على ما يبدو أن الحماقة و رعونة التفكير هي من الأمور الملفتة عند بعض الناس , لكن هل الحماقة مرض أو داء , لنتعرف أكثر عن الحماقة و أشكالها و أكثر العرب حماقة عبر التاريخ العربي .
للحماقة مواصفات استثنائية و قد سئل أحد الأئمة عن الحماقة فعرّفها :
الأحمق هو الذي إذا استغنى بطر , و إن افتقر قنط , و إن فرح أشر , إن قال فحش , و إن سأل ألح , و إن قيل له لم يفقه , و إن ضحك نهق , و إن بكى خار .
و قد سئل عيسى بن مريم (ع) أأنت تحيي الموتى فقال نعم بإذن الله , و أنت تبرئ الأبكم فقال نعم بإذن الله فإذاً ما دواء الحماقة فقال هذا الذي أعياني .
لقد كان للعرب صفات للحماقة منها شكلية و منها خلقية , أما الشكلية فهي مصاحبة مع صغر الرأس و طول اللحية إلى السرة , حيث قال أحد الشعراء في ذلك :
إذا عَرُضت للفتى لحية و طالت فصارت إلى سرّتة
فنقصان عقل الفتى عندنا بمقدار ما زاد من لحيته
أما الصفات الخلقية فهي كثيرة منها , العجلة و الخفة و الجفاء و الغرور و الفجور و السفه و الجهل و أكثر درجات الحمق المائح و أكثرها شيوعا الأخرق .
حيوانات عرفت بالحماقة :
عرفت بعض الحيوانات بفعلها الأحمق و أصبحت أمثال اتخذها العرب كقول ( أحمق مثل الذئبة لأنها تدع ولدها و ترضع ولد الضبع ) , أما من الطيور فيؤخذ مثال (النعامة التي إذا مرت ببيض غيرها حضنته و تركت بيضها ) .
أما من النباتات التي ضربت فيها المثل بالحماقة هي البقلة الحمقاء و هي نوع من النباتات التي تنبت في مجرى السيل .
و قد قال الإمام الصادق (ع) : الأدب عند الأحمق كالماء في أصول الحنظل كلما ازداد رياً زاد مراره .
كثيرون في تاريخ العرب عُرفوا بالحمق أشهرهم : حبنقة , ابو غبشان الخزاعي , جحا , عجل بن لجيم , و سنتحدث عن بعض القصص المأخوذة عنهم و عن تصرفاتهم .
عجل بن لجيم من حمقه أنه قيل له : ما سميت فرسك , فنظر إلى حصانه ثم اتجه إليه و فقأ إحدى عينيه ثم قال سميته الأعور .
أبو غبشان الخزاعي الذي استغنى عن أكثر الأشياء قيمة عند العرب و هو في حالة سكر .
فقد اجتمع أبو غبشان مع قصي بن كلاب بالطائف على الشرب فلما سكر اشترى منه قصي ولاية البيت بكأس خمر و اخذ منه مفاتيح الكعبة و سار بمكة قائلاً : يا معشر قريش هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل ردها الله عليكم من غير غدرٍ ولا ظلم .
و قد اتُّخذ أبا غبشان بعد هذا الفعل أنه أندم و أخسر و أحمق العرب بفعلته و قد كتبت أبيات بهذه المناسبة منها :
باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت بزق خمرٍ فبست صفعة البادي
جحا : أما جحا فمن اغرب قصصه أنه دفن دراهم في الصحراء ووضع علامتها ( سحابة تظلها) .
و توالت القصص عن الحماقات و لكن نسمع بعض الأحيان بكلمة ( رعونة ) , سئل احد الفقهاء عن الفرق بين الرعونة و الحماقة فقال : الرعونة مكتسبة فهي تتولد عن مصاحبة النساء فتلحق الرجل من طول صحبتهن فإذا فارقهنّ و صاحب فحول الرجال زلّت عنه , أما الحمق فهو غريزة .
ومن الحديث عن حمق الرجال فلم أجد قصص أو فعال شنيعة عن حمق النساء , لكن هناك إحدى نساء العرب كانت تتمخط بكوعها فكانت أغرب قصة قرأتها عن حماقة النساء .
و لا يمكن دائماً التعرف على الأحمق بسهولة لكن هناك أفعال تدل على حماقة أصحابها .
حماقة قاضي : حكم أحد القضاة بأغرب حكم في التاريخ لما أتى رجل بجناية ليس لها حكم في الكتاب و لا السنة فاستدعى الفقهاء و قال لهم ماذا ترون , فقالوا : الأمر لك ,( فإني رأيت أن أضرب المصحف ثلاث مرات ثم افتحه فما خرج من شيء عملت به ), قالوا له : وفّقت , و فعلاً فعل ذلك و فتح الكتاب فخرج قوله ( سنسمه على الخرطوم ) فأمر بقطع أنف الرجل و أخلى سبيله .
حماقة أحد الخطباء : كان هذا الخطيب يتحدث عن الوقت و قال في خطبته , إن الله خلق السماوات و الأرض في ستة أشهر , فقيل له في ستة أيام , فقال : و الله أرت أن أقولها و لكن استقللتها !!!!.
حماقة نحوي : سأل معلم طالباً عنده في علم النحو عن علمه فقال : قد عرفت النحو إلا أنني لا أعرف هذا الذي يقولون أبو فلان و أبا فلان و أبي فلان , فقال له المعلم : هذا أسهل شيء نحوياً إنما يقولون : أبا فلان لمن عظم قدره و أبو فلان للمتوسطين وأبي فلان للأرذال .
طبعاً كل هذه القصص عن حماقة العرب في ذلك الوقت أما في هذا العصر فنحتاج إلى مجلدات لنحصرها و نكتفي أن نقول أن أحمق فعل قام به العرب في العصر الحديث هو تفريطهم بالأقصى و السكوت عن الجرائم التي تحصل هناك .
أرجو أن لا يكون الحديث قد طال و السلام .