فاتحة : كل صباح يتجدد نهر الدم دفاقا في وطني يروي زرع الحرية , و في كل صباح يستمر اللصوص و القتلة في ضخ العكر الزنخ في طهر نهر الدم الناصع الاحمرار .
1- أينما حللت في اللاذقية تسمع أهلها – من غير المسؤولين – يتكلمون بمرارة واخزة و إحباط صادم عما حصل في مسابقة توظيف الشباب و التي صدرت نتائجها منذ فترة قليلة : المسؤول فلان نجح ابنو , المسؤول فلان نجح بنتو , المسؤول فلان نجح اللي بيخصوا بمطرحين , المواطن فلان طلبو منو مبلغ كبير ما معو لهيك ما مشي حالو , المواطن فلان مشي حالو لأنو دفع .
2- قبل البدء بالامتحانات الكتابية طلب مني عدة مواطنين ممن ضاقت بهم الدنيا أن أسعى لدى أصحاب القرار لينال أبناؤهم حقهم بالتوظيف , و سبب ذلك إرث اجتماعي نلته بكل اعتزاز عن والدي الذي يشهد له الكثير من أبناء هذا الوطن الغالي وعلى كامل ساحته و من كل المذاهب و الأديان بسعيه المخلص و الشريف لخدمتهم كواجب اجتماعي و أخلاقي و شرعي دون أي مقابل و خلال ما يزيد عن خمس و ثلاثين عاما .و إني أقربأن هذا الإرث قد أثقل كاهلي و وصلت فيه إلى درجة العجز منذ عدة سنوات نتيجة التغير الجذري في سمات البيئة العامة و مفاهيمها و آلية انتقاء الأشخاص المؤثرين فيها إضافة إلى عدم التكافؤ بيني و بين والدي .
3- كان جوابي لأصحاب الحاجة مع شعور ثقيل بالعجز و بخيل بالأمل و لازم بالواجب :سأحاول جهدي ,و لكني أعتقد و في هذه لظروف المدمرة أن أصحاب القرار سيعطون الأفضلية لذوي الشهداء لتعويضهم قليلا عما فدوا الوطن الغالي به وهذا حق الشهداء و ذويهم علينا , ومن ثم سيمنحون أبنائكم الإهتمام لترميم الفجوة الحاصلة بين المواطنين المحبطين و بين أصحاب القرار لاحتكارهم الدائم للمكاسب و المزايا من قبل و حرمان المواطنين منها.
4- صدرت النتائج , كسر القالب و ظل الذنب أعوجا , و كانت الحسرة و الشطط فيمن شطح بأمانيه و راهن على عكس ما هو سائد و على أولئك الذين تعودوا أن يحتكروا كل المكاسب المحقة و غير المحقة , و أن يبتلعوا حقوق المواطنين المحقة و الواجبة على مبدأ القول المأثور : " الأرض الواطية بتشرب ميتها و مية غيرا " .و ذلك لأنها واطئة و فقط لأنها واطئة .
5- تكلمت مع أحد السادة المتعددي المسؤوليات في جلسة ود و صدق حول ما حدث وانعكاسه المدمر لدى الناس المحتاجين و المحقين , فاستنكر ذلك جدا و أدانه قائلا لي : هل المسؤولين ضاربينا منية , بدن مكافآت لأنن دمروا البلد و كأنو ما في غيرن بالبلد, على كل الموضوع صار برئاسة مجلس الوزراء .
6- إن المسؤول قانونيا مواطن له ما لغيره من حقوق , و عليه أكثر مما على غيره و أولها تطبيق القانون بنزاهة و إيجابية وخدمة المواطن ومنحه حقوقه التي يسمح بها القانون , وبذلك يقوم بواجبه و يساعد على دعم الشأن العام و تمتين اللحمة الاجتماعية و تعزيز الإنتماء الوطني .
7- واقعيا إن المسؤول على نقيض هذا تماما , في وقت السلم كما في وقت الحرب –وكما أسلفت- يشرب ماؤه و ماء المواطنين و يكرعها في جوفه بلا أي حرج مستغلا الآلية التي تدار بها البلاد و العباد , وذلك حتى لو كانت حقوق ذوي الشهداء و أبنائهم , معتبرا أنه دائما و طالما هو قادر عليه أن يحوز على المكاسب ,و دائما يجب على المواطن أن يحوز على الخيبة و الرضوخ والاستسلام .
8- إن الحكومة على دراية بكل ما يحدث , فإذا كانت صادقة فيما تعلنه من محاربة الفساد عليها معالجة هذه الكبائر و هي قادرة على ذلك إن كانت جادة في ذلك ,وفي حال لم تتخذ الحكومة و أصحاب القرار في أعلى مستوى فإن هذا يعني أنها تكافئهم على فسادهم و تشتري ذممهم و ولاءهم ليكونوا من أزلامها بدل أن يكونوا رجال الوطن , و تمنحهم المكاسب غير السوية وتسمح لهم بابتلاع حقوق المواطنين و الوطن, و بنفس الوقت فإنها تتاجر إعلاميا و استعراضيا بدماء الشهداء و حقوقهم و لتزيد قهر ذويهم قهرا و يتم أبنائهم يتما , وكذلك فإنهم يزيدون الشرخ بين المواطن و السلطة بدل أن يتداركوا الشقاق بينهما , ويغفلون أن من لم يكن محصنا من الداخل لا يستطيع أن يكون محصنا من الخارج و بذلك سيكون تابعا و ليس سيدا .