ينظر للرياح بشكل عام بمنظورين مختلفين , البعض يراها عواصف عاتية تدمر كل من يعترضها , والآخر يراها طاقات متجددة تمنع الصقيع وتولد الطاقة – المزارع الريحية –
كذلك رياح الديمقراطية التي بدأت بتونس وامتدت لمصر ولا نعلم سوف تنتهي إلى أين؟
إن رياح الديمقراطية رأتها بعض الأنظمة مدمرة ومزعزعة للاستقرار والأمن وتهدد النظام , والبعض الآخر يراها مفيدة لتغيير واقع في دول عانت من البيروقراطية , وترهل في النظم وفساد إداري وسياسي مزمن .
وهنا يتضح لنا موقفين متناقضين , منهم من يؤيد التغيير بشكل درامتيكي من الشمولية إلى الديمقراطية , وهذا الأخير لم نرى بعد نتائجه على أرض الواقع , أو مع من يرفض ويتصدى لرياح الديمقراطية بحجة أنها بدعة غربية , أو من يظن أن الشعب لم يصل للنضج السياسي الكافي لممارسة العملية الديمقراطية فيقوم بالوصاية عليه , بذلك اقتصر العمل السياسي على النخب التي استقطبت الأنظمة بعضها ودجنتها , فأصبحت في النهاية فئة انتهازية وجزء منها وأداة من أدواتها .
يظن مما سبق أننا بين تصورين مختلفين لا ثالث بينهما .
أقول : هناك الثالث وربما يعد بعد عملية التغيير في تونس و مصر الأنسب سواء للأنظمة أو للشعوب , لا شك أن الحياة ليست لونين فقط - أبيض/أسود – وكذلك هي أنظمة الدول لا يمكن أن تصنف بتلك المعايير .
في النهاية لا يمكن لأحد أن يدعي الكمال , فأي نظام لدولة من الدول بحاجة لتلافي السلبيات وتدعيم الإيجابيات في عملية متكاملة , تشمل مكافحة الفساد والإصلاح الإداري وكذلك التنمية والتطوير وتحسين المستوى المعيشي للمواطن , وكذلك إصدار قوانين تؤدي لمشاركة أوسع في القرارات السياسية , وأخرى تدعم حرية الرأي والتعبير, وإلغاء قوانين أصبحت معيقة لمسيرة التطوير والتقدم , في هذا على الأنظمة اتخاذ خطوات سريعة وجريئة وشفافة تحاكي العصر , لتلبية متطلبات فئة الشباب التي دخلت عصر الاتصالات والتكنولوجيا من بابه الواسع , واطلعت على تجارب الأمم الأخرى , وتعد الفئة الأكبر في التعداد السكاني العربي .
إن التغيير عملية دقيقة بحاجة لمبضع جراح خبير, ومشاركة الجميع كل من موقعه , وإلا سوف تؤدي إلى عواقب خطيرة , لن يكون المستفيد منها سوى الأعداء والشامتون, وأصحاب نظرية الفوضى الخلاقة .