هل يصبح الربيع العربي مادة تاريخية تدرس في الجامعات؟ هل سيكتب ويؤرخ اسم الثائر (بوعزيزي) مع العظماء ومفجري الثورات ؟ أمة بكاملها أصرّ الغرب المستعمر على اعتبارها غير موجودة... فإذا بها تتفاعل وتثور... شعب كان قد كتب له الإذلال المزمن، في قاموس الغرب والغربيين، يتمرد على الطغيان ويحقق الإنجازات...
هل يمكن القول وبموضوعية ومصداقية دون تحيز أو التباس والاستعانة بمدأ ميكافيلي ان الغاية تبرر الوسيلة بغض النظر عن .. إن ملك الملوك مات وليبيا تحررت من الظلم والطغيان والاستعباد وعاد مهجريها وعادت طرابلس وبنغازي إلى أهلها... بفضل شباب ثورات العرب
-لكن عندما مات صدام احتلت العراق.. واستبيحت بغداد وفجرت وتناثرت أجساد ساكنيها أشلاء أشلاء.. وهحر وشرد أهلها أرتال و أرتال، عن طريق الذين جاءوا مستقوين بالخارج مع أهل الصواريخ والقنابل الذكية محمولين على جنازير الدبابات...
نعم من سخريات القدر: مات القذافي وتحررت ليبيا... مات صدام واحتلت العراق...
في ليبيا الثوار وشبابها هم الذين قاتلوا وحرروا...لكن في العراق جنود المارينز ومرتزقة أنكل سام وعملائهم.. هم الذين قتلوا وهجروا. آجلا أم عاجلا إن لم تقم الحكومات العربية بتصويب سياساتها.. وتقوم برعاية شعبها فإنها لا محالة: سوف تجد نفس المصير،..وقد يكون المصير دراماتيكيا أكثر من... لأن العصر عصر تحرر الشعوب وإرادة الياسمين وميادين التحرير أمضى سلاحا من جبروت الطغاة.. فرغم كل الإخفاقات والقمع.. والمؤامرات المحلية والدولية.. يمثل الربيع العربي نقطة تحول أساسية في المجتمع العربي.. الكل يبيع ويشتري حتى الكتاب والمفكرين على حساب دماء شباب الياسمين وميدان التحرير ومن لا يبع ويشتر مثل ... يقف ويتفرّج
وهناك من المشككين و حكاواتية ورواة الأحداث والتاريخ... الذين ينسبون كل حدث عربي ثوري في الدنيا إلى المؤامرة، و يعتبرون ثورات ربيع العرب ما هي إلا مؤامرة وعمالة للغرب.. وهؤلاء عندما كانت الشعوب تغط في سبات عميق من الاستكانة والذل كانوا يشتمونها ويلومونها على استكانتها.. ويلعنونها على جبنها وتقاعسها..وعندما ثارت هذه الشعوب واستيقظت صارت متهمة ومتآمرة وتنفذ مؤامرة وأجندة أمريكية غربية.. وهؤلاء هم المثبطين الذين يثبطون همم الأمة ويعملون باستمرار على إحباطها وهم بهذا التشكيك إنما يدافعون عن أنفسهم وعن مكتسباتهم ..لا ولاء ولا انتماء لهم إلا لأنفسهم ولجيوبهم... يُترجَم قانون نيوتن عن الفعل ورد الفعل في نطاق الفعاليات الاجتماعية بالقول: " كلما يرتفع مستوى القمع فأن منسوب المقاومة يزداد بدوره"؛ إن منطق الحل الأمني القمعي!! يمكن له أن يهدم حياة، أن يحطم أجساد، أن يهدم مجتمع، أن يبعثر بناء، أن يخيف ويرعب ، أن يولد أحقاد ويستحيل عليه أن يبني ائتلاف، أن يجمع شتات، أن ينعش اقتصاد، أن يكسب مودة، أن يؤسس لحياةٍ ديمقراطية وشرعية على الحقيقة!!
- في هذه المرحلة الانتقالية، لم تعد تفيد لغة الماضي، ولا التباكي على أطلاله، ولا أدواته من شمعات وفزاعات صمود ومقاومة، لم يعد لها من رصيد.. ولا منظومة التفكير كلها السائدة، ولا سلّم المعايير السابقة!! ولا الأدوار والوظائف التي غيّرتها المعطيات الجديدة ،فلا محل الآن لرهانات على النادي الضيق في الخيارات... أمام مقدمات التحول الديمقراطي الذي أخرج الجمهور إلى المسرح السياسي.. سواء أكان هذا الجمهور من هذه العقيدة أو تلك، أو من هذا التيار أم ذاك، ولعله بات علينا الإقرار بأن مكوّنات مجتمعاتنا ما قبل الدولة الحديثة إما أن تلوذ بمشروع دولة مدنية ديمقراطية،تشاركيه تعددية، أو أنها ستعاند تيار التقدم وربيع العرب الديمقراطي... فتذهب في اختبار الحروب الأهلية والانشقاقات، والانقسامات ...
- سحقا لمن لم يأخذ من التاريخ الدرس والعبرة هكذا قالوا .. ولقد قال آخر لقد خدعنا ..وان لدروس التاريخ حرمة أو رهبة وشدة وقساوة العقاب لمن لم يتعظ... لو كان لدينا الحد الأدنى من المواطنة وحب الوطن..
لما وصلنا إلى درجة نخرب وندمر فيها أوطاننا.. ويقتل بعضنا البعض الآخر.. ولا نعترف بخطئنا ولا بمراجعة أو تصحيح مسار الحل القمعي .. الذي سيكون استمراره والتشبث به مقبرة لنا ولوحدتنا ولعيشنا المشترك.. وتقسيم وتفتيت سوريا الحضارة الممانعة المقاومة.. وحجة شرعية لاسستقواء بالأجنبي وذريعة دولية للتدخل الخارجي...
- ونشعر أحيانا بأن المؤامرة كأنها فعلية.. وأحيانا أخرى نلوم المتمسكين بالكرسي وعدم السرعة في إيقاف الحل القمعي...و إجراء التغييرات على الأرض والإصلاحات الملحة والضرورية لقطع الطريق على جميع الفرقاء من... وفي سريرة أنفسنا نلوم ونتحسر نتحسر على الدماء الجارية السائلة المتدفقة.. وأرتال قوافل الشهداء من أهل التظاهرات والمسيرة والمعارضة والموالاة.. وتلوم من بيده زمام الأمور ..القادر على المبادرة وإيقاف هذا النهر الجاري من الدم ومنع التقسيم والتهجير...