news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
قصص قصيرة
كما تُدين...تُدان ... بقلم : أسماء أكتع

في هذه اللحظات...وبينما كان فتحي مستلقياً في بئر المجارير..بين أكوام القمامة ، والجرذان تطوف حوله، كحيواناتٍ مفترسةٍ تطوف حول فريستها بانتظار اللحظة المناسبة للهجوم... دون حول منه ولا قوة للحراك...


فبعد أن صدمته السيارة، وحطمت دراجته حتى أصبحت هشيماً مندثراً.. دفعته إلى بئر المجارير..كي يموت وتموت قصته معه ؛ ولكن لا... على فتحي أن يتذكر قصته ؛ عليه أن يتذكر سبب نقمة ربّه عليه ؛الذي جعله ينتهي نهاية كهذه النهاية...

 

قصّة فتحي أعزائي ...هي قصّة أدمت قلبي قبل أن تدمي قلوب سامعيها..فأحببت أن أسردها لكم..علَّ وعسى تجدون فيها العبرة كما وجدتها أنا...

فتحي...هو رجل في العقد السادس من عمره ؛ هو أكبر إخوته ، عاصر ظلم والدته من أبيه، وافتراءه عليها منذ الصغر، قرر الانتقام منه، ومحاسبته ، دون الاعتبار بأن قدرة الله هي الأكبر.. وكما يُقال :" لا تُحاسب... فالله خير مُحاسب"...

 

كبر فتحي ؛ تزوّج وأنجب أولاداً ،وحظي بأحفادٍ، توفّيت والدته؛و أصبح والده شيخاً كبيراً، هرماً ، لا يقوى على الحركة ،ومع هذا فإنَّ الحقد والغلَّ اللذان يسكنان قلب فتحي ؛ لم يذهبا أبداً، بل كان كلما رآى والده ضعيفاً، مهزوماً ، شعر بقرب لحظة انتقامه، واسترداد حق والدته المسلوب...

بينما فتحي في المجارير... يلفظ أنفاسه الأخيرة...تراءت أمامه صورة والده ؛ الذي يقبع في زاوية من زوايا الغرفة المظلمة التي  وضعه فيها ؛ دون طعام أو شراب.. وتذكر الحادثة التالية...

 

((في ذات يوم ، حضرت أخت فتحي لزيارة والدها ،وأحضرت معها طعامه المفضّل ،" مقلّى بفول ولبن"، وحينها...دار الحوار التالي ...

*الأخت:( مرحبا أخي..كيفك؟؟ إن شاء الله بخير؟)..

*فتحي:( أهلين أهلين.. شو جايبة معك؟؟)..

*الأخت :( مقلّى بفول أخي ..بعرف أنّه أبوك بيحب هالطبخة، قلت لحالي بطبخها وبجيبها معي ، والله يا أخي الفول بلدي ومتل الزيز، والطبخة طالعة بتشهي ،خليني طعمي أبوك لقمتين ، اسمها الطبخة سخنة)..

 

وعندما أمسكت الابنه لقمة لتضعها في فم والدها...قال فتحي باحتداد....

*( أي أبوكي مو جوعان، من شوي أكل ، بعدين مين قلك تجيبي أكل معك؟؟، أنا مو مقصّر عليه بشي)

ثمّ نظر إلى والده  وقال :( أنت قلتلها؟؟ والله لورجيك الويل والله )..

 

*الأخت :( بس والله أبي مبيّن عليه جوعان ...يابي جوعان أنت مو؟؟ خود كول هاللقمة من إيدي)..

عندها نطق الأب بشفتيه العجوزتين..خائفاً، مرتجفاً :( ما بعرف يابي..اسألي فتحي..إذا قال أني جوعان..بكون جوعان)..

وعندها تدخّل فتحي  وصرخ مزمجراً... (لك شو ما بتفهمي أنتي؟؟ قلتلك هلق طعميته ، هاتي هاللقمة من إيدك لشوف.. وروحي حطّي الأكل عالمجلى ، أنا بطعميه بس يصير وقت أكله)..

 

*الأخت :( حرام عليك يا أخي هالظلم يللي عم تظلمه لأبوك.. والله لينتقم الله منك شديد الانتقام)..

*فتحي :(  والظلم يللي ظلمه لأمك مو حرام؟؟ مو حرام كيف كان كل يوم والتاني يقتلها كل قتلة بفلس  ويزتلها غراضها من الشبّاك مشان يخلّصها مصاريها وينقبر على  قلبه عالمقمرة؟؟.. أي سكتي وبلا حكي فاضي.. قال ينتقم قال...)

 

وعندها ...وضع الأب كلتا يديه على وجهه ، وأجهش بكاءً دون أن ينطق ببنت شفّة...

غادرت الأخت المنزل وهي تقول.. : ( الله يسامحك يا فتحي؛ ويعينك على آخرتك )..

وقبل  أن يغادر فتحي مستودع البضائع الذي يضع والده فيه؛ تناول طبق الفول على مرآىً من والده ، دون أن يطعمه لقمةً واحدة ً ، وبعد انتهائه... أطفأ الكهرباء، وأجهزة التدفئة، على الرغم من أنه كان فصل الشّتاء، وكانت السماء تُثلج في الخارج ، وذهب لينام في فراشه الدافء إلى جانب زوجته، قرير العين ، مطمئن البال...

 

في اليوم التالي ... حضرت أخت فتحي لزيارة والدها ؛ حاملةً بحقيبتها سندويشة " شاورما "، دخلت الأخت ؛ قبلت جبين والدها ... ثمَّ همست في أذنه قائلةً ..:( يابي...اشتريتلك سندويشة شاورما... خبيها.. وبس يروح فتحي طالعها وكلها..)..

فرح الوالد..تناول السندويشة وخبأها في (عبّه) ؛ولم يتمكّن من إخراجها  لأن فتحي لازمه في المستودع طوال النهار..

 

وفي مساء اليوم ذاته...وبعد أن غادر فتحي المستودع ؛ شعر الوالد بالحاجة لدخول الحمّام ، فذهب لقضاء حاجته..متلمّساً جدران المستودع، لانعدام الضوء فيه ، إلى أن وصل إلى بيت الخلاء.. وبما أنَّ عقل الوالد كان قد ذهب وتراجع لكبر عمره ..نسي بأنه وضع السندويشة في (عبّه)، فوقعت في بيت الخلاء ..وتلوّثت بقذارته.. وعندما انتبه الوالد إليها.. أخذها وبكل لهفة.. وبدأ بتناولها ؛ دون أن ينظر لما علق بها نتيجة سقوطها .. وعلى غير انتباه لما يأكله مع محتواها .. فإنَّ (الجوع كافر) كما تعلمون أعزائي ....

بعد عدّة شهور... توفّي   والد فتحي من شدّة البرد.. فقد جمد الدّم في عروقه.. وتصلبت شرايين قلبه الهرم .. وأكل البرد عظامه..))

 

وبالعودة إلى فتحي ... الذي بقي في بئر المجارير منذ الساعة الثالثة بعد منتصف الليل ، وحتى الساعة التاسعة صباحاً ، حيث كانت الجرذان قد تناولت ما استطاعت من أعضائه المحطمة ، وهو بكااااااااامل وعيه وإحساسه بالألم... وأكلت لسانه ..الذي قذف ، ورمى ، وشتم به والده...

رآه عامل النظافة بعد أن سمع صوت أنينه وآهاته ،اتصل بالإسعاف ، ونُقِل فتحي إلى المستشفى ؛ بعد أن قضى ست ساعات ونيّف ، مع الألم المبرح في ( المجارير المظلمة)...

 

بعد عدّة ساعات...توفّي فتحي  على سرير المستشفى البارد ..وعيناه ملآى بدموع الندم ؛ بعد معاناة من شدّة الألم ؛ ولوم لنفسه على ما نقم ؛ وندم لأنه حاسب والده ولم ينتظر حساب الحكم..

 

قال  رسول الله  صلي الله عليه وسلم لعبد الله بن أبيّ ؛ وقد طلب من النبي أن يقتل أباه بصفته رئيس المنافقين ؛ فلم يرضَ النبي صلى الله عليه وسلم وقال  له ..:( بر أباك...وأحسن صحبته)..

 

هذه هي قصتي أحبائي... أتمنى أن تنال إعجابكم.. وأن تكونوا قد نلتم منها الفائدة .. وأن تكون بها العبرة لمن يعتبر ..

ودمتم سالمين...

Little princess

2011-09-22
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
المزيد