أسمى معاني الحب هو أن يشعر الإنسان بحاجة لشخص ما بحيث أنه يقول وبأعلى صوته "فلتأتي ألي...فأنا احتاجك لبعض الوقت...بعض الوقت ليس أكثر،احتاجك لأختبر نبضاً معطلاً ،لا تقلق..لا شي اكثر من هذا..لا شيء يستحق أن يذكر سوى لحظة ترف أسمع فيها صوتك....ليس اكثر .
وإليكم أعزائي هذه القصة البسيطة التي توضح جزءً من أسمى معاني الحب
بعد واحد وعشرين سنة من زواجي،وإخلاصي لزوجتي،وحبي لها،وجدت بريقاً جديداً للحب،هذا البريق جعلني أتعلم أسمى معاني الحب، فمنذ فترة بدأت أقضي الوقت مع امرأة غير زوجتي، والغريب أنها كانت فكرتها..
حيث بادرتني بالقول:"إنني أعلم جيداً كم تحبها، وأعلم أنك لا تستطيع العيش بدونها".
كانت تلك المرأة هي أمي...التي ترملت منذ تسعة عشر عاماً، وبقيت وحيدة في منزل أبي بعد وفاته ، تعانق ذكرياتها..
في بداية الأمر كنت أزورها مرة أو مرتين في الأسبوع..ولكن مشاغل الحياة والعمل ومسؤولية ثلاثة أطفال جعلتني أزورها نادراً...وفي ذات يوم شعرت بقلق شديد عليها، واشتياق فظيع لحنانها، وللمسة يديها، فاتصلت بها في وقت متأخر، لن أستطيع أن أنسى صوتها الملائكي عندما قالت : *ألو...
_ مرحباً أمي..
*أهلا عزيزي..ماذا هناك؟؟لم تتصل بهذا الوقت المتأخر؟
فأجبتها :_ ليس هناك ما يدعو للقلق، لكنني اشتقت لك يا أمي...وأحببت أن أقضي وقتاً معك..هل تقبلين دعوتي للعشاء في نهاية الأسبوع؟
سألت متعجبة: *لوحدنا!!.
فأجبتها:_ نعم يا امي...أنا وأنت فقط.
فقالت ودون تردد : * طبعاً أوافق ...وأنا بشوق لنهاية الأسبوع
في اليوم الموعود وبعد عودتي من العمل...دخلت غرفتي واخترت أجمل ثيابي...وارتديتها...وعند وصولي إلى منزل والدتي...رأيتها...والحماسة الظاهرة في عينيها كحماسة طفل صغير ينتظر أن يصطحبه والده لشراء دمية جديدة...
وقد كانت ترتدي آخر ثوب اشتراه لها والدي قبل وفاته...وعندما وصلت إلى جانبها قالت لي :*أخبرت الجميع أنني سأخرج على العشاء معك يا بني.. والجميع شعر بالسعادة من اجلي،وهم بانتظار ما سأرويه لهم بعد هذه الليلة... وعندها تشيثت بذراعي ومشت بكل فخر كأنها السيدة الأولى.. وعند وصولنا إلى المطعم وجلوسنا على الطاولة... تناولت قائمة الطعام وبدأت بقراءة أنواع المأكولات لوالدتي، حيث أن العمر قد أخذ منها ما كانت تستطيع فعله ،ففي سنها الكبير هذا لن تستطيع رؤية الأحرف الصغيرة..
وبينما كنت أقرأ لها، نظرت إليها....فإذا بها تنظر لي وتبتسم ابتسامة عريضة مليئة بالحنان..وتقول :* عندما كنت صغيراً كنت أقرأ لك...
فأجبتها :_ نعم يا اماه ..والآن قد أتى دوري...
في تلك الليلة تبادلنا الأحاديث كما ما لم نفعل من قبل..ومن شدة انسجامنا بالحديث نسينا الوقت...إلى أصبح بعد منتصف الليل..
وفي نهاية الليلة عندما اوصلتها إلى المنزل... حضنتني وقالت...* أنت لا تعرف كم عنت لي هذه الليلة ومدى سعادتي بقضائها معك يا بني ..
ثم نظرت بعيني وقالت: * سأقبل دعوتك مرة آخرى ..ولكن في المرة القادمة أنا من سيدفع الحساب..
و عندها ضحكنا معاً ..وقبلت يدها وعدت إلى المنزل...
بعد يومين من هذه الليلة توفيت أمي بنوبة قلبية...كان الأمر سريعاً..ولم أستطع أن أفعل شيئاً يقيها من الموت...
كنت حزيناً ..مدمّراً.. حين وصلني عبر البريد ورقة من المطعم الذي تعشينا به تلك الليلة مع ملاحظة مكتوبة بخط يد أمي...
" ولدي الغالي... دفعت الفاتورة مقدماً للعشاء لشخصين...أنت ...وزوجتك...لأنك لم تكن لتعلم معنى تلك الليلة بالنسبة لي... أحبك".
وحينها انهمرت دموعي على عرض خدّيّ وشعرت بمعنى الحب الحقيقي... ندمت على كل لحظة لم أقضها مع امي.. لكن روحها معي ..وستبقى معي ما حييت، فحين لا يتبقى أي شيء من الماضي البعيد، بعد موت الأشخاص وزوال الأشياء..إن الرائحة والنكهة وحدهما يظلان أمداً طويلاً..أكثر ليناً، ودواماً واستجابة كأنهما روحان تتجاوبان ..تنتظران..تتمنيان..فوق أنقاض كل ما هو باق..لتحملا _دون ونى_ قي تقطرهما الدقيق...صرح الذكرى العتيد.
أطال الله أعمار والداتكم أعزائي القراء وأطال بعمر والدتي الغالية أم عبد الله.
شكر خاص للصديق الأستاذ بشير هيكل المحترم الذي منحني فكرة القصة...
دمتم سالمين.
little princess