2- مسألة الحرية:
أولاً- الحرية: مفهوم فكري مجرد، ومبدأ فلسفي مطلق، وحلم إنساني رائع، وحق طبيعي وحضاري لكل البشرية. لكن على ارض الواقع والتطبيق، ليس هناك حرية مطلقة، بل نسبية، تتعلق بالإنسان ذاته كفرد يصبو إليها، وبالمجتمع كحاضن للأفراد يعمل على توفيرها للجميع، والاهم بالظروف الموضوعية، السياسية والثقافية والاقتصادية ... الخ الفاردة جناحيها على الجميع، وهو المميز الجلي لكل تجمع بشري خاص. وبالتالي فان الحرية، حرية الفرد تنتهي عند حدود حرية الآخر فرداً كان أو مجتمعاً. وليس هناك مجتمع حر، بلا أفراد أحرار، ولا أفراد أحرار، بلا حق وعدل وكفاية ووعي.
ثانياً- الديمقراطية: فكر سياسي نظري يجسد الحرية، ومفهوم اجتماعي وثقافي واقتصادي، يشكل المضمون الحقيقي للحرية على ارض الواقع والتنفيذ، باعتبار أن الديمقراطية التعبير الحقيقي عن الحرية ووجهها المشرق للفرد والمجتمع معاً. والديمقراطية بالمعنى المراد به الحرية كما سبق. يجب أن تكون مسؤولة وملتزمة، وإلا أصبحت فوضى وانفلات خطيرين، هما اكثر أذى وضرراً من غيرهما على الجميع. وللديمقراطية في حيز التطبيق، أنماط وأشكال مختلفة، ليست جميعها صالحة لكل الناس والمجتمعات في كل الأوقات وفي كل الأمكنـة. فكل مجتمع إنسانـي يختار ما يناسبه منها، بما لديه من قيم ومثل وعادات وتقاليد اجتماعية، وملامح خاصة اقتصادية، وثقافية، وسياسية، وحضارية، مؤثرة في اختياره.
أ- وعلى هذا لم ولن يلائمنا، النمط الغربي الرأسمالي للديمقراطية، الذي فيه الحرية، لأصحاب المال والنفوذ فقط، والبقية لا حول لهم ولا قوة. ولا دوراً يذكر، رغم الجو العام الخادع للحرية الفردية فيها. لأننا في الدول النامية، بأمس الحاجة لحشد الجهود والقوى كافة، وتوجيهها بشكل فعال، للبناء والإعمار والتحرر والاستقرار.
ب- وكذلك لن يفيدنا، ولا يصلح لمجتمعاتنا، النمط الاشتراكي للديمقراطية، القائم على سيطرة طبقة واحدة في المجتمع. بما في ذلك، من استبعاد لدور بقية الطبقات، مهما كان. لأن الإنسان في مجتمعاتنا، يعشق الحرية، حرية التعبير والاعتقاد، التملك والتصرف، السخاء والإيثار ... إلى غير ذلك، من مشاعر الاعتداد بالنفس والكرامة والافتخار بالإنجازات الإبداعية الإنسانية. فكيف يقبل بنمط يكبل الحرية في غالب الأحيان، ويأسرها في قالب جامد.
جـ- الديمقراطية الشعبية، التي اختارها الحزب، تجسيداً للحرية وتطبيقاً لها، القائمة باختصار على قيادة الحزب لجبهة وطنية تقدمية، ومنظمات شعبية، هو خيار صحيح وواقعي وملائم، إذا ما توفرت:
1- الديمقراطية الحقيقية، في الأحزاب والمنظمات المشكلة للجبهة، حسب أنظمتها الداخلية.
2- الديمقراطية الحقيقية أيضاً، للشعب بكل فئاته وشرائحه وأطيافه السياسية وغير السياسية، تؤمن له حرية التعبير والاعتقاد، المراقبة والنقد، المساهمة ببناء الوطن، والدفاع عنه. وبالتالي المشاركة بصنع القرار. من خلال منظمات المجتمع المدني المؤسساتية والمستقلة، ضمن الخط العام الوطني والقومي، وبالالتزام بشروط ممارسة الديمقراطية المسؤولة.
3- قيام الأحزاب الأخرى في الجبهة، بإجراءات إعادة النظر الشاملة بأوضاعها العامة، وهياكلها التنظيمية، ووسائلها وأساليب عملها، بما يحقق لها، إحياء قواعدها الجماهيرية الحقيقية، والالتفاف حول برامجها وأهدافها المعلنة. والعودة بقوة إلى ساحة العمل السياسي والوطني والقومي، المنوط بها، وتفعيل دورها البناء في النضال الجبهوي الجماهيري، لتحقيق أهداف ومرامي الجبهة المتفق عليها أصلاً وبداية. بدلاً من بقائها كما تبدو هياكل مجردة، وقيادات إتكالية على رصيدها السابق المغفور له إلى حد كبير، وعلى رصيد الحزب القائد، الذي أعفاها من مشاق النضال الجماهيري، ومن المسؤولية عن استمرارها بزخمها الذي كان لها، عند قيام الجبهة، وعلى ما أتصور، انه إذا ما بقيت على حالتها غير المرضية، ولم تفعل ما يجب لتجديد نفسها، واسترجاع حضورها الفاعل على ساحة الوطن، فستكون عبئاً على الحزب القائد، بدل أن تكون عوناً له، في مسيرته النضالية الهامة والصعبة لاشك. مما يستوجب إعادة النظر بعضوية من يتخلف منها، في الجبهة الوطنية التقدمية، الإطار الصحيح للجميع.
4- تعديل قانون الانتخاب، بما يحقق مزيداً من الحرية والديمقراطية في الوطن:
- بدءاً بتحديد عضوية مجلس الشعب والمجالس المحلية بدورتين متتاليتين فقط، لإفساح المجال أمام إمكانية رفد السلطة التشريعية بكوادر، من ذوي الكفاءات العالية، والقدرات والطاقات الخلاقة، والوعي الرفيع، والشعور العالي بالمسؤولية، تجاه العمل بالشأن العام الوطني. وليس هذا اكثر من محاولة تجديد الحياة لهذا المجلس والمجالس الأخرى.
- وبتعديل اسلوب الانتخابات المحلية والعامة، باعتماد المنطقة كدائرة انتخابية مستقلة. لأنها ستكون اكثر مصداقية وشفافية في اختيار ممثليها، المعروفين لديهم اكثر من غيرهم حتماً. وباعتماد الديمقراطية، في اختيار مرشحي الجبهة، بحيث تختار القواعد الحزبية على مستوى الشعبة مرشحيها، لإدراجهم في قوائم الجبهة،حسب تسلسل الأصوات التي نالوها، وبعدد اكبر من المطلوب. لإعطاء القواعد الحزبية، والجماهير الشعبية، حرية اختيار الأكفأ والأفضل. بدلاً من تعيين المرشحين في قوائم الجبهة، التي بصدورها تنتهي الانتخابات عملياً. وتضع النشاطات الانتخابية أوزارها، وتخمد الحيوية والفعالية، باستثناء المرشحين المستقلين، بينما باعتماد الاسلوب المقترح، تستمر النشاطات الانتخابية الجماهيرية، والمناقشات والحوارات الديمقراطية، فيما بين المرشحين والناس حتى نهاية الشوط. وتظل الانتخابات ساحة مفتوحة لكل اللاعبين الراغبين بخوضها، ليمارسوا دورهم في تحريك وتعبئة وتنشيط الجماهير، لأداء دورها المسؤول، وواجبها في الإدلاء، بأصواتها، لصالح من تراه الأنسب والأجدر لها وللوطن،بدلاً من الهمود والفتور والتردد، الذي عادة ما يرافق الانتخابات المعروفة النتائج سلفاً، بمجرد صدور قوائم الجبهة، كما ذكرت، التي يجب أن تكون الأكثر أهمية، والأجدى دوراً، والأرفع مسؤولية، والأخصب وعياً، والأقدر فعلاً، والأرحب عملاً، والأشد التزاماًً، والأوفى عهداً ووعداً ...
5- إعطاء حرية تشكيل أحزاب معارضة إن توفرت الإمكانية، على الساحة السياسية، ضمن فكرة التعددية السياسية المعتمدة، شرط التزامها بالخط الوطني والقومي المعروف، وباعتماد مصالح الجماهير الواسعة، في برامجها وأعمالهـا ونشاطاتهـا، وبالمساهمـة الصادقـة والفعاليـة، في تنشيط حركـة هذه الجماهيـر، وتفعيل دورها، واستنهاض هممها وكفاحها، لتحقيق أهدافها المشروعة، في التحرر والبناء، في الاستقرار والازدهار، وفي الكفاية والعدل. وبالتمسك بعقد شرف، بالدفاع عن الوطن والأمة، وصون وجودها ومصيرها، والمساهمة بحق وصدق في صنع مستقبلها ... ...
وهل هذا يضر الأمة والوطن، أم ينفعها، بنشر الديمقراطية، التي كثر الحديث عنها مؤخراً، في الظروف والمناخات العربية والدولية الحالية، بحق أو بدون؟! أم أنها كلمة حق يراد بها باطل؟!!
أم انه يؤدي إلى بعثرة الجهود، واستنزاف الطاقات، وهدر الإمكانيات، هباءً؟!
واعتقـد أن الحزب لا يتهيب، من خوض انتخابات حـرة ديمقراطية، حتى على الطريقة الغربيـة، بما لـه من إنجازات هائلة، تملأ ساحات الوطن، وبما لديه من رصيد جماهيري عظيم، ناله بجدارة، من خلال مسيرته النضالية الرائعة، لإنجاز أهداف ومصالح الجماهير، وتحقيق آمالها وطموحاتها، وحماية وصون هذه الإنجازات الشعبية، والدفاع عنها.
وبالتالي أعتقد أن الحزب لا يخشى، من وجود أحزاب معارضة، ولا من وجود صحافة ناطقة باسمها، فهو محصن بالتفاف الجماهير، وبالتطوير والتحديث المرافق لحياته ومسيرته الدائمة، الذي يتخلص به والسلطة باستمرار، من الانتهازيين والمتسلقين والعاجزين، ويتطهر وإياها دوماً من الفساد والإفساد والمفسدين المخربين، لكل جميل ورائع في حياتنا.
3- مسألة الاشتراكية:
1- الاشتراكية: مفهوم سياسي اجتماعي اقتصادي شامل، وطريق مختار، لتحرير الفرد والمجتمع من الاستغلال والاضطهاد والظلم الاجتماعي. ووسيلة فعالة، لتحقيق النتيجة الشاملة، في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية، الحضارية والإنسانية، لتلبية حاجات الإنسان الضرورية. التي تجعله إنساناً حراً، بعقل منفتح وتفكير علمي متسامح ومتفاعل مع الجميع. وهو كذلك طريق سليم، لإنجاز التطورات والتغييرات التقنية والمعلوماتية الضرورية المطلوبة، واستغلالها في مجالات التنمية كافة، لمواكبة العصر، واللحاق بركب الحضارة المتسارع جداً.
2- وقد اختار حزب البعث العربي الاشتراكي، في مؤتمره القومي السادس، الاشتراكية العلمية. التي تتلخص بامتلاك الدولة والمجتمع لجميع وسائل الإنتاج، وإدارتها، إدارة ديمقراطية، أو إدارة ذاتية، حسبما ما هو ملائم للعملية الإنتاجية. لتحقيق العدل الاجتماعي، والتنمية السريعة لقطاعات الإنتاج كافة. من خلال حشد الطاقات وتفعيل القدرات والقوى، وتوظيفها بالشكل السليم، في بناء وإعمار الوطن. وتحقيق التطور والازدهار والتقدم والاستقرار والأمن، وامتلاك القدرة على الدفاع عن مكتسبات الجماهير الكادحة، وخلق التوازن الاستراتيجي الشامل مع العدو، لاسترجاع الحقوق والتصدي للأخطار المحدقة بالأمة، والوطن، لصون وجودها ومصيرها ... واعتبار الصراع الطبقي وسيلة حتمية ومجدية، لتحقيق ذلك، من خلال الانتصار المحقق للطبقات الكادحة، واسترداد حقوقها المستلبة، وإنهاء امتصاص دمائها واستغلالها الطبقي، بإقصاء القوى البرجوازية المستغلة والمتحالفين معها، عن مفاصل السلطة والقرار والفعل ... وهذا كله معروف ومكرر...
3- وقد أدى الطريق الاشتراكي، دوره، في تحقيق العدل الاجتماعي، والتنمية الشاملة، ضمن حدود الإمكانيات المتاحة، والظروف الداخلية والخارجية المحيطة. وقد تجلى عبر تطور الأحداث والوقائع في:
أ- وجود قطاع عام قوي وقائد، أدى دوره بجدارة، في فترة ما عصيبة ودقيقة وخطرة فعلاً. ثم بدا يتعثر لعدة أسباب ذاتية وموضوعية، لا تزال السلطة عاجزة، عن تلافيها، وتمهيد الطريق له لانطلاقة جديدة مثمرة، وقد حقق هدفاً اجتماعياً من خلال تامين العمل لكثير من طالبيه، وبذلك تضخم أيضاً، العبء الاقتصادي عليه، من العمالة الزائدة، التي تعتبر أحد أوجه البطالة المقنعة، والحل بسيط يتلخص، بإطلاق يد إدارته الكفوءة والنزيهة بحرية مسؤولة، وكأنها المالك والمتصرف، تحاسب على النتائج فقط، بعد إنهاء زيادة العمالة غير الضرورية للعملية الإنتاجية، بوسائل وأساليب تحافظ على مصادر معيشتها الضرورية، وتقديم الدعم اللازم له أيضاً...
ب- وجود إصلاح زراعي، جاد وفعال، في البداية، أدى إلى إنصاف الفلاحين والعمال الزراعيين، واسترداد حقوقهم بقدر ما، وتعثر في أواخر عهده، وتخللت مسيرته عدة ثغرات، منها إثراء الكثير على حسابه وبواسطته، واستنزاف مادي كبير لموارد الدولة، بالتخبط في السياسة الزراعية، من استصلاح الأراضي غير المناسبة، إلى تجربة مزارع الدولة الخاسرة بكل المقاييس ...، إلى استمرار قلق الفلاحين على مصيرهم ومستقبلهم، بسبب عدم تمليكهم الأرض بشكل نهائي وقانوني، وإنهاء بدل الإيجارات التي تستوفى منهم. لذلك يجب إنهاء هذه العمليات ، ومن بعدها إلغائه لإنتهاء دورة المطلوب. ولا بد هنا من التطرق إلى نجاح السياسة الزراعية رغم كل شيء، في الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الزراعي، المدعوم حكومياً بشكل كبير، وصولاً إلى تصدير الفائض، وهذا جيد أكيد. ولابد من الإشارة في هذا المجال، إلى ضرورة إنهاء الدعم الحكومي لهذا القطاع تدريجياً، لاستقرار العملية الإنتاجية، من الحبوب ... إلى رغيف الخبز. وإلا هل يعقل أن تكون خسائر تصدير الحبوب 12 مليار للعام 2003.
جـ- دعم حكومي تمويني، جيد وضروري، للطبقات ذات الدخل المحدود، والفقيرة، خفف الكثير من الأعباء المعيشية عنها، في أوقات عصيبة وصعبة جداً، يجب تغيير أسلوبه واستبداله بأسلوب أفضل. بدءاً من إلغاء منافذ بيع المقننات، التي بما يصرف عليها من نفقات إدارية وموظفين، كافية لتامين جزء من التعويض على المتضررين من إلغاء الدعم ووسائله .... وبالتالي تخفيف إلى حد كبير من عبء العجز التمويني .... وإلا هل يُقبل أن يكون العجـز التموينـي 28 مليار لعام 2003 وإلى متى؟
دـ وجود قطاع صناعي ناجح، في مراحل كانت شديدة الصعوبة والخطورة، لكنه بدا يتعثر منذ فترة ليست قليلة، بدون أن يستطيع تحقيق الثورة الصناعية الضرورية التي أنجزها العالم المتقدم من قرن أو يزيد، وبدون أن يقدر على إنجاز الثورة التقنية والمعلوماتية، التي وصل العالم فيها إلى ذروتها أو حتى يزيد أيضاً. وبالتالي بدون أن يحقق كذلك التطور والتقدم المعول عليه، من تجديد البنية التحتية اللازمة، إلى تغيير اسلوب إدارته، في الإنتاج والتسويق. مما يفرض إعادة النظر الشاملة بكل جوانب ومجالات ووسائل وأدوات، القطاع الصناعي، لإنقاذه ووضعه في مسار جديد وصحيح وناجح، خاصة في عصر العولمة المضرة به، وفي عصر سيطرة القطب الواحد في العالم، وما يتبع ذلك من متطلبات ومستحقات، منظمة التجارة العالمية الحرة، والشراكة الأوربية، مما يلزم بالإضافة لما سبق فتح باب الاستثمار العربي والعالمي واسعاً، ودعمه بما يحقق اكبر المصالح للوطن والمواطن. والى ما هناك من إجراءات وأعمال ... تغطي بنتيجتها إلى إنقاذه، وعودته إلى أن يبقى عماداً قوياً من أعمدة الاقتصاد الوطني السليم والمعافى.
4- والخلاصة، لابد من طرح بعض الملاحظات العامة، والمقترحات زيادة عما ورد هنا:
أ – النظرية العلمية الاشتراكية الأممية، كنظام معرفي، وعقيدة سياسية، ونظام اقتصادي اجتماعي وثقافي ... الخ ثبتت التجربة العالمية، عدم ملاءمتها المجتمع العربي. بينما كونها اسلوب تفكير، ووسيلة تحليل وتركيب، جدلية، مطلوب تبنيها. لأنها تقدم خدمات جليلة، في مجالات العمل والإنتاج كافة، وفي استبيان الحلول الأكثر ملائمة، لأكثر المعضلات والمشاكل التي تطرح على المجتمع وقادته...
ب – فالصراع الطبقي لم يعد وسيلة ناجعة ووحيدة، لتحقيق العدل والتطور والازدهار، وانتصار الحق والحرية الاجتماعية. بحسم الصراع لصالح الطبقات الكادحة، الأنظمة الاشتراكية الشمولية. والتي أصحابها تخلوا عن هذا، في اغلب الساحات التي كانوا يسيطرون عليها. لذلك يجب إحلال التعاون والتضامن والتكامل الطبقي، بأسلوب بناء يعطي كل ذي حق حقه، خاصة أن المجتمع العربي، لم يعد يتألف من عدة طبقات اجتماعية، وإنما من طبقتين، طبقة الأثرياء، صاحبة المال والنفوذ، وهي الأقلية، وطبقة الكفاية، صاحبة تاريخ والنضال الطويل، المتخم بالتضحيات والعطاءات، وهي طبقة الأكثرية، وبينهما هوامش بلا حدود متذبذبة. وقد جرى هذا الفرز الطبقي الطبيعي تلقائياً، لاختفاء الطبقة الوسطى التي كانت الغالبية، وظهور طبقة الأغنياء الجدد، الأقل عدداً، والأكبر نفوذاً. مما يوجب ابتكار اسلوباً جديداً واقعياً وممكناً، لتحقيق العدل والكفاية والحرية الاجتماعية للجميع.
وكذلك بالنسبة للنظام الرأسمالي المسيطر حالياً، بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، أحد اكبر رموز النظام الاشتراكي العالمي، والداعم لحركات التحرر الوطنية. هذا النظام الرأسمالي الأمريكي، الوحشي، العنصري، والمدمر، لاستقرار العالم وخصوصيات الشعوب الثقافية الحضارية، حتى الصديقة له. والناهب لثرواته، والطامح لفرض سيطرته على العالم كإمبراطورية جديدة. والذي أتوقع انهياره وتفككه واندثاره، ككل الإمبراطوريات في التاريخ، فهو أيضاً لا يلائم المجتمع العربي. لذلك كان اختيار الحزب لنظام سياسي واجتماعي واقتصادي خاص، يناسب المجتمع العربي وخصوصياته كافة.، يناضل ضد الشمولية الأممية المفروضة، وضد الرأسمالية الأمريكية المعروضة...
جـ- وملكية الدولة والطبقات الكادحة، لجميع وسائل الإنتاج وإدارتها، لم تعد ذات فائدة مؤثرة في تحقيق التنمية المطلوبة والعدل الاجتماعي. وهذا لا يعني التخلي عن القطاع العام، القائد للاقتصاد الوطني، بل يجب تطويره وإصلاحه، وتوفير كافة الإمكانيات لانطلاقه من جديد بقوة فاعلة، في استكمال عملية التنمية الشاملة والضرورية، بمشاركة القطاع الخاص الوطني المسؤول أيضاً، وإفساح المجال واسعاً أمام الاستثمارات الإنتاجية، غير الخدمية كما ذكرت، وهذا يؤدي إلى أن اختيار الحزب، للتعددية الاقتصادية، عام وخاص، - وإلغاء المشترك اليوم لعدم جدواه الاقتصادية – كان اختياراً صائباً، ولا بد من الاستمرار بالسير المسؤول باتجاه اقتصاد السوق الموجه. لإذكاء المبادرة الفردية، وتحفيز القوى والفعاليات الاقتصادية بقوة، للمساهمة الجدية والمؤثرة في التنمية الشاملة والمستدامة، لزيادة وتطوير الدخل القومي، وتوزيعه بشكل عادل على أبناء الوطن الواحد.
د- يبدو الحديث عن الاشتراكية، لم يعد يقنع أحداً، ولا يجذب أحداً، ولا يتبناه أحد، بعد أن جعلت الأخطاء الفادحة، والمساوئ المرافقة، لعملية تطبيقها، في المراحل السابقة، تظهر - رغم الإيجابيات الكثيرة - وكأنها أُفرغت من مضمونــها الغنـي الجيـد والمأمـول البـراق، لا بــل وصـل بالبعـض حـد الكفــر بالاشتراكيـة، كشعار إنسانـي، وهدف حضاري نبيل، لذلك لا بد من إعادة النظر بالمضمون النظري والعملي لهذا الشعار، كما عرضنا، بشكل يضمن تحقيق الهدف من الاشتراكية، وهو إلغاء استغلال الإنسان للإنسان، وتحقيق التنمية الشاملة ومستدامة الاقتصادية والاجتماعية ... بشكل سريع وناجز ...، وتوفير توزيع منصف وشفاف للثروة، وسيادة الحق والعدل والحرية للجميع.