هناك من يطرح سؤالا ً مشروعا ؟
هل يمكن لشعوب أو حكومات لا تؤمن بالديمقراطية كممارسة وترفعها كشعارات ,في حين تتمسك بالعصبية القبلية وبعض القوالب والعادات البالية أن تمارس الديمقراطية؟
أقول : بالعلم والمعرفة والثقافة يتطور الإنسان وعندما تعمم الحالة ستصبح الديمقراطية حاجة ملحة بل ستكون مطلب الشعوب تكافح لتناله , فإذا وصل الشعب لمرحلة الإلحاح بطلب الديمقراطية عن وعي ذاتي, نالها بل أقول استحقها لأن هذه الأمور ليست منحة بل هي حق لمن يعي ذلك .
ويجب على شعب أي دولة أن يصنع ديمقراطيته الخاصة من وحي مخزونه المعرفي وهويته الحضارية وثقافته وحتى من وحي عاداته وتقاليده ,وذلك لتدوم وتكون على مقاسه , ولا عيب أن يعدلها كلما نضجت أفكاره ونمت معرفته و ارتقى , ولكن العيب في أن يمارس ديمقراطية مستوردة وبعيدة عن هويته وثقافته , فتكون مهلهلة ومصطنعة وزائفة وبالتالي لا تدوم .
تصورات حول الديمقراطية :
يتصور منظّري علم السياسة أربعة تصورات متنافسة حول الديمقراطية :
ديمقراطية الحد من سلطة الأحزاب : وهي ديمقراطية وصاية السياسيين على المواطنين وينتخب المواطنين هؤلاء السياسيين الذين يقررون عنهم , لأن المواطنين لم يصلوا للنضج السياسي الكافي لاتخاذ القرار.
المفهوم التجزيئي للديمقراطية : ويدعو التصور المذكور بوجوب أن تكون الحكومة على شكل نظام ينتج قوانين وسياسات قريبة من آراء الناخب الوسطي – حيث تكون نصفها إلى يسار هذا الناخب و نصفها الآخر إلى يمينه. ويعتبر أنطوني داونز صاحب هذا الرأي وأورده في كتابه "النظرية الاقتصادية في الديمقراطية"عام 1957.
الديمقراطية الاستشارية : وتقوم على المفهوم القائل بأن الديمقراطية هي الحكم عن طريق المناقشات, ويقول المنادون بهذا الرأي بأن القوانين و السياسات يجب أن تقوم على أسباب تكون مقبولة من قبل كافة المواطنين، وبأن الميدان السياسي يجب أن يكون ساحةً لنقاشات القادة و المواطنين ليصغوا فيها لبعضهم و يغيروا فيها آراءهم
الديمقراطية التشاركية : وفيها يجب أن يشارك المواطنون مشاركة مباشرة – لا من خلال نوابهم في وضع القوانين و السياسات, ويعرض المدافعون عن الديمقراطية التشاركية أسباباً متعددة لدعم رأيهم هذا, فالنشاط السياسي بحد ذاته يمكن أن يكون شيئاً قيماً لأنه يثقف المواطنين و يجعلهم اجتماعيين، كما إن بإمكان الاشتراك الشعبي وضع حد للنخب المتنفذة , كما إن الأهم من ذلك كله حقيقة أن المواطنين لا يحكمون أنفسهم فعلاً إن لم يشاركوا مباشرة في صنع القوانين و السياسات
أنواع الديمقراطية :
الديمقراطية المباشرة : وتسمى بالديمقراطية النقية وهي أسلوب تصويت مباشر من قبل المواطنين على القوانين أو منح الثقة للحكومة وهذه تكون في المجتمعات الصغيرة التي يمكن فيها أن يجتمع الناس للتصويت كديمقراطيات أثينا القديمة , وهنا لا ينوب عن الشعب نواب أو مجلس للشعب , ويمكن في وقتنا الحاضر أن تكون على مستوى المجالس أو البلديات .
الديمقراطية النيابية : وهذا النظام انتشر في العقود الأخيرة , وهو شكل من الممارسة الديمقراطية يتمثل بانتخاب الشعب لممثلين لهم في البرلمان يقررون عنهم , ويتخذون قراراتهم بما يناسب الناخبين الذين يمثلونهم .
وهناك من قسم الديمقراطيات إلى ليبرالية حرة , وليبرالية غير حرة (جمهوريات)
ومورست ديمقراطيات عدة, و بأسماء كثيرة منها: (الليبرالية- الاشتراكية-الشعبية-الخ)
الديمقراطية الليبرالية (الحرة)
في الاستخدام الشائع يتم الخلط خطأً بين الديمقراطية و الديمقراطية الليبرالية الحرة، ولكن الديمقراطية الليبرالية هي بالتحديد شكل من أشكال الديمقراطية النيابية حيث السلطة السياسية للحكومة مقيدة بدستور يحمى بدوره حقوق و حريات الأفراد والأقليات, و تسمى كذلك الليبرالية الدستورية, ولهذا يضع الدستور قيوداً على ممارسة إرادة الأغلبية.
أما الديمقراطية غير الليبرالية فهي التي لا يتم فيها احترام هذه الحقوق والحريات الفردية. و يجب أن نلاحظ بأن بعض الديمقراطيات الليبرالية لديها صلاحيات لأوقات الطوارئ و التي تجعل هذه الأنظمة الليبرالية أقل ليبراليةً مؤقتاً إذا ما طُبقت تلك الصلاحيات(سواء كان من قبل الحكومة أو البرلمان أو عبر الاستفتاء)
الديمقراطية غير الليبرالية (غير الحرة)
الديمقراطية غير الليبرالية نظام حكم توجد فيه انتخابات ديمقراطية وفيه تنتخب الأغلبية الديمقراطية الحكومة ولكنها غير مقيدة من انتهاك حرمة حريات الأفراد أو الأقليات .
وقد يعود سبب ذلك إلى انعدام القيود الدستورية على سلطات الهيئة التنفيذية المنتخبة أو إلى انتهاك قيود موجودة أصلاً.
إن تجربة بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق هي التي جلبت الأنظار إلى هذه الظاهرة رغم أن أصلها أقدم من ذلك.
بعض المنتقدين لنظام الديمقراطية غير الليبرالية يقترحون الآن بأسبقية سيادة القانون على الديمقراطية، وهو ما يتضمن القبول الغربي بالأمر الواقع بما يسمى "الديمقراطيات غير الليبرالية".
الديمقراطية الاشتراكية :
يمكن القول بأن الديمقراطية الاشتراكية مشتقة من الأفكار الاشتراكية والشيوعية, في إطار تقدمي و تدريجي و دستوري..
العديد من الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية في العالم تعد نسخاً متطورة من الأحزاب الثورية التي توصلت - لأسباب أيديولوجية أو براغماتية – تبنت إستراتيجية التغيير التدريجي من خلال المؤسسات الموجودة أو من خلال سياسة العمل على تحقيق الإصلاحات الليبرالية قبل إحداث التغييرات الاجتماعية الأعمق، عوضاً عن التغيير الثوري المفاجئ .
وعلى العموم فإن السمات المميزة للديمقراطية الاشتراكية هي :
- تنظيم الأسواق ..
- الضمان الاجتماعي ( دولة الرفاهية )
- مدارس حكومية و خدمات صحية ممولة أو مملوكة من قبل الحكومة.
- نظام ضريبي تقدمي .
المخالفون
يعارض الفوضويون الدول الديمقراطية الموجودة في الواقع ومثل كافة أشكال الحكم الأخرى ويعتبرونها الفساد و القصرية فيها متأصلة.
فعلى سبيل المثال رفض ألكسندر بيركمان 1870-1936 فوضوي من أصل روسي قدم إلى أمريكا و عاش فيها وكان عضواً بارزاً في حركة الفوضويين. وكان ينظم مع ئيما غولدمان الفوضوية حملات للحقوق المدنية و معاداة الحرب الاعتراف بكومنولث بنسلفانيا بما يكفي للدفاع عن نفسه في محاكمته.
معظم الفوضويين يفضلون نظاماً أقل هرمية و قصرية من الديمقراطية المباشرة من خلال الجمعيات الحرة, ولكن الكثير من الناس لا يعتبرون هذا النوع من المجتمعات تدخل ضمن نفس تصنيف أنظمة الحكم.
الفوضويين المستقلين يعادون الديمقراطية صراحة, فكما قال بنيامين تكر 1854-1939) من مناصري الفوضوية الفردية الأمريكية في القرن التاسع عشر): "الحكم شيء شرير و لا أسوأ من وجود حكم الأغلبية ، ما هي ورقة الاقتراع ؟ هي ليست أكثر و لا اقل قطعة من الورق تمثل الحربة والهراوة و الرصاصة , إنها عمل إنقاذي للتأكد من الطرف الذي يحظى بالقوة و الانحناء للمحتوم, إن صوت الأغلبية يحقن الدماء و لكنه لا يقل عشوائية عن القوة كمثل مرسوم أكثر الطغاة قساوة والمدعوم بأقوى الجيوش ".
بيير جوزيف برودون( 1809-1865 فيلسوف واقتصادي اشتراكي فرنسي ( وهو أول من سمى نفسه بالفوضوي و يعتبر من أوائل المفكرين الفوضويين يقول: "الديمقراطية لا شيء و لكن طغيان الأغلبية يعتبر أسوأ أشكال الطغيان وذلك لأنه لا يستند إلى سلطة الدين ولا على نبل العِرق ولا على حسنات الذكاء والغنى, إنه يستند على أرقام مجردة و يتخفى خلف اسم الناس". ومن المعادين للديمقراطية أيضاً اليمين المتطرف و جماعاته الملكية كذلك كما كان شانها على الدوام..
فتشكل الديمقراطية واحدة من القيم والمبادئ الأساسية والعالمية وغير القابلة للتجزئة, وهي تستند إلى إرادة الشعب المعرب عنها بحرية, كما أنها تتصل اتصال" وثيق" بسيادة القانون وممارسة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
إن عبارة نحن الشعوب في ميثاق الأمم المتحدة تعكس::
إرادة الشعب أساس لسلطة الحكومة .
إن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) يرسي القاعدة الأساسية لمبادئ الديمقراطية في إطار القانون الدولي وهو يتضمن بصفة خاصة::
1-حرية التعبير (المادة 19) والحق في التجمع السلمي (المادة21).
2-الحق في حرية الجمعيات مع الآخرين (المادة 21).
4- الحق أن يقوم بالانتخاب وبأن يكون هدف" للانتخاب في انتخابات نزيهة تجري دولي" بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري, مع تضمنها للتعبير عن إرادة الناخبين (المادة 25).
-العهد الدولي ملزم لتلك الدول التي قامت بالتصديق علية..
إن الديمقراطية تشكل قيمة عالمية تستند إلى إرادة الشعوب المعرب عنها بحرية, فيما يتصل في نظمها السياسية والاجتماعية والثقافية, فضل" عن مشاركتها الكاملة في كافة جوانب حياتها.
إن الديمقراطية و التنمية واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية تتسم بالترابط والتعاضد.
كما أنها قد أشارت إلى أن الديمقراطيات تتقاسم ملامح مشتركة ومع هذا,
لا يوجد نموذج وحيد للديمقراطية.