news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
وقد مات عطشاناً ... بقلم : أسماء أكتع

في مساء الثالث عشر من أيار في عام 1997... دخل "مدحت" إلى منزله مبتهجاً، سعيداً، كانت الفرحة والسرور تغمران قلبه ، فهو وبعد أن أتم الربيع الخامس والأربعين من حياته، أتى اليوم الذي يحتفل به بالذكرى السنوية الأولى لمولد حفيده الأول "مدحت" من ابنه البكر "عامر"...


حضرت زوجته مرحبةً بعودته من العمل ،أما هو وبينما كان يداعب حفيده ، طلب من زوجته  أن تحضر له طبقاً من التبولة...

*مدحت: حفيظة..اسكبيلي صحن تبولة.. والله منظرها بيشهي كتير..

 

* حفيظة: أي بس لسا ما زيّتتها، لأنه ما أجوا المعازيم

* مدحت: الله يرضى عليكي يا حفيظة والله اشتهيت آكل لقمة تبولة من تحت دياتك ..

أما الزوجة وبدورها  فقد ذهبت وأحضرت طبقاً من التبولة لزوجها.. أخذت الطفل منه وغادرت لتكمل تجهيزات الاحتفال..

وهنا تراءت امام ناظري مدحت الحادثة التي حصلت في عام 1973م...

 

فقد كان مدحت جالساً في اجتماع عائلي ؛ والده، والدته ،إخوته وأخواته، وحتى زوجته وابنه.. يتجاذبون أطراف الحديث، في ذلك الوقت من العام تكون الحرارة مرتفعة جداً ،وكما يقال ((بتموز، بتغلي المي بالكوز))،وإذا بأم مدحت تقول لأبو مدحت :

 

(أبو مدحت... الله يوفقك صندوق الكازوز فضي، عبيلي ياه بس تنزل عالسوق)

 فهي مولعة ولعاً شديداً بالمشروبات الغازيّة... عندما قالت هذه الجملة؛ نظرت إلى ابنها مدحت،  على اعتبار أنه يمتلك بقاليّة ..النصيب الأكبر فيها للمشروبات الغازية، ومع هذا فإن عزّة نفسها لم تسمح لها بأن تطلب هذا الطلب منه، نظر إليها أبو مدحت  وقال ساخراً

 

  ( أي ليش ما تطلبي من ابنك مدحت؟؟)

تمتمت أم مدحت قائلةً: ( أي ليش هو عم يلحق لابنه ومرته لحتى يتذكر أمه؟)

وهنا تدخّل مدحت :

( يعني شو القصد؟ عم تسمعيني لحتى عبيلك صندوق الكازوز؟ أي إذا حضرتك ما سمحتلك نفسك تطلبي مني أنا ما رح جبلك  إلا لتطلبي ،ولا قلك...روحي قولي لابنك المدلل عزت يعبيلك ياه)

 

وعندها اغرورقت عيني الوالدة بالدموع، فقد اعتبرت ما قاله مدحت إهانة لها أمام بناتها..أزواجهم.. أبنائها وزوجاتهم..وحتى أحفادها.. وقالت:

( يعني ابنك الفصعون عامر أحسن مني لحتى تجبله بدون ما يطلب منك؟ أي هاد العفريت الصغير بيلحق كل يوم على صندوق كازوز كامل ،وعم تبخل عليي أنا، أي روح الله يعدمك ياه)

وعندها احتدّ مدحت وقال: عم تدعيلي على ابني الوحيد؟) وصرخ مزمجراً :( أي والله لو بشوفك عم تموتي من العطش ما رح أسقيكي نقطة مي )

 

في هذه اللحظة أجهشت الأم بكاءً، وقد أصبح لون وجنتيها كلون تفاحةً حمراء، مخمليّة .. وقالت : ( روح يا مدحت يا ابن قلبي ...إن شاء الله بتموت عطشان وما بتلاقي مين يسقيك نقطة مي)..

خرج مدحت من المنزل ، غاضباً..مستنكراً لما قالته أمه..هائماً على وجهه، وهنا وجد الانقطاع..فهو لم يعد يهتم لأمر والدته ولم يعد يسأل عنها... إلى أن توفيت بعد سنة من الحادثة  وقلبها ممتلئ بالغضب على ابنها مدحت...

 

وبالعودة إلى عام 1997م وبعد أن تناول مدحت طبق التبولة، شعر بضيق ٍ شديد ٍ في صدره، وجفاف في حلقه، فأخذ يصرخ منادياً

(حفيظة...لك يا حناااااااان ...حدي يجبلي كاسة مي ، عطشاااان....لك شو وينكووووون)

ولكن الجميع كانوا منهمكين بتحضير لوازم حفلة عيد الميلاد..وأما بالنسبة له ،،فلا حياة لمن تنادي..وبعد طول انتظار ..حضرت ابنته حنان، حاملة كوب من الماء ، واقتربت من أبيها .. وعندها ...أصبح مدحت يردد قائلاً :

 

  ( أمي... شفقتي عليي ورح تسقيني مي؟ سامحيني يامو... مشان الله سامحيني)

تفاجأت حنان  بكلمات والدها وقالت :( يابي ..هي أنا بنتك حنان ..أنا مو أمك ..يابي خود شراب نقطة مي ،الله يوفقك شراب...يابي..أبي...أبييييييييييي)

لكنه لم يستطع أن يتناول قطرة ماء واحدة ؛ فقد اصفرّ وجهه، وجحظت عينيه، وتشققت شفتيه.. لفظ أنفاسه الأخيرة...فارق الحياة...وقد مات عطشاناً...

بسم الله الرحمن الرحيم (ولا تقل لهما أفٍّ *ولا تنهرهما* وقل لهما قولاً كريماً* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة* وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا)

 

الأم هي مخلوق  عظيم ، خلقت لتمدنا بدفء  العواطف، ولتمنحنا الحنان والقوة في لحظات ضعفنا ،لهذا ..وُضعت الجنّة تحت أقدامها ،دعواتها...لا حجاب بينها وبين ربها، غضبها..يزلزل العرش زلزلةً ،لهذا علينا أن نراعي مشاعر أمهاتنا، وأن نأخذ العبرة والموعظة من تجارب الذين قبلنا، حتى لا نقع بنفس أخطائهم ...

 

أدام الله أمي وأمهاتكم أجمعين..

 

 Little princess

 

 

2011-09-10
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد