news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
جسد لجسد... بقلم : هبه محمد

  كانت في طريقها إلى المكتبة التي اعتادت على استعارة الكتب منها. طرق كثيرة تمشيها كل يوم , وتسفك دم الكثير من الأشياء على تلك الطرق. بينما كانت تمشي , طفت على وجهها ملامح شعور قديم بالقرف. قرف طفولي من أسنان عفنه وهي تتحرك في كومة الشعر التي تغطي وجهه. قرف كبير من قرد مقرف.


ما إن وقفت لتر الكتب المعروضة أمامها, حتى وقف أمام باب وكره. بدأ بالتحديق إليها, وهي تعلم انه سيبدأ من أخمص قدميها , لا بل من أسفل حذائها, حتى يصل إلى ما جعلها تقف هناك, إلى رأسها. قالت لنفسها وهي تتفحص الكتب أمامها " انظر,بحلق,حدق, ولكنك أغبى من أن تعلم أن كل ما تفعله ينهار أمام حذائي الملمع الذي يعكس صورتك عليه مشوها لمعانه بقباحتك القذرة" .

 حذاؤها مصنوع من الجلد الأصلي , لبسته اليوم  كما كل يوم كي لا يعلق به شيء من قرف الأشياء حولها. لونه ابيض كبياض أكفان الموتى. هي واقفة تنظر إلى الكتب أمامها, وهو يحترق بنار تأكل في جسده. تجحظ عيناه وتتسعان اتساع الشمس الحارقة, وتشعر برغبة للقيام بشيء ما , ولكن يعتريها شعور اكبر بالقرف من تدنيس ظفر إصبعها الصغرى بفقء تلك الفقاعتين الجاحظتين. يبتلع ريقه, ثم يرطب شفتيه بلسانه الممتد من فمه. تنظر إليه, و يتبادر إلى ذهنها مشهد للسان مقطّع, قطع حمراء مفرومة. رمش واحد من جفنها السفلي هو السكين الحادة لتقطيعه. سيكون وجبة مقززة وشهية لكلاب القمامة والديدان والطفيليات. هذا هو القانون. القوي يأكل الضعيف.

    

    نظر إلى شعرها الأسود الذي تنثره نسمات الهواء حولها, فكّرت, " كم أنت مسكين! عيناك اعجز من أن تريا ما يختبئ تحت هذه السلاسل الحريرية السوداء" . كل شعرة من شعرها شرارة في صاعقة. صاعقة تحرق جسده حرق الصاعقة لشجرة يابسة.

 كانت واقفة وهي تعلم أن نظراته أعجز من أن تخترق جسدها , أو حذاءها. تأتي من عيونه محملة بالأوساخ والجراثيم , ثم تصطدم بهالة تحيط جسدها, وتسقط أمام حذائها كما يسقط الذباب الأزرق وهو يتصادم بالزجاج المصفح.

تتحرك فتحتا انفه عندما يشتم رائحة عطرها,عطر الياسمين, ثم يفتح فمه لاستنشاق المزيد , تماما كحيوان يريد تذوق الطعام الذي اشتم رائحته. ولكن أسفاه! هذا الحيوان لا يعلم أن طعامه مسموم. يدخل عطرها إلى جسده, من انفه وفمه, ثم يتحول في رئتيه إلى غاز سام يحرق أنفاسه الساخنة .

قالت لنفسها " كل يوم أتذكر أني سأمر في شارع مليء بجثث الحيوانات الميتة, فأرش العطر علي لأني اعلم أن رائحتك ستكون أقبح وأبشع وأقذر من رائحة جيفتك التي ستملأ ذرات الهواء حولي. عطري سيحميني منها ".


     تسمع صوت خطوات سريعة تكاد لا تسمع , ولا تلبث أن تلمح تلك النسمة العابرة حتى تختفي في هواء الشارع الملوث. تسأل نفسها في حيرة غاضبة عن سبب هذا التلاشي. شدت جسدها بقوة أكثر وبغضب أكبر, وحدقت إلى الكتب أمامها بنظرات تكسر الزجاج . جسدها المحصن يتلقى تلك النظرات , تسقط عنه إلى أسفل حذائها, تدوس عليها بكل ثقل جسدها وأفكارها وذكرياتها وغضبها, تسمع صوت خوارها وهو يئن تحت قدميها, ثم تدوس بقوة أكثر وأكثر كي تضع حذائها في فم تلك النظرات الشرهة لتسكتها للأبد. تدوس بقوة أكثر وإذ بها تتجذر في عمق الأرض,  تقف كشجرة قوية وكبيرة في وجه الأعاصير النابحة والشرهة حولها.

     

    بحلق إليها بكل ما يملك من سلطة جسدية. لكنه لم يكن يعلم أن الجسد المنتصب بجانبه يشرح جسده. لم يكن يعلم أن جسدها المجهز بترسانة جسدية يحرق جسده وهو بكامل سعادته وغبائه العقلي.  

يالجبروت أسلحتها ومعرفتها لأنها تعلم أن العبد يخرّ أمام جلالة وجبروت معبوده.

 

أخذت الكتاب الذي تريد , ثم انعطفت عند الزاوية. ذهبت كي لا تحمل انفها المزيد من ثقل رائحة الأموات والجيف الحية والعفنة من حولها. كانت تعلم انه سيتهمها بالتلذذ في تشريح جسده. وكانت تعلم انه أغبى من أن يدرك أن هناك الكثير ممن يتلذذون بتعذيب وقتل أنفسهم.

2010-11-22
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد