لعل كل من يتعاطى الإعلام - بلغة المدمنين - يعلم أن ليس هناك إعلام حر بكل ما تعنيه كلمة الحرية من معنى , فالمسألة نسبية
ونتفهم أن التعامل مع المعلومة يكون كل حسب حارس البوابة قي كل وسيلة – الرقيب – أو الخط الذي تتبعه الوسيلة , حيث أن الهامش المعطى لكل وسيلة يحدد مساحة التعبير عن الرأي فيها , ويتناسب طردا معه سواء اتسع ذلك الهامش أم ضاق , ليخدم أجندة الجهة مالكة الوسيلة , فكان الإعلام في السابق يتعامل بطريقة دس السم في العسل (كثير من المعلومات الصحيحة وقليل من الكذب ) ويمرر رسالته لتحدث ذلك التأثير في المتلقي , بهذا المعنى ظهرت على الساحة الإعلامية وسائل إعلامية يبدو الهامش الذي تلعب به عريض , بحيث أن من يتعرض لها – يشاهدها - يعتقد أنها تعتمد الموضوعية و المهنية الإعلامية .
وسائل كانت بخجل وبطريقة علمية تستعمل أساليب غير مشروعة لتمرير رسالتها , مستخدمة التقنيات الحديثة و إمكانات التلفزيون وميزاته بحرفية عالية .
أقول كانت ؟
هذه الوسائل ما فتئت تنتقض الإعلام الرسمي , وتتبجح بالموضوعية وشعارات - الرأي والرأي الأخر , وأن تعرف أكثر – شعارات تبارت فيما بينها على إطلاقها , فأسست قاعدة شعبية , حتى باتت و لمرحلة قريبة مضت هي المصدر الوحيد للمعلومة و الخبر , فهجر المشاهدين شاشاتهم المحلية الشرعية إلى أحضان الشاشات اللعوب , لأنهم وبكل بساطة , وجدوا عندها ما فقدوه عندهم , وأحسوا أن هذه الشاشات أو القنوات الفرنجية و مستنسخاتها , تشبع حاجاتهم وتلبي رغباتهم وتعبر عن رأيهم المكبوت وتصرح بما تكن به صدورهم .
إلى أن جاء ما يسمى الربيع العربي , فكشرت هذه القنوات عن أنيابها , وصرحت عن هويتها , و عذرا من القراء – طيزت على الموضوعية – وتبرزت على المهنية , وتبرأت من الأخوة والصداقة , كل ذلك تنفيذا لأوامر أسيادها وكسب رضاهم .
فاستبدلت آلات تصويرها بكاميرات الجوالات , ومراسليها بشاهدين الزور (العيان) وناشطين حقوقيين وسياسيين لا علاقة لهم بهذه التسميات لا من قريب ولا من بعيد , و أوقفت برامجها , لتتفرغ نشراتها الإخبارية لعرض كل ما هب ودب , وبث لقطات ليس لها علاقة لا بالمعايير الفنية ولا المهنية ولا الأخلاقية ولا علاقة لها حتى باحترام مشاعر المشاهدين وذكائهم , وفي بعض الأحيان لا علاقة لها بالفهم .
فأصبحت العملية الإعلامية فوضى – سلطة – ولم تعد مقيدة لا بقواعد ولا بمهنية ولا ..............؟
أصبح الإعلام ( فضاء كل مين أيدوا ألو)
تابعت هذه القنوات نهجها وحقدها , بغرس نابها الأزرق في جسد الأمة , غير مبالية بالفوضى التي تخلفها والأحزان التي تصنعها , والجرائم التي ترتكبها , مستعينة بكل وسائل الدمار الشامل النفسية والفكرية والأبواق المأجورة وعملاء من الداخل والخارج , والخلايا النائمة والمخدرة والصاحية , بطريقة منهجية لشن حرب إعلامية تكون فيها أداة لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة , لتحقق كل واحدة من هذه القنوات أهدافها وبالتالي أهداف القائمين عليها وأسيادهم كل حسب أجندته , أكان ضغطا سياسيا , أو مصالح اقتصادية أو انتقاما أعمى , أو ثمنا للبقاء على كرسي الحكم , وهنا أقف لحظة لأذكرهم بالقول – أكلت يوم أكل الثور الأبيض – والقصة العبرة التي تمخض عنها هذا القول ؟
وللنكتة ...سوف أذكر لكم آخر ما تمخضت عنه السياسة الأمريكية الغبية , والمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية المحقق (النزيه أوكامبو) , وجاء بخبر عن طريق وسيلة إعلامية- عبرية – عربية , يقول مفاد الخبر أن الزعيم القذافي يوزع على قواته المنشطات ( الفياغرا ) ليقوموا بحرب اغتصاب , ليواجه بهذا السلاح مقاتلات الحلف الأطلسي , والثوار الليبيين !!؟؟؟
أيها القراء : لقد سقطت اليوم قنوات الرأي الحر من قمة مزبلتها بقفزة حرة دون مظلة ؟
أزف إليكم وبكل سرور خبر سقوط هذه القنوات , أعظم الله أجركم بالإعلام (الحر) , ولا أفجعكم بعزيز .