news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
هل يحتاجون كل هذا الزمن والدُّوَل للقضاء على داعش أم للقضاء على النفوذ الإيراني والروسي؟؟ ... بقلم : د. عبد الحميد سلوم

ثلاث سنوات للقضاء على تنظيم داعش هي الإستراتيجية الأمريكية !! عشر سنوات هي الإستراتيجية السعودية التي تحدّث عنها وزير الخارجية السعودي !! أربعون دولة أصبح عدد المتحالفين لمحاربة تنظيم داعش !!. فهل لهذه الدرجة داعش من القوة لتحتاج كل هذه السنين وهذه الدول ؟!.


 جوابي : كلا !!. والثلاث سنوات يمكن اختصارها بثلاثة أشهر بمجرد أن تغلق تركيا حدودها ذهابا وإيابا بوجه التنظيم ، فأين سيهربون بعدها ، إلى السماء !!. لسنا في جغرافية واسعة كما جغرافية القاعدة في أفغانستان من جبال ووديان ومناطق وعرة جدا ومساحات شاسعة وبلدان مجاورة كما الباكستان حيث الفوضى التي تجد فيها القاعدة ملاذا جيدا !!. فالمسألة مع داعش مختلفة والطوق حولها من كل الجهات باستثناء (الفتحة) باتجاه تركيا ومجرد إغلاقها تنخنق !!...

 

إذا لماذا كل هذا التهويل الإعلامي والتخويف والسنين الطويلة لمحاربة داعش ؟!.

 

الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في ظاهرها أملاها خطر داعش ، أما في باطنها فقد أملاها قرار إقليمي تمثله السعودية وخلفها بعض بلدان الخليج ، وقرار غربي خلفه الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيون !! والهدف الأساس هو تحجيم كلٍّ من نفوذ إيران وتحجيم الدور الروسي مجددا على الساحة الإقليمية والدولية !! فالمطلوب هو إعادة روسيا إلى حجمها قبل الرئيس بوتين ، وإعادة الدور الإيراني إلى ما كان عليه قبل غزو العراق في العام 2003 من طرف الولايات المتحدة ومساعدة حلفائها في دول الخليج !!.

 

والزمن الذي طرحه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بعشر سنوات لمحاربة الإرهاب ما هو إلا إستراتيجية شاملة لإعادة ترتيب المنطقة من جديد بما يتواءم ويتفق مع المصالح السعودية والأمريكية فقط ، وليس مع المصالح الروسية والإيرانية التي تشكل خطرا على الطرفين الأمريكي والسعودي !!.

 

ومن هنا جاءت إطالة الزمن أو (مطمطته) لتبقى القوات الأمريكية وطائراتها تسرح وتمرح في أجواء المنطقة وتقصف كلما دعت الحاجة إلى أن يتم تنفيذ الإستراتيجية الجديدة ويُعاد ترتيب كل شيء حسبما يرغبون ، وكل من يعترض يُتَّهم كراعٍ للإرهاب ويعيق تنفيذ القرار الدولي 2170

 

وها هي الولايات المتحدة وحلفائها يقصفون في شمال سورية صباح 23/9 دون الحصول على إذنٍ من أحد ودون الوقوف عند تصريحات الرئيس بوتين أنه لا يجوز خرق السيادة السورية دون التنسيق مع قيادتها ، وكأن الولايات المتحدة تقول له : عندما تحصل على موافقة من حكومة كييف بخرق السيادة الأوكرانية فسوف نقوم بالمثل بالحالة السورية !! ولذا لم يكن أمام روسيا وإيران سوى التصريح بعد الغارات أن هذا انتهاك للسيادة السورية وخرق للقانون الدولي !!...

 

 

فإيران بعد احتلال العراق عام 2003 والإطاحة بالنظام العراقي السابق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الأجانب والعرب ، تعزّزَ دورها تلقائيا ومن دون بذل جهد بذلك في العراق ، فهي كانت داعمة لقوى المعارضة العراقية ضد النظام العراقي السابق ، كما قوي دورها بالمنطقة عموما ، في سورية ولبنان ، وفي فلسطين من خلال دعمها للمقاومة ، وفي اليمن بحكم علاقتها مع الحوثيين في الشمال الذين لا تثق بهم السعودية، وإن كانت مرتاحة ضمنيا لتحجيمهم مؤخرا للأخوان المسلمين باليمن( حزب الإصلاح) ووصولهم للعاصمة صنعاء ، فضلا عن وجود القاعدة في الجنوب اليمني، وهذا ما يُعيد للأذهان وصية الملك المؤسس عبد العزيز لأبنائه قبل وفاته: ( خيركم وشرّكم من اليمن)!! ..

 

 وكل هذا كان موضع تذمُّر وشكوى من السعودية وبلدان الخليج الأخرى ووصفِهم لذلك دوما بأنه تدخل من إيران في الشأن العربي ، بينما كل دول العالم البعيدة والقريبة تتدخل في الشأن العربي ، الذي لم يعد يبقى منه  شيئا من العروبة إلا الاسم !!. ولكن السعوديين وصلوا إلى قناعة أن استمرار الحال على ما هو عليه وتصاعد دور إيران بالمنطقة بيانيا نحو الأعلى ، إنما سيضيِّق الخناق على المملكة وانحسار الدور السعودي، وسيضع المملكة مستقبلا بحالة لا تُحسَد عليها وكل ذلك قد ينعكس على حكم العائلة المالكة

 

 ومن هنا لا بد من هجوم معاكس، وما تدريب معارضين سوريين لديها إلا جزءا من ذلك !!. وأما روسيا التي كانت (بعد تفكك الإتحاد السوفييتي) لأكثر من عقدٍ من الزمن، وقبل بوتين دولة ضعيفة وشهدت حركات انفصالية في شمال القوقاز، وانكمش دورها إلى دور أي بلد عادي في شرق أوروبا ،وضعُف مكانها كثيرا في الشرق الأوسط وفي تطوراته، سواء ما يتعلق منها بعملية السلام أم بالاحتلال الأمريكي للعراق ، وقبلَه وخلاله وبعدَه،  فقد جاءها القيصر بوتين الذي تم انتخابه أول مرّة في آذار عام 2000 ليبني روسيا الحديثة ويعيد لها دورها المفقود على الساحة الإقليمية والدولية ، وتمكن من إعادة الأمن والأمان لها ، وإعادة الهيبة لمؤسساتها ، لاسيما المؤسسة العسكرية ، وتعزيز الاقتصاد وتحسين الأحوال المعيشية ، والمحافظة على وحدة الإتحاد الروسي والقضاء على الحركات الانفصالية ، واستعادة الدور الإقليمي في منطقة آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز

 

 وقد تجلَّت قمة هذا الصعود في دخول القوات الروسية في 8/8/2008 إلى أوسيتيا الجنوبية، بعد تصرف صبياني من ساكاشفيلي الرئيس الجورجي ،مغرورا بدعم الولايات المتحدة ،، وهجوم قواته على أوسيتيا الجنوبية بحجة التمرد، وعلى قاعدة قوات السلام الروسية الموجودة فيها ،فلم يحتَج الأمر من الثنائي (بوتين وميدفيديف) لأكثر من ثمان وأربعين ساعة حتى طردوا القوات الجورجية من أوسيتيا وبدت الطريق مفتوحة أمام الدبابات الروسية إلى العاصمة (تبليسي) ، ولم تنفع كل بيانات الإتحاد الأوروبي ولا الأطلسي ولا الولايات المتحدة ، وكل تنديدهم بخطوة الثنائي (بوتين وميدفيديف) ومَضَيا حتى تم الإعلان عن استقلال أوسيتيا وأبخازيا اللتان لم يعترف أحد بالعالم بهما سوى روسيا والراحل هوغو تشافيز !!...

 

إذا من جديد انطلقت روسيا لتمارس دورها وتَحُد من نفوذ الولايات المتحدة في محيطها الاستراتيجي بآسيا الوسطى ومنطقة القوقاز ومنطقة البلطيق، وتلعب الدور اللائق بها دوليا من خلال مجموعة البريكس التي ظهرت لأول مرة عام 2001 كمفهوم اقتصادي ثم عقدت أول مؤتمر رئاسي لها في حزيران 2009 في روسيا ، ومن خلال منظمة شنغهاي للتعاون التي تأسست عام 2001،، ولتُعزز علاقتها مع حليفها التاريخي على ضفة المتوسط الجنوبية (سورية) لاسيما بعد أن فقدت ليبيا إثر التدخل الأطلسي لإسقاط نظام القذافي ، والخديعة التي لجأ إليها الغرب وخالف فيها تفويض قرار مجلس الأمن الدولي 1973 ...

 

 وهذا ما زاد من إصرار روسيا على أن لا تفقد حليفها السوري أيضا لصالح الولايات المتحدة !! فكانت زيارة الرئيس ميدفيديف إلى دمشق في أيار 2010لتعزز العلاقات بين البلدين على كافة الأصعدة لاسيما العسكرية والاقتصادية والتجارية والصناعية ، والاستثمارات !!. وقد سبقها ثلاث زيارات للرئيس السوري في 2005 و 2006 و 2008 .. ولكنها كانت المرة الأولى لزيارة رئيس روسي أو سوفييتي لدمشق !!.. ويُروى أن وزير الخارجية سيرجي لافروف وخلال حديث دردشة، لم تعجبه عبارة( أن روسيا عادت للمنطقة) ، وفضَّل القول : ( أن روسيا كانت دوما هنا) ...

 

فالجميع يعرف أنه بعد انهيار جدار برلين وانتهاء حقبة الحرب الباردة ، تكرّس نظام عالمي قطبي واحد بعكس ما كان عليه خلال العهد السوفييتي ، ولكن هذا استدعى السعي الحثيث لدول عديدة أولها روسيا والصين وبلدان أخرى، لإعادة القطار إلى السكة الصحيحة والعودة لعالم متعدد الأقطاب لا تستأثر به الولايات المتحدة لوحدها بالقرار !!.

 

والجميع يعرف أن الطريق إلى ذلك يبدأ من الشرق الأوسط ، ومفاتيح السيطرة على العالم تبدأ من الشرق الأوسط ، والبداية من دمشق، ولذا يمكن – التكهُّن -- أن الولايات المتحدة بدأت هجومها المعاكس مع السعودية ، من الشرق الأوسط ضد نفوذ روسيا وإيران ، وذلك تحت عنوان محاربة الإرهاب وهي كلمة حق ولكن قد يكون المقصود بها هو باطل ..

 

وأن الهدف البعيد هو إعادة روسيا إلى حجمها قبل بوتين وإعادة إيران إلى حجمها قبل احتلال العراق 2003 !! والمفترق هنا سيكون على الساحة السورية بشكل أساسي وكبير، فمفتاح السيطرة على الشرق الأوسط يبدأ من السيطرة على دمشق، فإن أفلحت الولايات المتحدة والسعودية من قلب المعادلات في سورية لمصلحتهم بتغيير الحُكم (من خلال تسليح وتدريب المعارضين وتحت نيران الطائرات الأمريكية مستقبلا) فإن كل ميزان القوى سوف يختل بعموم المنطقة ، وهذا يعني تلقائيا انحسار الدور الروسي والدور الإيراني على ربوعها

 

 وهذا هو الأمر الذي يحتاج لثلاث سنوات ، أو عشر سنوات حسب التقديرات السعودية ، وليس القضاء على تنظيم داعش ، فهذا لا يحتاج سوى ثلاثة أشهر !! إذ خلال كل سنين محاربة الإرهاب ستنفرد الولايات المتحدة والسعودية على الساحة بعد استبعاد روسيا وإيران من تحالفهم الدولي .. وبدعمٍ غير ظاهر من إسرائيل التي باتت الكثير من القوى والحركات والدول العربية تعتبرها صديقا وحليفا لها في إستراتيجيتها ضد إيران وسورية وروسيا!!.. 

 

طبعا الولايات المتحدة لم تألو جهدا بكل الأوقات من إزعاج روسيا على الدوام والسعي لتحجيمها وإعادتها إلى دورها ما قبل بوتين ، وذلك في محيطها الإقليمي، بل وداخل الإتحاد الروسي، عن طريق السعي لضم جورجيا للحلف الأطلسي ، ومحاولة نصب الدرع الصاروخي في تشيكيا وبولونيا، الأمر الذي أثار حفيظة روسيا وهدّدت بنصب صواريخ (اسكندر) في كالينينغراد، (الواقعة شمال بولونيا على البلطيق وتعتبر قلعة فوق أوروبا ولا ترتبط بروسيا بحدود برية) وهذا ما دفع بالرئيس أوباما ، بعد بوش، بالتخلي عن هذا المشروع !!

 

 وأخيرا تحريض أنصار الولايات المتحدة في أوكرانيا ضد أنصار روسيا ، الأمر الذي واجهته موسكو بسرعة كبيرة في ضم جزيرة القرم إثر استفتاء شعبي طالب باستقلالها، ودعمت أنصارها في أوكرانيا ، مما دفع بالاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات متعددة وهذا ما آلم روسيا بالفعل وتسبب بعزلها أوروبيا وانخفاض قيمة الروبل إلى مستوى غير مسبوق !! فهل ستنجح الولايات المتحدة والسعودية من تحجيم دور إيران وروسيا إقليميا ودوليا ، وتنفرد الولايات المتحدة بالقرار العالمي من جديد ؟؟

 

هذا ما سيجيب عنه المستقبل فقط بعد نهاية الحرب على تنظيم داعش التي يُعتَقَد أنها ستطول وتصبح مسمار جحا إلى أن تتحقق الأهداف السعودية والأمريكية إقليميا ضد إيران وروسيا !! ولكن هل ستتحقق ؟؟ وهل ستسمح روسيا وإيران بذلك وهما مدركتان تماما لأبعاد اللعبة، أم ستُلاعِبَان أيضا الولايات المتحدة والسعودية على رقعة الساحة الإقليمية كلّها لعبة الشطرنج التي اخترعها الإيرانيون ، واحتكر بطولتها الروس ، ونُصبِح أمام حرب عالمية ثالثة ؟! وإلا لماذا كل هذه الدول وهذا الزمن لمحاربة تنظيم محصور في بقعة جغرافية واضحة ومحدودة ؟؟ ولكن هل روسيا وإيران على استعداد لخوض حرب عالمية ثالثة من أجل الأهداف المطروحة أو المخفية لأمريكا والسعودية ؟؟ هنا السؤال !!!..

--------------------------------------------------------

** تنويه :  الكاتب يحمل ماجستير بالعلوم السياسية ودكتوراه في التاريخ العام – مدرس بكلية الآداب بجامعة دمشق بين 1978-1980 – دبلوماسي سابق مرتبة وزير مفوّض ...

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

 

 

2014-09-24
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد