قد يبدو من العنوان أن هذا الطلب سخيف و لا يليق أن يُكتب عنه أي كلمة أو خربشة قلم و أن هناك أشياء أهم للتحدث عنها في ظل الواقع الاجتماعي الذي يعيشه الشباب في بيئة أبت إلّا وأن تُقسّمهم إلى عاطلين عن العمل أو فاعلين منتجين
و قد يجتمع الطرفان مساءً لبعض الوقت على طاولة واحدة للحديث عن همومهم و مشاغلهم و قصصهم و ما سمعوه و ما قرؤوه و ليخرجوا قليلاً من الواقع الذي يعيشون فيه و يمضوا بعض الوقت في لعب الورق .
لكن عجلة الزمن ماضية بسرعة و القدر الذي ساهم في اجتماع هؤلاء الناس على تلك الطاولة لسنين طويلة هو نفسه القدر الذي كَتب عليهم التفريق , فأي شخص في هذه الحياة له طريقه الذي يشقه بيده متجاهلاً كل الروابط التي هو جزءٌ منها و واقعاً فَرض نفسه على أي شخص للبحث عن سبل أفضل للحياة .
هذا هو واقع يعيشه معظم الشباب الذي ينظر إلى أن طموحه في الحياة لن يكتمل إلا إذا تمرّد على واقعه الحالي . و أول خطوات التمرد هي التفكير بالهجرة , و واقع الهجرة ذو منحيين : منحى لإكمال التحصيل العلمي , و الآخر للبحث عن فرصة عمل قرمزية ترضي طموحه اللا محدود .
لكن السؤال ما هي المعطيات التي أدت لهجرة هؤلاء الشباب إلى الخارج ؟
هل تعلم أن العالم العربي يصدّر 50% من الأطباء و 23 % من المهندسين خريجي الجامعات العربية للعالم الغربي
إذا تحدثنا عن الأطباء أنهم نخبة المجتمع العلمي , فاعلم أن الطبيب الذي يُكمل دراساته العليا في المستشفيات الحكومية لنيل شهادة الاختصاص يحصل على راتب لا يستحق منه عناء دراسة تلك السنوات الطويلة و المضنية للوصول لتلك المرتبة , فهذا المبلغ لا يكفيه ما يؤمن له الطعام و المواصلات و لا يتناسب مع تلك المناوبات الخيالية و التي تصل إلى "36" ساعة متتالية دون نوم و لا راحة !!!!.
-أما كلمة مهندس فهو الأكثر طلباً في سوق العمل لكن بدخول الهندسة مرحلة تخصص التخصص , أصبح من الصعوبة إيجاد عمل بالتخصص الذي هو نادر أو غير موجود أصلاً في هذا البلد , ما أدى إلى أن مصطلح ( الهمكي )أصبح مرادفاً لكلمة مكافح في سبيل العمل ضمن الاختصاص .
-أما كلمة خريج اقتصاد قسم محاسبة أصبحت ( شغلة يلي مالو شغلة ) و أن أياً كان يستطيع تعلم هذه المصلحة بدورتين على برامج المحاسبة و لا تحتاج كل هذا العناء , و أصبحت نسبة عدد المحاسبين لعدد السكان تعطي محاسب لكل شخص أو محاسب لكل شخص و نصف بصحيح العبارة ( مبحوتين بحت) !!!.
-ننتقل إلى مجال الصحافة و الإعلام ذلك المجال الذي يدخله الإنسان ليحمل تلك المسؤولية الاجتماعية التي يجب أن يكون بمقتضاها سلطة رابعة و يخرج من ذلك الفرع بلا مسؤولية و بلا عمل أصلاً .
هل تعلم أن عدد خريجي كلية الصحافة في شقيها ( النظامي و المفتوح ) في السنة الواحدة يعادل عدد العاملين في القطاع الإعلامي كله , و الأكثر تعاسة أنهم غير مهيأين لأي عمل إعلامي و أن هذا الفرع لا عمل له داخل البلد و خارج البلد لمن ليس لديه الخبرة .
في الحقيقة هذه أشكال من الشريحة المجتمعية التي تهاجر و هي النسبة الكبرى لما يسمّى بهجرة العقول و التي تثبتها الإحصاءات أن الوطن العربي يساهم في 31% من هجرة الكفاءات .و أن نسبة البطالة هي الأكبر للشباب الخريجين وأن المرأة العالمة العاطلة عن العمل هي في أكبر مستوياتها بالوطن العربي , و أن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون , و أن 75% من الكفاءات العلمية العربية تهاجر إلى 3 دول ( أمريكا – كندا –بريطانيا ).
في النهاية هذه قصتي مع أصدقائي الذين بدؤوا يتناقصون الواحد تلو الآخر لتتلقفهم شواطئ المهجر ولم يبق في الميدان إلا حديدان يعني أنا .
كلمة أخيرة سأقلب الطاولة و أظل في وطني والرزق على الله و السلام .