موضوع نفسي
تقوم الحياة الزوجية على السعادة، فسيادة المودة والرحمة داخل الأسرة تجعل كل طرف يتقبل أخطاء الآخر بهدوء وسعة صدر، لكن هذه الأخطاء أحياناً تكون مليئة بالصعوبات والمنغصات، فتحدث المشاكل الزوجية التي يعدها الكثيرون أمراً عادياً ويتأقلمون معها بسبب وجود الأطفال أو لأسباب أخرى اجتماعية، دون أي رغبة داخلية عند الطرفين في استمرار هذه العلاقة
وبالمقابل فإن بعض الأزواج يجدون صعوبة في التعامل مع هذه المشكلات أو معالجتها بلهجة هادئة دون عنف أو لوم، ويتعمّد الزوجان عدم إخفاء كل منهما لما في نفسه عن الآخر بشكل يقلل من احترام كلا الطرفين، ويعد اختلاف الطباع بين الزوجين ونظرة كل منهما للعلاقة الزوجية من الأسباب الرئيسة لحدوث هذه المشاكل فتتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق، وتغيب الغاية الأساسية والسامية من وجود مؤسسة الزواج، وهي التشاركية والتعاون والمودة والرحمة لبناء أسرة سليمة متعافية، كما يغيب الاستقرار والطمأنينة عن جو الأسرة، رغم استمرار العلاقة بين الزوجين، وهنا تظهر الحاجة الملحة للانفصال والطلاق رغم أنه أبغض الحلال عند الله.
حول هذا الموضوع تحدث إلينا الدكتور"محمد خير أحمد الفوال" أستاذ في "جامعة دمشق"- اختصاص علم النفس قائلاً: "إن الطلاق بحد ذاته مشكلة حين تبرز استحالة العيش المشترك للزوجين في أسرة واحدة، ولكن المشكلة الأكبر هي ما بعد الطلاق، وتأثير ذلك على مصير الأبناء وضياعهم، لأن تفكك الأسرة يعني حرمان الأولاد من أساسيات التربية الحسنة والعطف والحنان والقدوة، ومن المؤكد أنهم سيشعرون بالتشتت والحيرة في التعامل مع هذا الموقف الذي يكون بمثابة كارثة بالنسبة إليهم، وقد أظهرت الدراسات أن بقاء الطفل مع أحد الوالدين أفضل من العيش في جو مملوء بالصراعات الزوجية، وبالتالي فإن الأسرة المضطربة تنتج أبناءً مضطربين".
وعن آثار الطلاق على الأبناء قال الدكتور محمد : "أهم هذه الآثار:
القلق والاكتئاب والحزن والغضب: وتكون هذه الآثار قوية عندما يحدث الطلاق خلال سنوات ما قبل المدرسة حيث يشعر أبناء المطلقين بالتمزق بين كل من الأب والأم ما يؤدي بهم إلى الاكتئاب النفسي والحزن الشديد.
السلوك العدواني: تختلف ردود أفعال الأطفال على طلاق والديهم باختلاف أعمارهم فيُظهر الطفل بين 2- 3 سنوات نكوصاً ونزقاً وزيادة عدوان وبين 5- 6 سنوات قلقاً ومزاجية وعدوانية، وتكون نسبة الإناث اللواتي تعانين من مشكلات انفعالية بعد طلاق الوالدين ضعف عدد الذكور كما أثبتت الدراسات أن أطفال الأسر المطلقة أكثر عدوانية في اللعب بالدمى من غيرهم.
سوء التكيف: أطفال الوالدين المطلقين يعانون من مشكلات تكيف مهمة تستمر إلى ما بعد سنة من الطلاق أو أكثر وقد كان العنف الجسدي بين الوالدين هو العامل الأقوى بحدوث سوء التكيف عند الطفل.
عدم ثقة الطفل بنفسه وبالآخرين: يعيش الطفل بعد الطلاق دوامة من الحرمان وعدم الاستقرار فهو يحب والديه ويشعر بالحاجة إلى وجودهما معاً، فينعكس هذا على سلوكه ويعاني من عدم الثقة بالنفس وبالوالدين وبالآخرين.
ومن الآثار الأخرى: اضطرابات في النوم، فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام، التبول اللاإرادي، الهروب من البيت أو المدرسة، الاندفاع نحو الأقران بحثاً عن الحب والأمان لديهم.
الإرشاد النفسي لتخفيف آثار الطلاق على الأبناء
وعن دور الإرشاد النفسي في تخفيف آثار الطلاق على الأبناء، وأهميته في هذا المجال يقول الدكتور محمد: "يحتاج أبناء المطلقين إلى نوع من الرعاية النفسية والاجتماعية، وهذه الرعاية يجب أن تكون قبل وبعد الطلاق، ويمكن للإرشاد النفسي أن يقوم بدور فعّال ويتضمن إرشاد الزوجين إلى ضبط النفس والانفعالات أمام الطفل، وإلى كيفية إخبار الطفل بقرب انفصال الوالدين وتهيئته نفسياً لذلك، ومساعدته على تفهم ضرورة عملية الطلاق إذا كان في سن يسمح بذلك وليس صغيراً، أما بعد حدوث الطلاق فلا بد للمرشد النفسي أن يركز على الحاجة لدعم علاقة الطفل بالوالدين وتوجيههما لعدم التعبير عن غضبهما نحو بعضهما البعض من خلال الأطفال وألا يستخدما الأطفال كوسيلة ضغط مادية أو نفسية على بعضهما ويتضمن إرشاد الوالدين أيضاً ترتيبات الزيارات والمسؤوليات المتعلقة بوضع الأطفال المادي، أو وضع الزوجة المادي والحقوقي، وهذا كله يستدعي الإبقاء على قدر من الود والاحترام بين الزوجين، والتواصل من أجل مصلحة الأبناء، ومن المهم إتاحة الفرصة لوجود الأب والأم في المناسبات المختلفة التي تهم الأبناء تفادياً لشعور الأطفال بالضياع أو النقص".
التأثيرات النفسية التي تطال الأطفال تحفر عميقاً في نفوسهم وتؤذي مشاعرهم بصورة كبيرة فإن شاءت الظروف أن نعاني في هذه الحياة علينا أن ننظر نظرة رأفة ومودة إلى وجوه أطفالنا البريئة التي من حقها علينا أن تعيش بهدوء وسلام وأمان روحي وجسدي.