سقى الله أيامك الخوالي يا دمشق وبردى يتوسطك شاهداً يروي قصة أمجادك عبر العصور .
كم أحن إلى رؤيتك من ذرا قاسيون الذي ضاق على رحبه بالساهرين وقد امتزجت أضواء منازلك بأضواء السيارات التي تملأ شوارعك حياة وحركة هذه السهرات التي كانت تمتد وتطول بنا فلا تنتهي إلا مع بزوغ خيوط الشمس الأولى لتغمرنا بدفئها بعد أن ارتعشت أجسادنا من نسائم الليل الباردة التي تملؤنا سعادة وحبوراً ...
وأنت يا غوطة دمشق الغنّاء كم أودُّ أن أفترش بساطك السندسي وأسرح بناظري في سمائك الصافية وأشجارك الكثيفة التي تعانقت فحجبت أشعة الشمس فلم تسمح إلا للنسيم العليل الذي يراقص أوراقها فيتناهى إلى أذنيَّ وقع حفيفها بأعذب الألحان وتصافح نسائمها خديَّ بأجمل اللمسات وقد امتلأ المكان بعبير أنواع شتى من الأزهار والورود ...
وأنت يا درعا يا عروس الجنوب متى ستعود رحلاتنا المدرسية إليك وإلى شواهد حضارتك في مدرج بصرى وقد ضاق بزائريه من العرب والأجانب وأصوات فرق الغناء والرقص تصدح وترددها جنباتك .. متى سنغسل جراحنا بمياه شلالات تل شهاب الباردة ونتمتع بمناظر زيزون الرائعة ونستعيد أفراحنا وسعادتنا ...
لهفي عليك يا حمص .. يا من تهفو إليك قلوبنا والآلام تعتصرها وترنو عيوننا إليك والدموع تغرقها وقد نسيت شفاهنا البسمة كيف لا ؟ ! وقد كنت بسمة الحياة وسعادة الأرواح بوجوه أهليك البشوشة وطبيعتك الخلابة فكم قضينا في مقاصفك الرائعة أجمل السهرات وتلذذنا بأطعمتك الشهية وحلوياتك المشهورة .. ولكن ستبقين فوق الآلام ستبقين حمص العدية .. حمص خالد بن الوليد ...
أما أنت يا حماة ! ! مالي أرى نواعيرك تئن حزناً وألماً وتسكب الدموع لفراق الأحبة وقد كانت في الأمس تعزف لحن الحياة والفرح .. كم أشتاق لرؤية العاصي وقد علا صوت هدير مياهه وسقى أرضك أعذب ماء فامتلأت بالخيرات لتعمَّ سورية بأكملها ...
قلوبنا معك يا حلب الشهباء ! ! يا حلب سيف الدولة يا من أبى المفسدون إلا أن يفسدوا جمالك ويعيثوا في أرضك الفساد .. كم أشتاق لرؤية أبنيتك الحجرية الجميلة ! ! كم أودُّ أن أتنفس عبق الماضي في حديقة السبيل الرائعة .. وكم أحنُّ لسماع أجمل القدود الحلبية وقدود الحسناوات تتمايل على نغماتها الراقصة ...
وأنت يا لاذقية العرب يا من كنت تعجين بالمصطافين من كل صوب وحدب... متى سأمتع عينيَّ بشروق الشمس وغروبها على شواطئك الدافئة؟ ! متى سنرافق القمر في سهره وقد علت أصوات وضحكات الساهرين واختلطت بأصوات المغنين التي تصدح في المقاصف والخيام...
أما أنت يا دير الزور يا هبة الفرات هل سيسمح لي الزمان أن أراك مرة أخرى ... فأرضك أرض الخير والبركة .. أرض العطاء التي لا تعرف بخلاً ولا تقتيراً ...
فليعمَّ السعد أرض وطني كله بكل مدنه وقراه شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً... وليمنَّ الله علينا بالأمن والأمان الذي كنا نباهي به العالم أجمع ويحسدوننا عليه .. فإن كان أمسنا جميلاً فلا بد أن يكون غدنا أجمل بحبنا وتعاوننا جميعاً .
سنبقى بإذن الله وطناً واحداً وشعباً واحداً رغم أنوف الحاقدين أينما كانوا ومهما فعلوا ...
ولا يسعني في نهاية المطاف إلا أن أقول رحم الله شهداء الوطن في كل مكان وألهم ذويهم الصبر والسلوان ولنجعل من دمائهم فماً يصرخ بنا جميعاً : كفى أوقفوا العنف وأنقذوا وطنكم واجعلوه فوق جراحكم وتعالوا نعيد بناءه يداً بيد بالحب والتسامح والعمل الجاد فإن خسرنا وطننا وأهلنا فماذا سنربح بعدهم ؟!! ولنتمثل قول الشاعر :
بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام