news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
الآثار الإيجابية للأزمة السورية... بقلم الدكتور : هيثم محروس

قد يبدو العنوان غريباً بعض الشيء ! فهل يمكن " لأزمة " أن يكون لها آثاراً ايجابية ؟


لا يختلف اثنان على الآثار السلبية للأزمة السورية بجوانبها الإنسانية أولاُ و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية , و لكن ألم نتغير , نحن السوريون , إيجاباً على امتداد أشهر الأزمة العشرة ؟ فيما يلي  سأشرح لكم  كيف تغيرنا :

 

 تعودنا , نحن السوريون , إن الهم الداخلي هو آخر ما نتحدث به علناً , و رغم امتعاضنا من الفساد و همسنا المتبادل حول تفشيه ليطال القطاع تلو الآخر إلا أننا , و باتفاق غير معلن بيننا , نتجنب إعلاء الصوت عند الحديث عنه , من جهة خوفاً , و من جهة أخرى كنا نعتبره نوعاً من الضريبة الواجبة حفاظاً على خط الممانعة و المقاومة المدعوم شعبياً, و كانت نشرات أخبارنا تتحدث بإسهاب عن أحداث الوسط المحيط بنا , و تكاد أخبار الداخل تقتصر على نقل اجتماع لبعض اللجان , و افتتاح بعض المشاريع في إحدى المناسبات , و فجأةً أصبحت مشاكلنا الداخلية تتصدر عناوين الإعلام المكتوب و المرئي و المسموع , الداخلي و الخارجي , و ما كنا نتبادله همساً أصبح محل اهتمام عالمي و يناقش من وجهات نظر مختلفة , أليس مجرد انتقال الحديث عن الهم الداخلي من مرحلة الهمس إلى مرحلة العلن هو أمر ايجابي بحد ذاته ؟ و رغم إدراكنا أن توظيف المشاكل الداخلية يجري" لغاية في نفس يعقوب" و لكن السليم أن الهمّ الداخلي يجب أن يحتل الحيز الأهم في إعلامنا  و يكوّن المحور الأكبر في حياة أحزابنا السياسية .

 

و موضوع الإعلام الداخلي و الخارجي يقودنا إلى أمر ايجابي آخر تعلمناه خلال الأزمة و هو القدرة على قراءة ما تخفيه الكلمات البراقة من نوايا خفية , فمثلاً " ممرات إنسانية " نعلم أنها تستجدي تدخلاً عسكرياً  و هكذا ..

 

 و تعلمنا خلال الأزمة أن نتصيد الخبر كحقيقة , و فصله عن توظيف الخبر لإيصال المتلقي إلى الاستنتاج الذي يسعى إليه ناقل الخبر . و لا أخفي أن غالبيتنا كانت , منذ أشهر قليلة ,  لا تلمس الخلافات في طرح أطراف الأزمة لوجهات نظرها , وشيئاً فشيئاً أصبحنا ندرك دقة التعابير التي يستخدمها كل طرف عند توصيفه للأزمة و طرق حلها .  

 

و أستطيع القول أننا خضعنا جميعاً "لدورة مكثفة" في تعلم استنتاج المواقف السياسية , و قطعنا شوطاً مهماً على طريق النضج السياسي باتجاه التحول الديمقراطي المنشود . و هذا يقودنا إلى اثر ايجابي آخر للازمة و هو احترام الرأي الآخر و عدم مصداقية من يدّعي امتلاك الحقيقة كاملةً , اذكر جيداً كيف كانت مواقفنا , في بداية الأزمة , فيها الكثير من الحديّة تجاه الرأي الآخر , ورويت أمامي الكثير من القصص عن أخوة يتفادون اللقاء لاختلاف اصطفافاتهم خلال الأزمة , و شيئاً فشيئاً بدأنا نحترم حق كلّ منا في أن يكون له رأي مختلف   لا بل اكتشفنا أن الآراء المختلفة حول قضية ما تغني النقاش و تفضي إلى حلول لم تخطر ببال الطرفين , وهنا نصل إلى الايجابية الأبرز التي علمتنا إياها الأزمة و هي ضرورة وجود معارضة , و هو الأمر الذي افتقده مجتمعنا لعقود طويلة .

 

 لا يمكن لمجتمع أن يتطور بشكل صحي وسليم دون وجود معارضة تراقب ما يفعله من هم في السلطة و تطالب بمحاسبة الفاسد و المقصّر , و تطرح بديلها على المجتمع , و إن هي  أقنعته ببديلها يحق لها , و عن طريق صناديق الاقتراع , أن تتبوء السلطة و تنفذ مشروعها تحت رقابة المعارضة التي كانت في موقع السلطة من قبل , و نبدأ ما يفكر به الكثيرون هذه الأيام و هو فصل الدولة بأجهزتها و مؤسساتها عن السلطة القابلة للتداول , و خضوع الجميع لقانون واحد ينظم عمل مؤسسات الدولة و يضمن بقاءها تحت رقابة المؤسسات المنتخبة , و يحدد الآليات الديمقراطية لعملية تداول السلطة .

 

أمر آخر لا بد من الوقوف عنده , قبل الأزمة كنا نتهامس فيما بيننا حول الانتماء الطائفي لكل فرد , و لكن عندما أخذت بعض أطراف الأزمة "تلعب " على الوتر الطائفي للمواطن لتحدد موقعه من الأزمة , شعر اغلب السوريين بقذارة و خطورة تقسيم المواطنين بين موالاة و معارضة حسب انتمائهم الطائفي , و استنكر أغلبنا هذا المنطق للأكثرية و الأقلية , و يكاد الجميع يتفق على أن الأغلبية  و الأقلية هي مفهوم سياسي للتجمع حول برنامج سياسي , وليس تجمع على أساس طائفي أو عرقي , و أن الموزاييك العرقي و الطائفي الذي تعيشه سوريا ليس جديداً عليها بل هو ثمرة انسجام قديم , و أن شعور البعض بأنه كان مهمشاً أو مغبوناً لا يلقي المسؤولية على المكونات الأخرى للمجتمع , و إنما هي مسؤولية البنى السياسية التي يجب أن تتطور باستمرار لتفادي التهميش و الغبن لأي مكوّن من مكونات مجتمعنا .

 

و في النهاية لا بد من اعتراف الجميع بأننا قبل الأزمة كنا شيء و الآن شيء آخر , وكل من يفكر انه يمكن أن نعود إلى ما كنا عليه قبل الأزمة , اقل ما يمكن أن نقوله له أنه واهم .

    

2011-12-27
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد