الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر:
فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون
أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب{صدق
الله العظيم [صورة الزمر: 17،18]
يقول الإمام علي
بن أبي طالب (رضي الله عنه):
" ما جادلت جاهلا إلا وغلبني وما جادلت عالما
ًإلا غلبته "
كثيرون يستشهدون بهذا القول البليغ دون أن يعوا
حقاً معناه وأبعاده جميعها! من تلك
الأبعاد أن الإمام بقوله هذا يؤكد أن العاقل هو من لديه القدرة، في مواجهة الرأي
الآخر، على :
- الاستماع والمجادلة
- تقبله وإتباعه إذا ما ثبُتت له صحته
- الاعتراف بصوابيته بكل جرأة
أما الجاهل، الذي يعترف سيد البلغاء وأمير
الحكماء بعدم قدرته على غلبته، فهو إنسان
عقله مغلق على الاستماع إلى الرأي الآخر.
إذا ً قبول الآخر يعني تقبل الحوار معه بغية العيش المشترك, والحوار لغة الخطاب المتحضر وفيه يجب أن تكون المفردات مفهومة للجميع لتصل المعلومة أو الرسالة , فإذا كان الآخر لا يستطيع فك شيفرة الرسالة أو وصلت مشوشة انعدم الحوار بين الأطراف ( كالمتكلمين في لغات مختلفة ) والحوار هو آلية التفاهم والتواصل في دولة الديمقراطية, فالحوار يقارب بين الأفكار وتضمحل به الخلافات , وبالحوار يتوصل الجميع إلى نقاط اتفاق مشتركة بشفافية وسلمية بعيدا عن المناكفات أو الصراعات العقيمة, فلغة الحوار هي لغة خص بها الله تعالى الإنسان وحده , فوجد علم الكلام والإقناع بالحجة والبرهان, والحوار يكون بين البشر على مبدأ الاحترام المتبادل والندية , والإنصات للآخر بقدر رغبتك بإنصاته إليك , ولا يكون الحوار بالصراخ بحيث يصبح كحوار الطرشان لا يفهم منه شيئا ولا يخرج بنتيجة , أيضا من يقبل بالحوار يجب أن يتمتع بالليونة والمرونة والهدوء , ويتقبل النقد برحابة صدر ويرد الحجة بالحجة , فعندما ترتفع الأصوات وتحتد الكلمات يخرج الحوار من سياقه ويصبح شجارا كلاميا
إن احترام الرأي والرأي الآخر هو سمة الدولة الديمقراطية وأساسها , فلا ديمقراطية بدون قبول تعددية فكرية أو أيديولوجية سياسية, وإلا تكون الدولة ذات لون واحد .
التعددية تغني الحياة السياسية وتلونها وتجعلها ديناميكية وصحية , فالرأي المستقل مرآة تعكس الواقع بموضوعية ويتصدى للتعبير عنه النخب والعلماء والأكاديميين والمثقفين عموما , أما الرأي الآخر المعارض أو الأقلية البرلمانية فيغني الحياة السياسية ويكشف أيضا سلبيات وأخطاء مؤسسات الدولة ليصار إلى تلافيها , واحترام الرأي والرأي الآخر يتجلى بعدم مصادرة الآراء أو رفضها , وبتقبل النقد بشفافية, والنظر لمن يخالفنا الرأي على أنه يعبر عن وجهة نظره ورؤيته من زاوية أخرى غير التي نرى منها, وبذلك يكون نقده بناء ويفضي للأفضل, ومن جهة أخرى يجب أن يكون النقد أو الرأي موضوعي ليخدم الصالح العام , وليس من قبيل القدح والذم أو تجريح ينم عن كيد وحقد ويجب أن يكون هدف الجميع المصلحة الوطنية العليا وحفظ أمن الوطن والمحافظة على هويته واستقلال أرضه وقراره السياسي , بعيدا عن الأهواء والمصالح أو خدمة لأحد .
حرية الرأي والتعبير:
يتعرض الأفراد في
شتى أنحاء العالم للمضايقة والسجن نتيجةً لممارسة حقهم في حرية التعبير.
لكل شخص الحق في التماس المعلومات والأفكار
وتلقيها ونقلها من دون خوف من التدخل.
وهذا الحق مهم لتنمية الشخصية ولكرامة كل فرد،
ومهم لإحقاق حقوق الإنسان الأخرى.
لقد كانت حرية التعبير دائماً جزءاً أساسياً من
عمل المنظمات الدولية، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحق في اعتناق الآراء والحق في
حرية الفكر والضمير والدين.
وما زالت المنظمات الدولية تناضل من أجل آلاف
سجناء الرأي – وهم الأشخاص الذين يُسجنون
بسبب معتقداتهم السياسية أو الدينية أو غيرها من المعتقدات النابعة من الضمير، أو
بسبب أصلهم العرقي أو جنسهم أو لونهم أو لغتهم أو أصلهم القومي أو الاجتماعي أو
وضعهم الاقتصادي أو مولدهم أو ميولهم الجنسية أو أي وضع آخر.
تدعو المنظمات الدولية إلى إطلاق سراح جميع سجناء
الرأي فوراً وبلا قيد أو شرط.
استخدمت الحكومات
تاريخياً ذريعة "الأمن القومي
" لتبرير كبت المعارضة السياسية والنقد.
وفي السنوات الأخيرة استُخدم تصاعد المخاوف من
الإرهاب وذريعة الأمن لتبرير ازدياد قمع الأفراد والجماعات التي تمارس حقها في
التعبير الحر.
وإدخال قوانين أكثر تقييداً لمكافحة الإرهاب في
معظم بلدان العالم له تأثير خطير على حرية التعبير وغيرها من الحقوق.
إن مثل هذه التدابير قصيرة النظر؛ إذ أن الحوار
المفتوح واحترام حقوق الإنسان هو الإطار الوحيد الذي يمكن من خلاله تحقيق الأمن
والتنمية.
المدافعون عن
حقوق الإنسان هم الأشخاص أو المجموعات أو المنظمات التي تقوم بتعزيز وحماية حقوق
الإنسان بالوسائل السلمية وغير العنيفة, وتعتمد أفعالهم على حرية التعبير وتغذيها.
ويمكن أن يصبح المدافعون عن حقوق الإنسان هدفاً
للانتهاكات بسبب أنشطتهم.
كما يمكن أن تعمد الحكومات وقوات الأمن وأصحاب المصالح التجارية والجماعات المسلحة والزعماء الدينيون، وحتى عائلاتهم ومجتمعاتهم أحياناً، إلى محاولة إسكات آرائهم أو أفعالهم المعارضة, ولا يمكن أن تقام دولة الديمقراطية إلا بوجود حرية الرأي والتعبير أي الحرية الفكرية , ويجب أن تضمن ألا يكون عليها رقابة سوى رقابة الضمير.
لحرية الرأي والتعبير وسائل عدة منها الكتابات الأدبية والصحافة بجميع وسائلها وكذلك الفن بأشكال المتعددة , وأن تكفل حرية التجمع كالأندية الثقافية والأدبية والتجمعات السياسية , وكذلك حق التظاهر, وتشكيل الأحزاب وإنشاء الجمعيات والمنتديات كل ذلك يجب أن يكون مصانا بالدستور.
إن العلماء والأكاديميين والأدباء والمثقفين والإعلاميين والفنانين هم النخب وقادة الرأي التي تؤثر في الشعوب, فيجب أن يكون هؤلاء وغيرهم متمتعين بحرية الرأي والتعبير عن آلام وآمال الشعب والارتقاء به فكريا وثقافيا وسياسيا وتوعيته وتوجيهه للطريق الأمثل كل حسب وسيلته ودون أن تتعرض هذه النخب للضغوط المختلفة من أي جهة كانت .
ثورة التكنولوجيا والمعلومات جعلت العالم قرية صغيرة , فلم تعد توجد مجتمعات منغلقة , وأصبحت المعلومة في متناول الجميع, والوسائل الكفيلة بأن ترسل أو تستقبل المعلومة ميسرة وسهلة, أيضا سلاح الإعلام بات من أمضى و أخطر الأسلحة , ومن يستطيع أن يستخدم أدواته بحرفية ومهنية هو من يتحكم بتوجيه و تفكير المتلقي , إن الجاذبية التي يتمتع بها التلفاز من صوت وحركة وألوان , ودخول البث الفضائي وتنوع قنواته , ووجود قنوات مختصة , ساهم كثيرا في زيادة المستوى المعرفي لدى الشعوب , وكذلك دخول الشابكة ( الأنترنت ) ساهم في مجالات عديدة كالبث الرقمي , ونقل الملفات ورسائل الفيديو , والبث المباشر وغيره كان عامل مساهم في ازدهار ثقافة التعبير وحقق حرية الرأي لمن حرموا منها نتيجة الانغلاق الذي كان يمارس عليهم من سلطات بلدانهم , فلم تعد وسائل الحد من حرية الرأي والتعبير مجدية مع هذا التطور الهائل في وسائل الاتصال وتعددها وتنوعها , ومع وجود وسائل اتصال حديثة من الصعب على الدول مواجهتها أو الحد منها .