة الدائمة وتطبيق الأنظمة والقوانين على الجميع دون استثناء، بحيث لا يكون أحد بمنأى عن المساءلة والمحاسبة...
كل هذا يفرض البحث الجدي والموضوعي في كيفية معالجة ظاهرة الفساد، بأي وسيلة ناجعة وبأي أدوات فاعلة... والاهم من أين نبدأ وبمن؟!
ب- آلية مكافحة ظاهرة الفساد:
يجب إيجاد آلية أو آليات لمكافحة ظاهرة الفساد أو تحجيمها والحد من انتشارها المخيف، تكون واضحة ومحددة وموضوعية وقابلة للتنفيذ، ويمكن أن تكون كما يلي:
أولاً: التربية والوعي:
يجب العمل الجاد والدؤوب، وبكل السبل والوسائل المتاحة لرفع سوية الوعي لدى الناس، بحيث تمتلك القدرة على التمييز بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين الخطأ والصواب، وبين الضار والمفيد، في كل الأمور والشؤون العامة والخاصة.... وبالتالي يفترض انحياز الأغلبية إلى الجانب الايجابي منها، وتفادي الجانب السلبي فيها، وبالتالي الفساد، مما يتطلبه ذلك من جهود مخلصة وإجراءات وأعمال مجدية، لانتصار هذا الجانب الايجابي، وتحقيق الأفضل والأصلح للوطن والمواطن... ولكي نصل إلى هذه الدرجة من سوية الوعي المطلوبة، لا بد من وضع خطة إعادة نظر شاملة بالعملية التعليمية للكل، بدءاً من مناهج ومقررات الابتدائي إلى ما بعد الجامعي، بحيث تتناسب ومعطيات العصر، وتستجيب لمتطلبات وحاجات عملية التطوير والتحديث للمجتمع، في كل مناحي الحياة المستهدفة منها، لتنمية الذكاء الاصطناعي والمهارة المكتسبة والقدرة على الفهم والمحاكمة والمبادرة والإبداع، بالتالي رفع مستوى الوعي النظري والتطبيقي لطرفي العملية التعليمية، المعلمون والمتعلمون، بحيث يُختار المعلمون بشروط بسيطة جداً، من توفر الموهبة والرغبة والإرادة التي تعطي للمعلم القدرة والكفاءة على انجاز مهمته بامتياز، والتي تعتبر من المهام الأكثر مشقة والأكبر أهمية في بناء الإنسان العصري الواعي، ومن أحب شيئاً أجاده حتماً، لذلك يجب حماية القائمين عليها من الحاجة والذل والفاقة، وتحصينها من الفساد وتحجيم المتفشي منه، والمتجلي في دروس خصوصية باهظة- بيع العلامات والدرجات- شراء شهادات بالغش- تسريب الأسئلة والتدليس لأبناء الأغنياء والمسؤولين- وبالتالي الإهمال واللامبالاة وعدم الجدية، وغياب الشعور بالمسؤولية، ولا مهارة ولا إتقان ولا كفاءة، تستخدم عمداً أحياناً وبلا خجل ولا احترام للنفس ولا للآخرين، بالتالي المهم بالنسبة للبعض من هؤلاء الحصول على المال أحياناً، وتكديس الثروات والانخراط في نشاطات المجتمع الاستهلاكي العليل والمدان، بينما المهم بالنسبة للأغلبية المسحوقة من هذه الفئة، هو الكفاف والستر وسلامة الضمير وصون الكرامة.
- كما يفترض بالمتعلمين أن يكونوا طلاب علم حقيقيون، يتمتعون بأخلاق وأدب وتهذيب وجدية والتزام واحترام، وأداء ما عليهم بمسؤولية وكفاءة وجودة.
- كما يجب على طرفي الوصاية والإشراف، السلطة المختصة والأسرة، القيام بواجباتهما الضرورية فالأولى بالتطوير والتوجيه والمراقبة وتصحيح الأخطاء وتقويم الاعوجاجات التي تظهر، أما الثانية فعليها إقناع بنيها بأهمية العلم كطريقة للنجاة والخلاص والفلاح، وكوسيلة للتصدي لتحديات الحياة ومعوقاتها حاضراً ومستقبلاً، وعليها أيضاً المتابعة المستمرة لأوضاعهم والمثابرة على التربية الصالحة وعلى انه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، رغم كل ما يصادفون من مظاهر الفساد المريبة والطارئة على أخلاق مجتمعنا، التي ستزول بجهد الشرفاء جميعاً، وعليهم ترتيب أوليات نشاطاتهم وأداؤها بإخلاص ودقة وكمال.
- وفي هذا المجال لا بد من أن تقوم هيئة من أصحاب الاختصاص المعاصرين والمخلصين المتّصفين بأعلى شعور بالمسؤولية والجدية والكفاءة، بالدراسة الشاملة للعملية التعليمية وخاصة التربية الأخلاقية المطلوبة بإلحاح شديد، لرأب الصدع بين التعليم والتربية الضرورية لنجاح عملية التوعية والتعليم العصري المنشود، وتحديد مكامن الخلل والضرر والإعاقة والتلوث والفساد، وتقديم ما تراه مناسباً لمعالجتها وتصحيح مواقفها، والقضاء على سلبياتها ومثالبها، بكل المتوفر من الأساليب والأدوات والإمكانات والكوادر.
- ويمكن تقديم بعض الآراء في هذا المجال، التي تتمثل بإجراءات تساعد على تجاوز الكثير من السلبيات منها:
1- اعتماد مادة التربية الإنسانية في كل مراحل التعليم ومستوياته، معتمدة احدث أساليب ونتائج العلوم الإنسانية النظرية والتطبيقية الناجحة في العالم، والاستعانة بأسلوب علمي وعصري من الجانب الخلقي الهائل في الدين الذي يقود إلى إصلاح المعاملة والى السلوك القويم، لتأثيره الرادع ولإيقاظه الضمير النائم، لأهمية هذا في نجاح العملية التعليمية والتحصيل العلمي، الأساسيان في رفع مستوى البناء المعرفي والثقافي، بالتالي الوعي الضروري للحكمة والحنكة والدراية، والفوز العاقل في اختيار الأفضل والأصلح قولاً وفعلاً للإنسان في بحر الحياة المتلاطم والغاشم، وفي أن يُنهل من الجانب المضيء من تاريخنا وتراثنا العامر بالقصص التي تمجد العفة والشرف، الصدق والأمانة، والإيثار والتضحية، والنزاهة والاستقامة، والثبات على الحق والعدل والدفاع عنهما بشجاعة وإقدام، يشمخ بها الإنسان ويفتخر... وإعادة صياغتها بقالب شيق وجذاب، واستخلاص منها العبر الإنسانية الرفيعة للأجيال، مع وجود داعم حقيقي لكل هذا وهو المعلم، القدوة الحسنة والمثل المحتذى، الذي يثير إعجاب الأجيال الصاعدة وتقليدها الأجود له.
2- إلغاء قانون الاستيعاب الجامعي، والانتهاء من أساليب التبرير، للعجز والتقصير في بناء الجامعات والمعاهد المواكبة والكافية، والمناسبة لتكاثر السكان المعلوم.
3- تخصيص طبيعة عمل مجزية، لكل من المعلمين بمستوياتهم المختلفة كافة، لكفايتهم وتحفيزهم للأجود والأفضل، ولترسيخ النزاهة والاستقامة والإخلاص بسلوكهم.
4- إعادة تأهيل وتدريب الكوادر التعليمية المتنوعة مهنياً وتربوياً، لرفع الكفاءة والقدرة على أداء دورهم الأهم في بناء الإنسان العصري المسلح بالعلم والأخلاق.
5- إلغاء التعليم الأساسي المستورد وربما الناجح في بيئات أخرى، لكنه هنا لم يرق إلى المتوقع والمطلوب منه، لعدم مراعاته البيئة الاجتماعية الخاصة، وما جلبه من سلبيات وتخبط إرباك لا مبرر لها، والعودة إلى المرحلة الابتدائية حتى الصف الخامس والإعدادية حتى الصف التاسع كما كان سابقاً في القطر، بدلاً من الحفاظ على نظام مشوه بشواهد بينة ومسكوت عن معاناة أسرته عمداً، ولا عيب في الرجوع عن الخطأ بل فضيلة، بالإضافة لضرورة إلغاء يوم العطلة الثاني، لإكسّاب يوم إضافي في التعليم الوطني الضروري، والخلاص من إرباك عملية التعليم وتقليل مردوديتها( مثلاً هل يعقل وجود ثلاث حصص متواصلة بدون استراحة، ومدرس جزء من ساعاته في مدرسة والجزء الأخر في أخرى..؟!).
- باختصار العملية كبيرة جداً، وهامة جداً، وشاقة جداً، وضرورية جداً، ورغم هذا كله يجب التصدي لها بجدارة وجرأة وحزم وصدق وجدية وفاعلية وإخلاص وتحصين طرفي العملية ورافديها لما فيه خير المجتمع، وإلا فلن يكون هناك سوية في نتائجها المرجوة، ولا جدوى حقيقية من مجملها، خاصة إذا ما كان الخلل والفساد