(قد يرى المتفرجون الجراح في رؤوسنا ولكنهم حتما لا يعرفون حجم الألم الذي في قلوبنا)
لا يعرفون ما معنى أن يأتي عيد الشهداء على أطفال استيقظوا ذات صباح ليجدوا أنفسهم بلا أب
لا يعرفون طعم ذلك الفرح المؤلم الذي يعتري قلب كل أم وهي تطلق زغاريد الفرح بالشهادة التي تشرف بها ابن قلبها وروحها .
ربته على أن المواجهة مع عدونا آتية لا محالة وأن مكانه سيكون في الصف الأول للشرفاء الذين سيرجعون الأرض والعرض لنأكل يوما من ثمار الأرض المقدسة دون أن نخاف من غدر من يختفي بين تفاح الجليل ذات آذار دخل إلى أمه قبل أن يمضي
منذ دخل عليها في تلك اللحظة عرفت بأنه شهيد أحست بذلك من الرائحة الزكية لبدلته العسكرية
كان يأخذ قسطا عميقا من رائحة يديها وهو يقبلهما وكأنه سيحتفظ بتلك الرائحة في زوادة قلبه ويجعل منها تعويذة تحميه من كل غدار
أحست أن تلك الرتبة التي تزين كتفيه ستكون أسمى في المرة المقبلة التي ستراه فيها
نعم هي التي كانت تقيم له احتفالا كلما حصل على نجمة جديدة
فأي احتفال ستحضر له وهو يحمل قمرا بأكمله على كتفيه
أحبت دائما ألا يموت ميتة عادية ... أحبت له الشهادة منذ ولادته ... ولكنها حلمت بتراب الجولان مجبولا بدمه
فلم ترد لذلك الدم أن يذرف على أرض سورية غير الجولان
فسوريا هي التي علمتنا دائما ألا نخاف من غدر خائن ونحن نمشي في أراضيها
لم تعلم أبناء قواتها المسلحة أن يحموا ظهورهم وهم على الأراضي السورية فالغدر لايفترض من الناس الذين يعيشون بيننا
لم يتوقعوا أن تأتيهم رصاصات الغدر من أناس يمشون معهم بنفس الشارع وربما يشربون نفس الماء وينعمون معهم بنفس النعمة ( نعمة الأمن والأمان )
عندما تدربوا على حمل السلاح حلموا بلحظة يستخدموه فيها لتفجير كل اسرائيلي على الأرض المقدسة
فلماذا يكون نصيبهم أن يموتوا برصاص أناس باعوا وطنهم بالقليل القليل
فسوريا أغلى من كل نفائس الدنيا كيف تبيعوها ببضعة قروش
كيف تستبيحون ذلك الدم الحرام على هذه الأرض الحرام .. أرض سوريا الغالية
كيف تنجرون وراء أناس بالكاد يحملون شهادة محو الأمية ليستخدموها في محو التاريخ
من هم ؟ وأين هم ؟
هل يستيقظون مثلنا كل صباح على فيروز سورية ...
وهل يحتسون القهوة الشامية الأصيلة قبل أن يبدؤوا نهارهم
وهل يقبلون أيادي أمهاتهم قبل أن ينطلقوا إلى أعمالهم
هل يشتمون مثلنا روائح الياسمين الشامي المتعربش في ذاكرة كل سوري
كم مرة يقولون في النهار جملة ( السلام عليكم ) ؟
هذه التفاصيل التي نعيشها معا يوميا ربما لا تكون مهمة بنظرهم ولكنها بالنسبة لنا (سوريتنا )