news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
لم أخلَص لا من بعض مسئولي الدولة وحقدهم ولا من بعض المعارضين وحقدهم ... بقلم : د.عبد الحميد سلوم

يقول سيف الله المسلول (خالد بن الوليد) بعد عزل الخليفة العادل عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) له :

 

 إنّا نجاهد كي يرضى الجهاد بنا         ولا نجاهدُ كي يرضى بنا عُمَرُ ..


 واقتداءً بهذا البيت العظيم فحينما أعبِّر عن آرائي وقناعتي إزاء ما يجري على امتداد الساحة العربية ، وفي وطني المكلوم فإنما أقوم بذلك لإرضاء ضميري وليس لإرضاء هذا ولا ذاك .. فمن حق ، بل من واجب ، النُخَب المثقّفة السورية أن تبذل كل ما تستطيع لإنقاذ الوطن الذي يغرق رويدا رويدا في أعماق الأرض كما تغرق السفن التي تحمل السوريين الهاربين من النيران في قيعان البحار .

بعضُ المعارضين لم يوفرونني من أكاذيبهم وافتراءاتهم ووقاحتهم وكأنني كل عمري مسؤول وصاحب قرار وأتحمّل أكبر نسبة من مسئولية ما آلت إليه الأوضاع في سوية ، بينما مسئولي الدولة لم يفتئوا على محاربتي في كل الأوقات خلال كل حياتي المهنية لمجرّد أنني أعبر عن كلمتي وموقفي بصدقٍ وضميرٍ ودون نفاق وتمسُّح ولا أقبلُ المهَانة والتزلّف والانبطاح . بل هناك من وصلَ بهم الكيد واللؤم في يومٍ ما للتعاطف ضدي مع المزوّرين والسماسرة والطائفيين والزعران بالوثائق والبراهين المختبئين تحتَ عباءة اتحاد الطلبة ودعمهم في وجهي .. بل والتستّر على من انحدر مستواه لمستوى العَمَالة بالوثائق وتكريمه لاحقا بعشرة آلاف دولارا بالشهر ..

 

 ولذلك لم أكن ثقة لأستحق في أي وقتٍ منصبٍ أو مركزٍ بينما استحقَّ ذلك أشباه المتعلمين . ولذا انطَبَق عليَّ المَثَل لشعبي (طلع من المولِد بلا حمُّص) فخرجتُ من الوظيفة بعد معاملة لئيمةٍ حاقدة مُنحطَّة لمدة عام بالكامل لا تشبهُ إلا أصحابها التافهين الصغار العلّاكين الثرثريين عديمي الضمير والأصالة .. بل بدأتْ حياتي المهنية بـ (ثناء) تعمّمَ على كل السفارات السورية وإدارات الوزارة حينما كنتُ مُلحَقا في البعثة السورية في نيويورك أوائل الثمانينيات ، لأنني نجحتُ بشكل كبير في مناقشة تقرير القطر عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال في سورية أمام لجنة خبراء دوليين من أربعين بلدٍ، الأمر الذي اعتذَرَ عنهُ أكبر أعضاء البعثة حينها وطلبوا من الوزارة إرسال خبير من وزارة العمل لهذه الغاية ، ولكن الخبير لم يأتي .. ثم انتهت حياتي المهنية بـ (إنذار) ممن كان يصافحني (تبويسا وعِناقا) إذا ما صادفني حتى بالكوريدور ،ويثني عليَّ بمناسبة ودون مناسبة، إلى أن أضحى بيده القلم الأخضر فبانتْ حقيقته ونبَتَتْ المخالب في صدرهِ ،ولم يستوعب أن يصل إلى ما كان أبعد من حُلُمٍ بالنسبة له..

 

 والسبب المُباشر المُعلَن هو التأخر عن الدوام صباحا ، بينما السبب الحقيقي كان عمق اللؤم والتفاهة والصِغر . ليس ذلك فقط ، بل لم يتم التوانى في حسم الرواتب التي لا تصلح أساسا (خرجية جيب) لابن مسئول شابٌّ ، أو أوّل (طَلعتُو) مع سيارة (فور ويل درايف فُلْ أوبشن) . مع أن معظم الراتب كان يذهب لمساعدة أبناء أخي (نزيه) الذي استشهد بمهمةٍّ بطائرته في منطقة الجبهة مع العدو الإسرائيلي صيف 1995 ، ورحَلَ دون أن يترك مربط عنزة لأولاده لأنّه كان نزيهٌ بالاسم والفعل .. أبناء هذا الشهيد البطل لا يستحقوا أن يقبض عمّهم حتى راتبه الهزيل هذا كي يقدّم لهم مساعدة بسيطة ، لأن من كانوا يحسموه بحجة التأخر صباحا - مُتجاهلين أنّ ذلك كان ردّة الفعل العادية على ظُلمِهم الحقير وتعاملهم الوضيع - لا يعرفون معنى الشهادة ولا قيمها ، وليسوا من مدرستها ولا من ثقافتها أصلا .

 

 فهذه ثقافة يعرفها الكبار وليس سواهم .. كبار النفوس والعقول وليس كبار الرؤوس والكروش . وللأسف لا يُوجَد واحد في المواقع العليا إلا ويعرف الصورة كاملةً ولكن لا أحدا معنيٌ بأي أمرٍ إلا بمقدار ما يتأثّر به أحد أقربائه شخصيا !. وكل واحد حرًّ في حارَتِه وما يفعلهُ بها وفي تمديد عقود الإيجار بالحارة أو وصلِ الكهرباء وقطعها عن هذا وذاك حسبما يرتأي ويرى . هكذا هي حالُ حارات (غوّار الطوشه) التي أهلَكت البلد وعجزنا عن إيجاد حلٍّ لها من يومها وحتى اليوم !.

الحكاية ما بين (الثناء والإنذار) حكاية طويلة تمتد على مدى 34 سنة تُلخّص مدى الانحدار المستمر في المؤسسة التي كنتُ من العاملين بها ، وانحدار بعض العقول في مؤسسات الوطن نحو الوديان والقيعان حتى وصلت إلى موصلها من الضعف والهزال تستوطنها وتديرها كوادر لا تختلف بكثيرٍ عن الكثير من مسئوليها .. من لهُ مصلحة حتى ينجف مؤسسات الدولة من خيرة كوادرها كَمَن ينجف قلب البطِّيخة أو لُبِّها من داخلها . إنهُ زمن البون الشاسع بين زمن (الثناء) وزمن (الإنذار) .. كما زمن الربيع وزمن الخريف .. فكيف للأوراق المُصفرّة المتهالكة المتساقطة أن تفوح عِطرا !. وكيف نُقارنُ بين ورقة ربيع وورقة خريف!.

 

وكيف سأكونُ بجانب وصَفِّ هذه العقول والنفوس التي لا تأبه ببناء دولة مؤسساتية تسودها المعايير والمنطق والموضوعية والتكافؤ ، وكيفَ أمنحُ الثقة لمن لم يعتبرني ثقة ، أو لِمن سمح لنفسهِ بتوزيع شهادات حسن سلوك وهو أوّل من يحتاج لشهادة حسن سلوك !. وهل من عاقلٍ لن يغضب وهو يرى دولةً للبعض دون البعض ولا مكانة فيها إلا للمحسوبية والدعم ، وأنّ من يجب أن يكون في بيته هو من يتبوأ المراكز والمواقع ، ومن يجب أن يكون هو في المواقع والمراكز، لأنه الأحق والأكفأ والأقدر، هو المقصي إلى بيته ؟. كيف لن تغضب وأنت ترى زملاء مثلكَ وهم من 40 سنة يتنقلون من مركز لمركز ومن منصب لمنصب ليس لأنهم الأكفأ ولا الأقدر وإنما لأنهم المدعومين والمُلتَمسين بحكم القرابَات ، وأنتَ لا مكانة ولا دور لك !. كيف لن تقف في الشارع وترفع يافطة عريضة وعليها عبارة عريضة : كفى ، نريد دولة للجميع وعدالة ومعايير وتكافؤ فُرَص فلسنا أبناء عبيد وغيرنا أبناء أسياد !.

 

في أي بلدٍ ترى موظّفا دبلوماسيا يتنقّل 10 أو 12 سنة من مكان لآخر في الخارج مع 10,000 دولار بالشهر (بينما أعلى راتب في بلده لا يتعدّى مائتي دولار وباتَ من أغلى بلدان العالم قياسا بأحوال الناس)، ووزيرٌ يتربّع على صدر وزارة تسع سنوات بينما سائقه يجثم على صدور الناس ثمان سنوات، إلا في بلدانٍ موصومةٍ بالتخلف والرجعية وما زالت تعيش في مرحلة ما قبل الدولة، حياة العلاقات القَبَلية والعشائرية والمحاصصات والتنفيعات والمحسوبيات!. ثم نسأل : لماذا تنزعج الناس !. وطنٌ لا مكانة به للإنسان ، أيٍّ يكن ، إلا بمقدار ما يملك من نفوذ أو سلطةٍ أو مال ، هذا ليس بوطن .. ودولة لا مكانة بها لإنسان إلا بمقدار ما يملك من دعم ومحسوبية وواسطة ، هذه ليست بدولة .. ومسئول يدعس على المعايير وعلى التراتبية والأقدمية ويعتمد الشخصنة والكيد واللؤم هذا ليس بمسئول ، هذا أزعر .. وأنا ممن يبحثون عن وطنٍ وعن دولة ..

وبالمقابل كيف لن أقف ضد كل أشكال التطرُّف والتعصب والتزمّت والانغلاق والعنف والسلاح والتحريض الطائفي والمذهبي والاستهداف الصاروخي والمدفعي والتفخيخ والقتل على الهوية المذهبية أو الدينية، أو بشكل عشوائي في الشوارع والبيوت ، وضد كل أشكال الارتهان للخارج ومخابرات الخارج !..

نعم العقلَين والسلوكَين لا يشبهانني ولا أقبلهما ، ولديّ آرائي التي أراها عاقلة ، ولا أقفُ عند من ترضيه أو تتلاقى معهُ وعند من لا ترضيه ولا يقبلها . فكلٍّ حرٍّ في رأيه ولا وصاية مقبولة على ذلك ، والوطنية ليست مُلكِية حصرية لأحدٍ حتى يوزِّع سنَدَاتها لمن يرغب ويحجبها عمّن لا يرغب .. الوطنية معيارها لدى كل مسئول مدى الالتزام بالقوانين وتطبيق المعايير المنطقية والموضوعية والعادلة على الجميع كلٍّ في مجال نفوذه والحرص على العمل بعقل مؤسساتي يحترم حق الجميع ويراعي أقدميتهم وتراتبيتهم وتكافؤ الفُرص، وليس بعقل كيدي وتمييزي بحسب أمزجته وتفكيره ، فهذا لا يمكن أن يتّسم بالوطنية لو ألقى كل يوم مائة خطاب يتشدّق فيه بالوطنية .. فالوطنية أفعال قبل الأقوال .. والدعس على المعايير المؤسساتية أو تغييبها هو تخريب ٌ ، والتخريب لا يمكن أن يندرج تحت عنوان الوطنية ..

العالم يعيش اليوم في النصف الثاني من العقد الثاني للقرن الواحد والعشرين وما هو صالحٌ اليوم ربّما لا يكون صالحٌ غدا ، فالحياة في حالة تطور مستمرة ولا يمكن لها أن تتوقف عند أيٍّ كان . ومن لا يتطوّر مع الحياة فإن تطور الحياة سوف يجرفه من طريقها .. فالأنظمة والدساتير والقوانين وأساليب وطرُق الحُكم يجب أن تتطوّر أيضا كما تتطوّر العلوم والتكنولوجيا ، في سبيل خدمة الشعوب والأمم والبشرية ... المنطقة العربية هي الوحيدة المتبقية بين أمم الأرض التي شعوبها بأمَسّ الحاجة للانتقال بأنظمتها السياسية إلى ما يناسب روح هذا العصر وتطوّره .. ولو أن الأنظمة العربية الحاكمة استفادت من تجربة الأنظمة الحاكمة في بلدان أوروبا الشرقية قبل العام 1980 وذهبت بشعوبها نحو الديمقراطية ، فما كان قد حصل ما حصل من مآسٍ وخراب ودمار ودماء .. ولقَطَعت هذا الاستحقاق الضرورة دون (ضربة كف) ودون إراقة قطرة دم ...

 

 ولكن العقل العربي الحاكِم وطبيعته المُتسلّطة بشكلٍ عامٍّ ، لا يتخيّلُ نفسَهُ بعيدا عن القصور والسلطة وحياة البذخ والترف والاستعراض الإعلامي اليومي ، ويعتقد أنّهُ خُلِق لهذا النمط من الحياة وهذا حقٌ من حقوقه غير القابلة للتصرُف ، ومن هنا فلا يستوعب هذا العقل أن يقف بوجهه أحدٌ .. في المملكة السعودية يُحكَمُ بألف جلدة بسبب تغريدةٍ على تويتر وكأن البشر حيوانات أو بهائم لا يصلح التعامل معها إلا بالجَلد أو الرجم أو الفلقة أو العصا الغليظة أو كأنّ الحكّام هم من طينةٍ أخرى وأرقَى وليسوا من ذات طينة هذه الشعوب المتخلفة .. فكيف لو كان المُغرِّد يُطالبُ النظام بالتنحِي أو بإقامة نظام سياسي آخرٍ بديلٍ على غرار ما حصل في بلدان أوروبا الشرقية بعد انهيار منظومتها الاشتراكية وانهيار منظومتها العسكرية المتجَسِدة كانت في حلف وارسو .

إن رؤيتي وقناعتي الخاصّة والمُستقلّة أن البلدان العربية عموما لن تتطور مثقال ذرّة للأمام ما لم تستوعب الدرس من أوروبا قديما قبلَ وبعدَ اتفاق ويستفاليا ، ومن بلدان أوروبا الشرقية حديثا .. فالإنسان وُلِدَ حرّا في كل مكان ولا يجوز تقييده بعدها بالسلاسل في أي مكان ، وذلك بحسب أحد الكُتّاب المَجَريين .. ويجب أن يكون مُحترما ويحظى بكافة الحقوق في اختيار ممثليه وحكّامه في وطنه ضمن نظام برلماني ديمقراطي حرّ بكل ما تعنيه هذا الكلمة من معنى ... ومن هنا أرى أن الحل الوحيد لمشاكل كل بلداننا العربية ، هي في إقامة أنظمة ديمقراطية عَلمانية كما هي الحال في أوروبا والأمريكتين وحتى في أفريقيا السوداء وغيرها من بلدان العالم الثالث التي لم يعُد أيٍّ منها يشبه بلاد العرب...وهذه الأنظمة الديمقراطية مهما اختلفت من حيث الشكل فهي تلتقي جميعها حول الأسس التالية :

1 – انتخابات حرّة وتعدّدية وشفّافة كل أربع سنوات على كافة الأصعدة (برلمانية رئاسية بلدية) ومبروك لمن يحظى بالأغلبية ..

2 – حرية التعبير والصحافة وكل وسائل الإعلام ..

3 – حرية الأحزاب والعمل الحزبي ..

4- حرية النقابات والمنظمات والجمعيات الناشطة في مجالاتها .

5 – حرية الإضراب والتظاهر بشكلٍ منظّمٍ وهادفٍ لتحقيق مطالب اجتماعية شرعية وعادلة ..

6 – تحييد المؤسسات العسكرية عن المنافسات والصراعات والاصطفافات السياسية الداخلية .

7 – الفصل الكامل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية .. وسيادة القانون فوق أكبر مسئول . وها رأينا كيف زجُّوا بوزير فرنسي خلف القضبان لأنّه متّهم بتلقي أموال من الراحل معمر القذافي .

8 – احترام كل حقوق الإنسان ، وأولها حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ...

9 – دساتير عَلمانية تُساوي بين كل أبناء الوطن على أساس المُوَاطَنة دون أدنى تمييز وبغض النظر عن أي انتماء أو صفةٍ أخرى...

هذه القواسم هي قواسم مشتركة بين كل الأنظمة الديمقراطية بغض النظر عن شكل ديمقراطياتها .. وبدون هذه الأسس والركائز فلا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية ... ولا تؤاخذونني إن كنتُ متأثِّرا بتجربة الغرب السياسية العَلمانية والديمقراطية ، وما أطرحهُ هو من وحي تلك التجارب والثقافة التي أثبتت صحتها بعد زلازل حروبٍ دينية طويلة قديما ، وصراعات سياسية خطيرة حديثا أودَتْ بحياة عشرات الملايين من أبناء أوروبا قبل أن تستقر تلك الزلازل على النحو الذي نراهُ اليوم ..

وإذا ما انتقلتُ للمشكلة المستعصية في وطني الجريح سورية فإنني أرى أن الحل السياسي المنشود أخيرا يجب أن يُفضي إلى ديمقراطية تقوم على الأسس المُشارُ إليها أعلاه ، وإلا ستبقى البلد تدور في دوامة العنف وانعدام الأمن والأمان والاستقرار ، بكل ما تعنيه انعكاسات هذه المعاني على حالة الوطن والشعب .. وأما كيفية الوصول إلى ذلك بعد هذه الدماء والدمار فهنا تكمن المعضلة .. ولكن حينما تخلُصُ النوايا وتنصَبُّ كافة الجهود والإرادات نحو إنقاذ الوطن وتغليب مستقبل الوطن والشعب على أية مسائل أخرى، وارتهانات خارجية فحينها لن تكون هناك مُعضِلة ..

الديمقراطية ليست فقط حُكم الشعب وإنما الاحتكام أيضا للشعب والعودة له في أية أزمةٍ ليتحمّل المسئولية

ويعبِّر عن رأيه وإرادته عبر صناديق الاقتراع ويُنقذ الوطن .. فكم كان جميلٌ ما حصل في اليونان في 25/1 حينما اختلف الساسة في البرلمان على انتخاب رئيس جمهورية فاحتكموا للشعب وهو من قال قولته فاحترمها الجميع .. هل عقولنا أصغر من عقولهم ؟ وهل وعينا أقل من وعيهم ؟ وهل إيماننا بأوطاننا وشعوبنا أقل من إيمانهم ؟ إذا لماذا لا نستطيع أن نكون كما هم في حلِّ مشاكلنا ؟.

الطريقة والأسلوب والنهج والآليات ونظام إدارة الدولة السورية السياسي على مدى عقود، كل هذا يحتاج لمراجعة شاملة وعميقة وصريحة وجريئة ، والأمر لا يتعلقُّ هنا بأشخاص وإنما بنظام سياسي للدولة ، فكلنا كأشخاص بالنتيجة راحلون عن الدنيا كلّها وأما الدولة فباقية للأجيال المتعاقبة .. ومن هنا مسئولية الجميع في الوطن نقل أنظمة وأساليب وآليات ومنهج الحكم في الدولة السورية إلى حالة جديدة وهي ما نُطلِقُ عليه حالة الديمقراطية بكل ما تعنيه هذه الكلمة بمفاهيمها الغربية العَلمانية .. وهذا ليس من أجلنا نحن وإنما من أجل كل الأجيال اللاحقة ..

 

فمسئوليتنا اليوم أن نؤسس لهم نظام حُكمِ دولةٍ راقٍ وحضاريٍ يقوم على أسس الديمقراطية والاحتكام دوما لصناديق الاقتراع وليس للبنادق والصواريخ والمتفجرات وقذائف المدفعية فيصبحون ألعوبة ومضحَكة لدى العالم أجمع ، ومنبوذين من كل شعوب الكون التي ستنظر إليهم كوحوش لا تمتلك العقل والوعي الذي يؤهّلها للتفاهم بين بعضها وحلِّ قضاياها بالحوار والعقل والمنطق ..فإنْ كان جيلنا قد مارَس بعضا من صفات الوحوش في الفتك ببعضهِ فمسئوليتنا التاريخية إزاء أبنائنا والأجيال القادمة أن نقضي لهم على كل الأسباب التي جعلت أبناء هذا الجيل يفتكون ببعض حتى لا تتكرّر المأساة في أي زمنٍ بالمستقبل ..

 

وهذا ما أرجو أن يكون القاسم المشترك للجميع ويتفق عليه الجميع من خلال الحوار ونبذ كل أشكال العنف خدمة لأبنائنا .. فهل من أحدٍ لا يهمُّه مستقبل أبنائه وأحفاده؟. من منّا لا يُفكِّرُ في أن يبني لكل واحدٍ من أبنائهِ بيتا يعيش به بأمنٍ وأمان مع أسرتهِ !. فأليس من المنطق والعقل والحكمة أن نبني لهم أيضا وطنا لهذه البيوت يعيشون به بِتفاهمٍ وسلامٍ ويحلّون كل مشاكلهم بالحوار والعقل والحكمة والوعي .. ما فائدة البيت للأولاد في ظلِّ وطنٍ غير مُلائمٍ ولا مُناسبٍ للعيش وتتطلّع للهروب منه بأية فرصة !.

الديمقراطية هي السبيل الوحيد لمبدأ تكافؤ الفُرص والقضاء على كل أشكال الشعور بالظلم والقهر, إذ تتيحُ للجميع حق تحقيق تطلعاتهم السياسية والحزبية والنقابية عن طريق الانتخاب من القواعد الشعبية أو الحزبية أو النقابية (بحسب المؤسسة) وليس عن طريق التعيين بقرارات تمليها السلطات الأعلى . وفي ظل الممارسة الديمقراطية المستقلة والحرّة، الأشخاص المؤهّلين والكفء هم من يصل لمواقع القيادات وهم من ستختارهم قواعدهم وهي ذاتها من تُقصيهم في حال فشلهم أو عدم نزاهتهم .. فمنهج التعيين في الأحزاب والنقابات والمنظمات يلغي دور القواعد الشعبية والجماهيرية ويصادرَ حقوق الناس في تحقيق طموحاتها في هذا الإطار ويفرِض قيادات متسلسلة بشكل دائم لا ترقى للمستوى المطلوب ويتم اختيارها على أسس غير صحيحة (كالمحاصصات والمحسوبيات والواسطات والقرابات والتبنِّي) وقواعدها لا يمكن أن تختارها لو كان هناك حرية انتخابات وديمقراطية .

 

 وهذا كان له الأثر السلبي الكبير على كل الدولة . فالمنظمات والنقابات والأحزاب لا يجوز أن يغيب دورها النضالي الحر المستقل , وتصبحُ كما أية مؤسسة حكومية تُدارُ بالتعليمات والأوامر . ولذا فقد كانت هذه النقابات أعجز من أن تدافع عن حقوق عضو من أعضائها يتعرّض إلى ظلمٍ من مسئول حكومي يتصرّفُ في مؤسسته بعقلية المزرعة ولا يصلح إلا لجرِّ المحراث وفِلاحة التربة مع (ثور) مُشابه . أو الدعوة إلى إضراب أو اعتصام في وجه أية إجراءات حكومية تضرُّ بالطبقات الفقيرة والمتوسطة ، أو بهدف المطالبة بتغيير وزير يدعس على كل المعايير في مؤسسته ..وهو أوّل من يستحق الدعس ..

فالمشكلة لا تكونُ دوما بالأشخاص وإنما بالطريق الذي يسيرون عليه إذ قد يحتاج دوما إلى إعادة تسويةٍ وتوسيعٍ وتعبيدٍ وملء الحُفَر والمطبّات متى برزَتْ . وهي كما القول المشكلة ليست بالسائق ولا بالركّاب وإنما في الطريق الذي تسيرُ عليه العربة المليء بالحُفَر والعثرات . فلعلَّ الجميع في سورية استوعبوا الدرس ويتطلّعون إلى سورية جديدة لا نرى في سجونها سوى اللصوص والمجرمين وليسَ سجناء الرأي والضمير وحرية الكلمة, مهما كان الاختلاف معهم بالرأي . فمن حق كل واحد من أبناء الوطن النشاط السياسي لآخر يوم في حياته .

 

 فالنشاط أو العمل السياسي هو شأن عام ويُفترَض أن يكون هدفه خدمة الصالح العام ولا يجوز الحيلولة دون تمكين أحد من ذلك تحت أي عنوان طالما هو يعمل تحت سقف وطنه وبين أبناء شعبه . فالشعب هو من يحكمُ عليه أخيرا من خلال مدى صدقه ومصداقيته وتفانيه في خدمتهِ فإما أن يمنحهُ صوتَهُ ويرفع من شأنهِ أم لا .. فإن رفَعَهُ الشعب فعلينا أن نبارك له ، وإلا فبماذا يضير أو يضرُّ بنشاطه إن كان لا رصيد له عند شعبه !.

ندعو الله أن تصفى القلوب وتستقر النفوس ونعبر هذه الغيمة الكالحة السوداء التي حجبت عنا كل الأضواء والأنوار فبتنا نخبط ببعض ونتخبّط بدمائنا .. وأتمنى عل كل سوري أن يتأمّل بهذا التعليق الذي وضعهُ أحد أبناء الخليج العربي في أحد المواقع الصحفية الالكترونية يوم 12/2/2015 ، وناشد فيه السوريين قائلا :

(إلى متى أيها السوريون تدمرون بلدكم 24 ساعة منذ أربع سنوات .. أجمل بلاد العرب وتاريخه وعَبَق الماضي .. هل خلَتْ سورية من العقلاء والحكماء .. دول العالم تبني وتُعَمر وتُنتِج وتتجه نحو التطور والرُقي والحياة المثالية وأنتم تُخرّبون بلدكم الذي تربّيتم وأكلتم وشربتم وتعلّمتم وتعالجتم به .. عندنا مثل بالخليج يقول : يا مَن شرا له من حلالِه عِلّه – أي من مالِه الحلال يجلب لنفسه الهلاك والدمار والخراب) يختتم صاحب التعليق ..

https://www.facebook.com/you.write.syrianews

2015-03-17
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد