news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
كان ياما كان .. في غابر الأزمان.. بقلم هديل خلوف

في أزمان بعيدة بعيدة حيث الشمس برتقالية جداً و القمر يبدو كبيراً جداً .. في الخريف المائة و الخمسون تحديداً .. كان هناك أورفيولا و بيدرانو بيناتسيلي ..


كان بيدرانو بيناتسيلي ككل ابن رجل كهف عتيد .. قوي الشكيمة .. مفتول العضلات ..و كان أفضل من يصطاد حيوانات الماموث بين فتيان عصره ..  أما أورفيولا فكانت ككل فتاة في تلك العصر .. مولعة بالثياب المصنوعة من جلد الغزال عطر الرائحة ..

عندما يحين مقتل الشمس كان بيدرانو يصعد إلى الهضبة الواسعة فوق الكهوف ليراقب تلون السماء باللون الأرجواني , اللون الذي يأسره و يجعله مفتوناً .. يستمع إلى موسيقى النبع القريب .. و بغصن شجرة يحاول أن يرسم على التراب الجاف عوالم لا يدري كنهها تطل عليه كلما أتى هذا المكان .. لقد كان صياداً بارعاً نعم .. لكن علةً ما في نفسه تجعله يتوق إلى شيء لا يدري ما هو ..

في هذا المساء و حيث يعلو الدخان من أمام كل كهف , قطع عليه تأملاته صوتٌ لا يمتّ لصوت  أي حيوان يعرفه و أدرك بعد لحظات أن هناك فتاة في الجوار تجمع أشياءً من الأرض ..

كان اللون الأرجواني ينعكس على خصلات شعرها الذهبية الطويلة فيجعلها تضيء .. و أدرك بيدرانو من لونها أنها تنتمي لكهوف  السيراتو  القريبة .. و فيما هي منحنية تقلب الأحجار اقترب منها و قال بصوته الأجش العميق الذي لا يتناسب مع تقاسيمه الدقيقة : إن الضباع و نمور الماموتو تنشط عندما يقترب الظلام , لا يجب على كائن ضعيف مثلك أن يتجول وحيداً ..

التفتت إليه بحدة و نظرت بعيون عسلية بدت كالنار في وهج الشمس الصريعة و قالت : إن من يملك الوردة الحارقة لا يكون ضعيفاً و يستطيع صرع كل الحيوانات ذوات الأنياب !

- و هل تملكين حجر الوردة الحارقة ؟

- أنا أبحث عنه و سأجده , لقد تسللت خلسة إلى كهف جدي و رأيت كيف يبدو حجر الوردة الحارقة .

في تلك الأزمان و إبان اكتشاف النار ( الوردة الحارقة ) من قبل مونوروسيتا الأكبر , احتكر أبناؤه و أحفاده - بعد موته بصرعة دب بني - هذا الحجر و أورثوه لأسرتهم فقط .. و من بينهم جد أورفيولا الذي كان يدور على الكهوف كل مساء ليشعل لهم النار مقابل أن يعطوه حصته من جلد الغزال و لحم الماموث الشهي .

إن أورفيولا و المنتمية لقبائل السيراتو بيض البشرة كانت نادراً ما تغادر كهوف السيراتو لذلك شعرت بالرهبة في مغامرتها الأولى هذه عندما شاهدت شاباً داكن اللون لا يشبه فتيان السيراتو بشعورهم الصفراء .. كانت طريقته بالكلام غريبة أيضاً إلا أنها كانت تفهم ما يقوله على أية حال .

عندما حل الظلام و أورفيولا لم تجد الحجر المنشود .. نظرت إلى الأفق و ارتعدت و شعرت لوهلة أنها لن تستطيع المشي خطوة دون أن يظهر أمامها وحشٌ ما .. أدرك بيدرانو بيناتسيلي ذلك بحواسه الفطرية و عرض عليها المساعدة في إيصالها إلى كهفها و حمايتها من كل وحوش العالم على أن تعده بأن تسمح له بمساعدتها في البحث عن حجر الوردة الحارقة في الأيام المقبلة ..

عندما عاد بيدرانو بيناتسيلي إلى كهوف الأونغلونومو التي ينتمي إليها أدرك أن حياته أصبحت أكثر إثارة , فهو إلى جانب عمله كصياد عند الظهيرة صار لديه عمل آخر مختلف مساءً .. و مع من ؟ مع حسناء من جلدة مختلفة ..

ينص قانون الكهوف في تلك الفترة على أن يتزوج المرء عندما يتم الستة عشرة ربيعاً على أن يكون الزواج من فتاة تنتمي لنفس القبيلة و ذلك حفاظاً على اللون المميز لكل قبيلة .. و بيدرانو لمّا يتم الربيع السادس عشر بعد , لذلك تنحصر مسؤولياته حالياً في الصيد و تعلم كيف يكون رجل كهف شجاع .

أدرك بيدرانو بأنه عند حصوله على حجر الوردة الحارقة سيصبح أغنى من في قبيلته .. لذلك كان عند لقاءاته مع أورفيولا يبحث بجد عن ضالته دون أن يلتفت إلى السحر الموجود في الطبيعة و الذي يتناغم مع جمال أورفيولا التي كانت كربّة من ربّات الجمال الصغيرات .

في إحدى الأيام اقترحت أورفيولا أن يتم البحث ظهراً بدلاً من المساء , لأن الحجر سيبدو واضحاً أكثر في ضوء الشمس .. لذلك تسللت في اليوم التالي هاربة من حشد النساء اللواتي يقطفن الأعشاب و كذا فعل بيدرانو و في هذه المرة ذهبا إلى أماكن أبعد حيث وجدا نهراً تتراصف الحصى في قاعه و تنمو السرخسيات العملاقة على ضفافه , هناك جلسا يتأملان و هداها بيدرانو حلي مصنوعة من أنياب أحد الضواري و بعد قليل بدأت أورفيولا بغناء بديع على أنغام سقوط الماء على النهر من صخرة مجاورة .. ثم توقفت عن الغناء فجأة  لتقول لبيدرانو : أتعلم لمَ أريد الظفر بحجر الوردة الحارقة ؟

- نعم .. لكي تحمي نفسك من خطر الوحوش ذوات الأنياب ..

ضحكت و ضحكت  ثم قالت : هو ذاك .. لقد قررت الهرب إلى هنا .. سأعيش هنا إلى الأبد !

- و .. و القبيلة .. و القوانين ؟

- في الصيف القادم سأصبح زوجة لأوتانيوسا .. أوتانيوسا الفظ الذي يحترق جلده حياً .. أنا لا أريد ذلك .. ثم استطردت لتغير الموضوع بطريقتها الجنونية تلك : أتعلم أن عدداً كبيراً منا لا يحتمل الحر المتزايد ؟ لقد قرر زعيمنا الأكبر الهجرة إلى الشمال لأن الحر أقل هناك .

نظر بيدرانو إلى أورفيولا طويلاً .. في الواقع هو أيضاً لم تعد ترق له بيغالوجي التي ستكون زوجته قريباً بعد معرفته لأورفيولا .. إن بيغالوجي مستكينة عديمة الخيال تماماً كالكثيرات هنا .. هو وجد في أورفيولا شيئاً مختلف .. شيئاً يثنيه عن النظر إليها باحتقار الكائنات القوية إلى الكائنات الضعيفة .. لأن أورفيولا مع أنها تنتمي إلى الكائنات الضعيفة - كما كانوا يسمون النساء في تلك الحقبة - إلا أنها كانت رقيقة و ليس ضعيفة !

لكنه ملتزم بقوانين عصره  و هو مع حبه لأورفيولا كان خائفاً من ضياع لونه الخاص و هذا ما جعله يعتبر زواجهما أمراً محرماً بلا شك ..

في مساء اليوم التالي جاءت أورفيولا راكضة متعثرة إلى المكان المعتاد .. كانت وجلة خائفة و تحمل في يديها حجرين أملسين .. قالت لبيدرانو : هلم إن رجال السيراتو في إثري .. لقد عاهدوا أنفسهم على ألا تظهر الشمس الجديدة إلا و أنا تحت تراب كهفي .

راعه تخيل مشهد دخول الرماح في جسد أورفيولا .. لذلك أخذ أعواد الشجرة التي يرسم بها و أمسك بيدها و مضيا راكضين

في الكهوف التي تعرف اليوم باسم كهوف تسيلي نرى على الجدران لمحات من الحياة التي عاشها بيدرانو بيناتسيلي و أورفيولا .. لقد أنجبا عدداً كبيراً من الأولاد و الأحفاد الذين شكلوا فيما بعد ما عرف بقبائل أتلانتيس و التي تعني باللهجة المحلية الوردة الحارقة .. لقد انقرضت أتلانتيس تماماً في يوم لم تعد فيه الشمس برتقالية جداً و لا القمر كبيراً جداً .. لقد أبيدت تماماً من قبل أحفاد السيراتو و الأنغلونومو الذين اعتبروا أن سكانها ملوثو الدماء ..

لم يبقَ لنا سوى رسوم بيدرانو بيناتسيلي العبقرية على جدران كهوف تسيلي المشهورة ..

 ملاحظة : القصة بأشخاصها و أحداثها و أسماء قبائلها تخيلية تماماً .. عدا رسوم كهوف تسيلي و أتلانتيس ..

2010-10-19
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد