news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
حلم داخل الحلم 1... بقلم : طرطوسية

نهضت سوزان ذلك الصباح خائفة, جبينها يتصبب عرقاً, قلبها يكاد يغادر مكانه من شدة الخفقان!!

إنه نفس الحلم الذي بدأ يراودها منذ أن قدمت للسكن عند عمتها المسنة بعد وفاة والديها في حادث أليم  عمتها تعيش وحيدة في منزلها الريفي الكبير الذي يحوي حظيرة صغيرة فيها بعض الخيول والأبقار وبعض الدجاج والطيور الأخرى.


 

حلم يتكرر بشكل مزعج.. ترى نفسها وسط حلبة سباق وحيدة ومن البعيد يقترب فارس على صهوة جواده وكأنه يريد هرسها تحت أقدام حصانه الأرعن!! لا تعرف أين تذهب... لا مكان للاحتماء من رغبته الجارفة في أذيتها.

لكنها في كل مرة ينتهي الحلم ولا ترى وجه ذلك الرجل وكأن غمامة تحيط برأسه المتعجرف.

 

غسلت وجهها.. ارتدت بنطالاً ضيقاً من الجينز الأزرق مع قميص رمادي, يظهر جمال جسدها الممشوق الممتلئ أنوثة.. أما ذلك الشلال الذهبي الحريري المنسدل من رأسها جعلته أسير رباط مطاطي أظهر من تحته رقبة تكاد تقسم أنها مصقولة من المرمر الطبيعي.. لم تكن بحاجة لوضع أي مساحيق على وجهها فقد منحها الخالق جمالاً طبيعياً تحسدها عليه الكثيرات.. ارتدت حذاءها المطاطي المخصص للعمل ونزلت إلى الطابق السفلي حيث كانت عمتها تعد الفطور.

 

كانت تحس بأنها محظوظة رغم المآسي التي مرت في حياتها بوجود تلك العمة الطيبة التي لا تشبهها في شيء إلا في الطباع!! فقد كانت قصيرة القوام ممتلئة الجسم شعرها الأسود القصير مبعثر دون عناية وقد شابته خصلات بيضاء كثيرة تشير كعداد زمني إلى السنوات الخمس والستين التي عاشتها.

 - صباح الخير عمتي الطيبة

مشت نحوها وعلى وجهها ابتسامة مشرقة انشقت لتظهر ما وراءها من اللؤلؤ الأبيض, قفزت كطفلة تلهو ضمتها وقبلتها قبلة الصباح

 

- اجلسي صغيرتي الفطور أصبح جاهزاً

تناولتا القهوة مع الخبز المحمص والزبدة.. ثم قامت بغسيل الأطباق وانطلقت باتجاه الحظيرة لإطعام الخيول وباقي الحيوانات وتنظيف ما تجمع من روثها .. إنه عمل لم تألفه في المدينة حيث كانت تعيش مع والديها  ولكنها تجد متعة كبيرة عندما تكافئ نفسها بنزهة قصيرة في الغابة المجاورة لاكتشاف الطبيعة الخلابة المحيطة بالمنزل.

 

لم تكد تخرج من باب السياج حتى رأت طفلة لم تتجاوز السادسة من عمرها تلهو بدميتها الجميلة... نظرت إليها وابتسمت بعينيها الرماديتين البريئتين.

 

- صباح الخير .. قالت الطفلة

- صباح الخير كيف حالك؟ ردت عليها بابتسامة مماثلة

- أنا أسكن في ذلك البيت على تلك التلّة

- اسمي سوزان فما اسمك؟

 - اسمي يارا ... هل تلعبين معي؟ فأنا أشعر بالملل ولا يوجد في منزلي من ألعب معه, والدي يكون مشغولاً في النصف الأول من النهار.

 - نعم حسنا سنلعب لعبة جميلة ستعجبك كثيراً

أمضت ما يزيد على الساعة تلعب وتمرح مع الطفلة الصغيرة, وبعد أن أنهكهما التعب استلقتا على العشب الطري تضحكان مرحاً, وفي غمرة الضحكات لم تلحظ أن رجلاً أصبح قريباً منهما لولا أنه بوقفته المتعالية قد حجب ضوء الشمس الذي كان يغمر وجهها... وقفت على قدميها مرتبكة .. كان يقف كالجدار وعينيه السوداويين العابستين تنظران إليها بازدراء ..

 

إنه رجل وسيم يتمتع بقوام يجعل أي فتاة تصاب بالدوار, طول فارع قميصه الحريري لم يتمكن من إخفاء قسوة وشدة عضلات ساعديه وكتفيه, التي بدت كأنها منحوتة في الصخر.. شعره الأسود كان يتحدى ضوء الشمس القوية في ذلك الوقت من النهار فترى كأن سواده طغى في لحظة لتعود الشمس بسطوتها فتعكس نورها كأنها تحاول أن تصبغه بلونها.

 

صاحت الطفلة بفرح واضح:

- أبي!! مرحباً لقد عدت.. دعني أعرفك على صديقتي الجديدة.. إنها...!!

 ولكنه قاطعها بجفاء قائلاً:

 - ألم أطلب منك عدم التكلم مع الغرباء؟؟ أنتِ طفلة مشاكسة سنرى ما هو عقابك

 تصرف كأنه أمام متسولة تطلب الحسنة من رجل اعتاد طرد المتسولين رمقها بنظرة باردة من رأسها حتى أخمص قدميها.. نظرة لا تخلو من السخرية والاستهزاء... ثم حمل طفلته وغادر كأنه لم يخلف وراءه أكثر من علبة مرطبات فارغة لا قيمة لها.

 

دخلت البيت وصفقت الباب خلفها بعصبية ظاهرة وهي تتمتم بعض كلمات غير مفهومة بغضب شديد

 

- ماذا حصل؟؟ لماذا أنت متجهمة الوجه غاضبة يا صغيرتي؟؟.. قالت العمة

 - ذلك المغرور من يظن نفسه.. متعجرف بغيض

 روت لعمتها ما حصل وهي تكرر عبارات الحنق والغيظ

 

ضحكت العمة بمرح وطلبت منها أن تهدِّئ من روعها فهذا الرجل لم ترَ منه إلا كل مودّة واحترام وهو لم يتخلف لحظة عندما احتاجت مساعدته في أمور كثيرة يصعب على امرأة وحيدة مسنة القيام بها وحدها..

 تابعت تقول:

 - لا أعرف عنه الكثير سوى أنه يعيش وحيداً مع ابنته الصغيرة, ويستخدم مربية عجوز للقيام برعاية الطفلة أثناء غيابه في العمل

 - وأين زوجته؟

 - لا أدري إنه رجل كتوم لا يختلط كثيراً بجيرانه ولكنني سمعت بعض الثرثرات من هنا وهناك بأن زوجته قد هجرته بعد أشهر قليلة من ولادة ابنتها وهربت مع رجل آخر... من يدري ...

 - لا عجب في ذلك.. فمن ستتحمل البقاء بقرب رجل غليظ الطّباع فظٍ مثله.. لابد أنه أذاقها المرّ حتى نجت بنفسها هكذا

 - ربما!! ولكن لابد من كلمة حق.. هو لم يتردّد يوماً في تقديم يد المساعدة لي وأنا أكن له محبةً واحتراماً كبيرين.

 

تقلبت تلك الليلة كثيراً في فراشها وصورة ذلك الجار البغيض لا تفارق مخيلتها.. كيف يجرؤ على معاملتها هكذا؟؟ كم تمنت أن تصفعه على وجهه..

 بعد معاناة غفت وراحت في نوم عميق لتعاود رؤية ذلك الحلم المزعج مرة أخرى, مع فارق أنه في كل مرة كان يقترب أكثر ومع اقترابه يزداد خوفها, ومع ذلك فهي لم تستطع أن تتبين ملامحه بوضوح.. مازال الخوف يسيطر عليها كلما رأت ذلك الحلم فتصحو مرتجفة تتصبب عرقاً!!

 نزلت إلى البهو تناولت فطورها ثم ساعدت عمتها في غسل الأواني وتنظيف البيت والإسطبلات

 أمسكت بيدها كتاباً وقررت أن تتمشى باتجاه التلة المجاورة لتقرأ وتستمتع بجمال الطبيعة الخلاب, فالشمس اليوم دافئة والجو ساحر.

 في طريقها مرت من أمام بيت ذلك المغرور, فشعرت برغبة جارفة بقول رأيها صراحة فيه وجهاً لوجه... وهي تفكر بالأمر لمحته يحفر الأرض بفأسه .. لفت نظرها قوامه الممشوق وبنيانه القوي.. الجزء الأعلى من جسده كان عارياً فقد استغنى عن قميصه لسهولة الحركة.. عضلاته المفتولة ومعدته الغائرة جعلت رأسها يدور, حتى أنها لم تنتبه لنفسها وقد أطالت النظر إليه إلا عندما توقف عن عمله ناظراً إليها نظرته الساخرة وهو يمسح جبينه المتصبب بيده!!

 

شعرت أن الأرض اهتزت تحت قدميها فتابعت طريقها مسرعة وهي تتمتم وتلعن الظروف التي جعلتها تقف كالبلهاء أمامه

 - لا تبتعدي كثيراً هناك عاصفة قادمة.. لا يوجد في المنطقة أناس متخصصون لرعاية عديمي المسؤولية والأطفال

 توقفت دون أن تلتفت إليه أظافرها كادت تُغرس في كفها من شدة الغضب... من يعتقد نفسه؟ كيف يكلمني بهذه الطريقة؟؟ ثم عن أي عاصفة يتكلم؟ السماء زرقاء والجو بديع!! هل يعتقد أنه خفيف الظل؟ يا إلهي كم أكرهه وأتمنى أن يختفي من الوجود

 

تابعت برفقة غضبها وكأنها لم تسمع شيئاً, بينما هو اكتفى بابتسامة من جانب فمه الأيسر كأنه يتنبأ بما سيجري لبقية هذا النهار!!

 

لماذا علي أن أفكر به طوال الوقت؟؟ ذلك المتعجرف!! هل عليّ أن أضيّع المتعة بهذا النهار الجميل والطبيعة الساحرة بالتفكير بمغرور متفاخر؟؟

 

مهما حاولت لم تستطع أن تنأى بتفكيرها عنه وبقوامه الساحر ونظرته الباردة وابتسامته التي تجعلها كورقة في مهب الريح.

 

فتحت الكتاب وحاولت الاستغراق في القراءة وسرعان ما انسجمت بالرواية... لم يقطع سلسلة انسجامها سوى هبوب ريح قلبت أوراق كتابها فجأة!! نظرت إلى السماء فوجدت الغيوم السوداء تتعانق وتلتف كأنها اتفقت على حجب شمس هذا اليوم الجميل.. تذكرت محتل أفكارها... لقد حذرها من عاصفة قريبة ولكنها لم تُعر تحذيره أي انتباه!! لقد كان على حق!

 

يتبع...

2010-11-27
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد