news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
شهامة أم وفاءْ بل هو البرْ مع العناءْ ... بقلم : الشيخ عبد القادر الخضر

بالأمس المصادف 20 -11 – 2010م كنت قادما من الأردن بعد زيارة أولادي وأسرتي هناك ! وفي الحافلة التي تقلني الى الرقة من دمشق ! تعرفت عليه اسمه محمد ؟؟؟ عمله ممرض في مستوصف مزرعة القحطانية بالرقة , وينتمي الى عشيرة الجمًاسة الحسينية الكريمة.


 وكان جالس بجانبي وهو في منتصف العمر ! النظارات الطبية التي كان يضعها على عينيه تخفي الكثير خلفها ولكن خبرتي في هذه الحياة استطاعت أن تكشف المستور وتطلق لسانه الكريم ليعبر عن ما يعانيه ! فقال : أخت زوجتي امرأة متزوجة وهي الزوجة الثانية لزوجها !! ولها خمسة أولاد أكبرهم فتاة في الصف السادس , أصيبت بسرطان المبيض فتم استئصاله لكن الورم الخبيث انتشر في أماكن أخرى من جسمها كان زوجها في بداية مرضها يعتني بها متكلفا" وبعد ذلك أهملها ! ولم يكن لها أقارب فقد مات أخوها الوحيد وترك طفلين يتيمين ومات أبوها من الصدمة عليهم وماتت أمها من الحزن عليهم والكل مات خلال عام واحد ! وأتت إليً تشكو حالها وكانت تتوسم بي خيرا , وما خاب ظنها ! وأخذتها الى مركز معالجة السرطان في مشفى البيروني بدمشق وهو الوحيد في سوريا .

 وكانت أفواج وطوابير المراجعين تفوق الخيال وأكثر من 98% من المرضى من محافظات الجزيرة الثلاث وهي الرقة ودير الزور والحسكة !!! وكان الناس يصطفون على الدور لتلقي الجرعات الكيماوية السريعة !! وهم يصفون على الدور منذ الساعة السادسة صباحا ! وأخذتها الى هناك بصباح يوم صيفي حار من الشهر السادس لهذا العام ! ووصلنا الى المشفى في الساعة التاسعة والنصف واصطففنا بالطابور لتلقي الجرعة وكان رقمنا 608 وكان العدد أكبر من ذلك ! لأن بقية المرضى يأتون من مشفى المواساة بعد التصوير هناك  عدا المتواجدين في المشفى ذي الستة طوابق المليء 100% بالمرضى ! قلت له هذا عدد كبير ولماذا المرضى من محافظات الجزيرة فقال : إنً الأطباء يقولون هو من نتيجة التلوث الكيماوي لليورانيوم الذي يستخدمه الأمريكان بالمنطقة ضد الموطنين العراقيين !!!!

 وبفعل الهواء ينتقل من البؤر الساخنة الى محافظات الجزيرة ! قلت له : يجب أن يكون هناك تدخل من الأمم المتحدة وبالذات من اليونسكو !!! فضحونا وهم يدورون يفتشون على الأسلحة الكيماوية في العراق حتى يقال أنًهم فتشوا غرفة نوم الرئيس العراقي لربما هناك مخبأ للأسلحة الكيماوية فيها ! واليوم الأسلحة استخدمت ضد التجمعات السكانية والمدن مثل الفلوجة والرمادي والموصل وتل أعفر ! وغيرها. وآثارها هناك مريعة ومغطين عليها إعلاميا" ولكن أخطارها وأضرارها تجاوزت الحدود ووصلت إلينا .

 وأردفت أقول : خرست منظمات الأمم المتحدة عن تقدير حجم الضرر ومصدره !! بس على الأقل أن تعوض الناس المتضررين التعويض المناسب لأنً الناس المتضررين فقراء على الغالب وبعضهم آثر الموت بصمت لأنه عاجز عن ثمن أجرة الطريق والمصروف الشخصي أثناء الإقامة للعلاج هناك من ثمن الخبز وبعض الخضار مثل البصل ! قال الشهم : والله يا أخي انها مأساة خطيرة تضاف الى مآسيهم فموسم القمح أصيب بمرض الصدأ والقطن أصيب بالدودة وحتى البندورة لم تسلم جاءتها الدودة الشوكية اللولبية ودمرتها على عروشها ! والناس تأكل الخضار المصابة والتي تم مكافحتها بالمبيدات الكيماوية ! وأغلب الناس ممن يجهلون تعقيم الخضار يصابون بأمراض مجهولة في الجهاز الهضمي وآلام بطن مزعجة .

 وأنا على يقين تام بأنً كل الجوائح التي أصابت محاصيلنا الزراعية هي من تدبير الصهاينة وأعوانهم في المنطقة ! قلت له : هل بقيت طوال فترة العيد معها في المشفى قال : نعم لأن زوجها أخبرها إماً أن تتخلى عن العلاج ! وتذهب معه الى الرقة ؟ أو انه سيضطر لتركها وحيدة في المشفى ! لأنه لن يفوت مناسبة العيد وبهجته بين ذويه ! ويبقى في المشفى لا يسمع فيها إلاً أنين المرضى ولا يشاهد إلاً جثث الضحايا من باب آخر .

 آثرت البقاء وهكذا سافر هو وبقيت هي مع طفلتها الصغيرة تتصارعان مع أهوال السرطان وآثاره الجانبية ! كانت بحاجة لعناية خاصة ومساعدة كونها قد أخذت جرعة خاطئة ! تسبب بها زوجها بعدم تريثه ليوم ثان !!! فأحدث لها أمراض جانبية أخرى ! وكانت بحاجة لمعين يساعدها في تلقي علاجها ويطلب لها النجدة إن ساءت حالتها ! سافرت اليها مساء يوم العيد وطوال خمسة أيام كنت أجلس بعيدا" عن غرف النساء احتراما" لهنً ولخصوصيتهنً !! وكنت أحيانا أسهو على الكراسي التي صففتهم بقرب بعضهم لأريح ساقي عليهنً .

 واليوم اتصلت بزوجها وجاء وتعاقبنا مع بعض في حمص هو ذاهب وأنا قادم الى الرقة

وأردف يقول : هي في الثلاثون من عمرها لقد ذبلت نضارتها ونقص وزنها وتبعثرت قوتها فأصبحت عاجزة عن الجلوس على الكرسي لوحدها ! وأطرق بصمت عميق أشفق من القول أن موتها ورحيلها أصبح مؤكد ! وتصورتها وكأنً عيونها تتحدث لابنتها وتوصي ابنتها الغضة طرية العود وحالها يقول : أي بنية دنت ساعة رحيلي عن هذه الدنيا لأنضم الى طوابير الموتى بدلا من طوابير العلاج لتلقي الجرعات الكيماوية ! بنيتي سأترك لك أمانة إياك أن تخذليني في أدائها وهي رعاية إخوتك الصغار وتذرف بقايا من دموع واهنة وتستعرض صور أبنائها الخمسة أصغرهم عمره سنتين لقد فطمته عن ثدييها منذ فترة وجيزة ! وتعود عيناها الى نفسها وتنظر حالها وما آلت إليه صحتها , وهزالها وضعفها وتعود عيناها الى السماء لتحلق هناك ولربما رأت شيئا" فتخاطبه وكنت تصورتها تقول : رباه قتلني الأمريكان ومن وقف الى جانبهم وواضعي خطط غزو العراق من المحافظين الجدد اليهود الصهاينة !! لقد قتلوني بسلاحهم اليورانيوم المنضب الذي عبر الحدود المصطنعة ! حدود سايكس بيكوا ! وغزت ذرات اليورانيوم المنضب القاتلة ! جسمي الهزيل المتعب من تربية أطفالي الصغار .

 فلم يقاوم جسمي الضعيف المناعة وأصيب بأماكن عديدة فسقطت ببداية الطريق لتنشئة أطفالي ! وجهل بني قومي وعدم تقديرهم للخطر الذي نتعرض له بسبب جوارنا للبؤر الساخنة في العراق ! فضعنا ولم نعرف أنفسنا إلاً في المشافي وقد استفحل الداء بنا من مختلف الأعمار ومن النساء والرجال !! لقد كان الشهم شاردا " !!! لقد رأيت أمام كرسيه ظرف أصفر قلت له لمن هذا الظرف فقال الوفي البار الشهم ! لقد تعب صدري من البرد طوال الأيام الخمسة فخشيت على نفسي وذهبت الى طبيب فأمر بتصوير صدري والحمد لله كان سليما" وما أعانيه عبارة عن لفحة برد أخذتها من النوم على الكراسي بدون غطاء .

 كان تلفونه الخلوي يرن من بداية سفرنا من دمشق الى وصولنا الى الرقة ! من قبل زبائنه المرضى يستشيرونه ويستفسرون منه عن برامج علاجهم الفيزيائي وكان ينهي وصفته بالدعاء بالشفاء لمن اتصل به ! لقد كان رائعا" بتصرفه الإنساني النبيل ! كنت أتمنى من كل قلبي أن أكون عملت عملا" مفيدا" مثله ورسمت البسمة على محيا من يحتاج المساعدة بأي موقع كان في هذا العيد ! انً لذة الشعور براحة الضمير بعد الإحسان شيء عظيم لا يعرف طعمه إلاً ذوي القلوب الكبيرة ودًعته وأنا سعيد بالتعرف على شهم وفيً بارْ .

 في زمن نضب وندر الوفاء , والشهامة , والبر فيه !! وحل العقوق , والجهود وحب الذات فيه ! تنويه : انها قصة حقيقية ومن أراد التحقق فأنا جاهز !!! قلت ما تقدم والله من وراء القصد

 

2010-12-02
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد