كانت المدارس في القرون السابقة كتاتيب يتعلم الطالب القراءة والكتابة وقرض الشعر وشيء من أحاديث رسول الله , وكان الشيخ المعلم الوحيد لثلاثة مستويات أحيانا" وكان الشيخ يميز طالب لديه عن بقية الطلبة إسمه سهيل عن بقية زملائه فالمتعارف عليه من مسلك الشيوخ هو العقاب للمقصرين ولكن الشيخ لا يعاقب سهيل بل يدنيه منه ويخاطبه كرجل واعي ويستشيره في أمور فقهية عديدة حينما يشكل عليه بعض المسائل الشرعية من سائل ما والشيخ يستشير تلميذه الصغير فيرد الطالب بإجابة موزونة وموثقة بأدلة ومعززة بآراء الفقهاء والأئمة , وأغاظ مسلك الشيخ من طالبه المميز زملائه وذهبوا إلى ذويهم ساخطين ويشتكون من تمييز الشيخ لزميلهم سهيل عنهم !؟
أتى ذوي الطلبة المشتكين إلى الشيخ وسألوه عن سبب تميز الطالب سهيل عن أبنائهم الكل بمستوى واحد من العلم وأيضا" في العمر ومن منطقة واحدة وهم جوار وأقارب !؟ رد الشيخ بهدوء وطلب من الطلبة أنْ يحضروا ذويهم في موعد محدد ويحضر كل منهم سكين ودجاجة وحضر الطلبة ومعهم ذويهم وما طلبه الشيخ منهم ومعهم أيضا" سهيل مع والده
إكتمل عدد الطلاب وذويهم وقال الشيخ :
مخاطبا" الطلاب ومنهم سهيل إذهبوا أبنائي وليأخذ كل منكم بدجاجته وسكينه وليذبحها بمكان لا يراه فيه أحد , ذهب الطلبة خارج القاعة وفتش كل منهم على مكان منزوي بعيد عن عيون الناس , وذبحوا دجاجاتهم وجاؤوا على القاعة وجلسوا بقرب ذويهم وتأخر عن الحضور سهيل وبعد هنيهة دخل عليهم وهو يحمل دجاجته الحية وتعجب الحضور منه إلاً شيخه فإنه تحفز وظهر البشْر والفرح على محياه وأساريره ؟ وقال الشيخ مخاطبا" سهيل لم تذبح دجاجتك كما فعل زملائك ألم تجد فناءا" بعيدا" عن عيون الناس رد سهيل بجنان ثابت وصوت رزين قائلا" يا شيخي :
علمتني أنً الله يرانا , وان الله معنا وأنً الله لا تخفى عليه خافية بل هو معنا في أنفسنا فدلني على مكان لا يراني فيه الله !؟
رد الشيخ مزهوا"بإجابة طالبه ؟ نعم يا ولدي لا حركة ولا سكون في هذا الكون إلا بأمر الله وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ؟ ! والتفت الشيخ على الحضور وقال :
من أجل هذا أميزه فهو ورع وفطن ويعمر صدره بإيمان عظيم يردعه إن اخطأ ويستفتيه في كل شأن من شؤون حياته فإن وافق فضائل الأعمال أتاه وإن خالف ارتدع من ذاته !؟
وخاطب الشيخ والد سهيل سائلا" بم تتميز بتربية إبنك عن غيرك من الجوار والأقارب ذوي الطلبة زملاء إبنك هؤلاء ؟ ردً والد سهيل فقال :
لم أطعمه إلاً من مال حلال , وأمه إنتقيتها على خلقها وعقلها ولم أرتبط بها لجمالها ! وكانت نعم المعيدة له في البيت حينما يأتي من المدرسة تسأله عن الدروس والمعارف التي أخذها اليوم وهل هناك من معلومة لا يفهمها أو فكرة غابت عليه لتجيبه عنها , وبعد ذلك يذهب ليلعب مع أقرانه ! وبالتالي تستذكر معه دروسه مرة ثانية ! وينام مبكرا" , ويستيقظ مبكرا" , والأهم من ذلك له ساعة قيلولة بالنهار ينام فيها فيتجدد نشاطه الذهني والجسدي ! وكنت له مثلا" في السلوك لم أكذب أمامه أو أشتم أحد من أفراد أسرتي بغيابه , فكنا ولا زلنا عائلة نمتاز بأنً الفيصل والمرجعية بيننا فضائل الأعمال , والعقل , والأعراف الحميدة
وأنا اقول ثلاثة أسباب تجعل من الولد مميز ونابغة وفريد عصره وهي :
- أمْ ذات عقل راجح وفطنة زائدة مع رعاية للطفل من الرضاعة حتى سن البلوغ !
- أب مثالي في سلوكه ويجعل من نفسه قدوة لولده , قولا وعملا"
- معلم فطن وذو معارف عالية ويمتاز بحسن الأخلاق والقدرة المهنية على نقل المعلومات لطلابه وأن يثير عندهم أسلوب المناقشة وتحليل المعلومة !
الاسرة المثالية هي من تقدم العقل على العاطفة في تنشئة الأبناء وترعاهم بعيون ساهرة لاتغفل ثانية عنهم , وتضع في صدر أولادها شرطي خفي رادع لهم !
الشيخ عبد القادر الخضر