رسم البسمة على الوجوه.. ورحل بهدوء!
هو الدمشقي الأصيل عبد اللطيف فتحي "قصبللي "، الذي ولد عام 1916 في أحد أشهر أحياء دمشق العريقة "ساروجة ".
بدأت موهبة التمثيل عند الراحل "عبد اللطيف فتحي " تظهر منذ طفولته المبكرة، فقد كان يرافق والدته إلى الجلسات النسائية، وكن يطلبن منه تقليد "الشحادة "، و "الباعة المتجولين "، حيث كان يتقن هذه الأدوار ويؤديها بأسلوب كوميدي ساخر، وكان عبد اللطيف فتحي نجم هذه الجلسات على الرغم من صغر سنه. كانت والدته التي تتحلى بروح المرح وسرعة البديهة ترعاه وتشجعه وتنمي فيه هذه الموهبة على الرغم من معارضة الأهل الذين يعودون بأصولهم إلى الأسر المحافظة وعلى الرغم من ممانعة والده الذي كان يعمل ضابطاً في صفوف الجيش العربي السوري.
عبد اللطيف فتحي وحصاد العمر:
"بدري أبو كلبشة " هو اللقب الذي غلب على اسم الفنان الراحل "عبد اللطيف فتحي " لما شكله هذا الدور المميز الذي أداه الفنان الراحل في مسلسل "صح النوم " إلى جانب عملاقي الفن السوري الفنانين "دريد لحام " والراحل "نهاد قلعي " من رسوخ في الوجدان الشعبي ليس في سورية فحسب، بل وعلى امتداد الوطن العربي الكبير.
بدأ الراحل "عبد اللطيف فتحي " حياته الفنية ضمن فرق متجولة عديدة، وكان رؤساء الفرق آنذاك هم أبطالها ويلقبون بـ "كشكش بيه "، ومن الأبطال البارزين في تلك الفترة: "أمين عطا الله "، "حسن حمدان "، و "عبد الحميد الرشيدي "، وكان المسرح حينذاك متنقلاً فإما أن ينصب ضمن دار السينما أو يوضع في أحد المقاهي.
من الهواية إلى الاحتراف:
التحق "عبد اللطيف فتحي " بأول نادٍ مجاور لسكنه في "حي ساروجة " وهو نادي "دار الألحان " والذي تعود ملكيته للسيدين "رشاد وعبد الوهاب أبو السعود "، إلى جانب رفاق الدرب "توفيق العطري "، "وصفي المالح "، ورفيق عمره "أنور المرابط "، وكان المرحوم "حكمت محسن " يقدم "مونولوجات " بين الفواصل، ومن الأعمال المسرحية التي قدموها ضمن هذا النادي مسرحيتين بعنوان "لويس الحادي عشر " و "الانتقام العادل ".
مع أولى تباشير شهر تموز العام 1934 احترف "عبد اللطيف فتحي " التمثيل ضمن فرقة "حسن حمدان " ومن هنا كانت البداية.
تنقل "عبد اللطيف فتحي " لينضم إلى أكثر من فرقة تمثيلية احترافية وكان قلما يفارق "أحمد أيوب " و "مصطفى الحلبي "، وغيرهم.
لعب شخصية "البربري "، وتميز في أدائها إلى أن جمعته الصدف السعيدة بالفنان الكبير الراحل "نجيب الريحاني "، الذي قدم له النصح بالظهور بشخصيته الحقيقية ولهجته الشامية المحببة، وهكذا كان ليسجل التاريخ الفني السوري الفضل الأول للفنان الراحل "عبد اللطيف فتحي " الذي عمل على إحلال اللهجة الشامية مكان اللهجة المصرية التي كانت سائدة آنذاك.
كلمات وذكريات:
"يا ساتر " عبارة سبقت ظهوره على المسرح، رافقته منذ البدايات، تمسك بها ليشجع نفسه ويقويها ضد الشعور بالرهبة الذي كان يعتريه في كل مرة يعتلي فيها خشبة المسرح ويواجه الجمهور. ففي أول مرة اعتلى خشبة المسرح وواجه الجمهور تلبسه خوف ورهبة، أغمض عينيه وبصوت المستغيث طلب النجدة من الله منادياً "يا ساتر " بصوت أعلى من أن لا يُسمع فتجاوب معه الجمهور وصفق له طويلاً، ومنذ ذلك الوقت لازمته عبارة يا ساتر ورافقته في رحلته الأبدية حيث نقشت على شاهدة قبره.
ومن المواقف الطريفة التي حدثت معه في حياته الفنية، أنه في إحدى المسرحيات عجزت الفرقة عن الحصول على ممثلة لأداء دور معين فما كان من "عبد اللطيف فتحي " إلا أن أقدم على أداء دور الفتاة إنقاذاً للموقف المحرج، فقد كان يتصف بروح النكتة والمرح.
أعماله الفنية المميزة:
في المسرح القومي: "البخيل، ترويض النمرة، الملك العاري، السعد، أزمة عصبية، الملك لير، الأرملة والمليون، صابر أفندي ".
في القطاع الخاص: "الكرسي الكهربائي، بين ساعة وساعة، تعال نضحك، عيد الشحادين ".
أهم اللوحات التلفزيونية المسرحية: "الكتّاب، هرو هرو "
كما شارك في العديد من الأعمال التلفزيونية منها "الزباء، صح النوم ".
أما على الصعيد السينمائي فقد شارك الفنان عبد اللطيف فتحي في العديد من الأعمال السينمائية مثل: "العالم سنة 2000 "، "الخاطئون "، "صح النوم " وغيرها. واشتهر بعبارته: "أنفي لا يخطئ ".
أوسمة وميداليات:
• تكريماً لأعماله الفنية الخالدة وتقديراً لجهوده، منح السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد الفنان "عبد اللطيف فتحي " بعد وفاته وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام 2008.
• حصل على تكريم الرئيس الراحل حافظ الأسد بمنحه وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى بتاريخ 30/ 12/ 1976.
• مُنح ميدالية النقابة الذهبية مع براءة التقدير بتاريخ 5/3/1985، تكريماً له لما قدمه للحركة الفنية من جهد وعطاء.
• منح ميدالية النقابة الذهبية مع براءة التقدير بتاريخ 29/7/1985، لكونه من الرواد الأوائل الذين ساهموا بأعمال تأسيسية للتلفزيون العربي السوري.
عبد اللطيف فتحي الأب والإنسان:
كان أباً متميزاً، محباً وحنوناً، عصبي بل حاد المزاج، لكن عصبيته كانت ممزوجة بطيبة لا متناهية، كان قريباً من أولاده صديقاً لهم، يسمع مشاكلهم، ويتفهمها بصدر رحب، ويساعدهم على حلها، وعندما كان أفراد العائلة يجتمعون حوله في ليالي السمر كان يحدثهم عن أيام شبابه، وبداية عمله المسرحي، وذكرياته الكثيرة بحلوها ومرها، بقهرها وطرافتها، كان مولعاً بالموسيقى وكثيراً ما كان يأخذ العود ليجمع حوله أفراد العائلة في حديقة المنزل عازفاً ومدندناً أجمل الألحان، وكان يمتلك مسرحاً منزلياً يحوي العديد من العرائس، ومازال أولاده يذكرون كيف كان يمضي الليالي في إعداد أعماله شارحاً لمن حوله مراحل العمل، والصعوبات التي تواجهه، وربما كان هذا هو السبب الرئيس الذي كان يدفعه لممانعة انخراط أي من أفراد أسرته في العمل الفني.
هكذا هو الفنان الكبير الراحل عبد اللطيف فتحي وسيبقى علماً في ذاكرة الأيام، حتى ولو هجرته السنون الطويلة يفرض إيقاعه الجميل على سطور دفتر مذكرات عمالقة الفن السوري دون أن يستطيع أحد أن يفك خيوطه الحريرية والنسيج المبتكر لرواد المسرح السوري، ليمنحنا الدفء في أوقات البرودة القاتمة في غياب فعاليات المسرح السوري.
بطاقة:
• فنان وعضو مؤسس في نقابة الفنانين.
• عمل خبيراً فنياً بشؤون التمثيل المسرحي.
• خبيراً متفرغاً لمسرح العرائس.
• عمل ممثلاً ومخرجاً في المسرح القومي.
• شارك في العديد من المناسبات الوطنية والقومية والاجتماعية.
• توفي في 8 آذار 1986.