news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
شؤون قومية سورية (الجزء الثالث ) : ما هي القومية (الأمّة ) و هل يوجد أمّة سورية ؟...بقلم : نزار علي

ناقشنا في الجزئين الأول و الثاني من هذه المقالة موضوع إلحاح البحث في الشأن القومي للشعوب وناقشنا عدم صلاحية النظرية القومية العروبية , و في هذا الجزء الثالث و الأخير سنتطرق لموضوع الأسس الحقيقية لنشوء الأمة وحقيقة وجود أو عدم وجود أمّة سورية


لا بد من ملاحظة أن لفظ القومية يعبر عن الرابط الذي يجمع الأمة أي أن عبارة القومية الواحدة بأحد مرادفاتها هي الأمة الواحدة و كما ورد سابقا القومية هي يقظة الأمّة وتنبّهها لوحدة حياتها ولشخصيّتها ومميّزاتها ولوحدة مصيرها. إنّها عصبيّة الأمّة. (8)

 

وفر علينا أحد أهم الباحثين في الشأن القومي على المستوى العالمي في بدايات القرن الماضي عناء البحث و التمحيص في الدراسات الإنسانية و الاجتماعية العالمية فيما يتعلق بالشأن القومي للأمم و هو أنطون سعادة مؤسس النظرية السورية القومية الاجتماعية .....

ففي كتابه نشوء الأمم الذي يعتبر أول كتاب علمي ناقش الشأن القومي استند إلى أدلة مادية واضحة و ابتعد عن الأهواء الشخصية أو الشعوذات الفكرية و ابتعد عن المصالح السياسية الضيقة التي كانت الصفة الغالبة في التيارات الفكرية في تلك الحقبة

 

يعّرف أنطون سعادة (الأمة) كما يلي :

الأمّة جماعة من البشر تحيا حياة موحّدة المصالح، موحّدة المصير، موحّدة العوامل النّفسيّة الماديّة في قطر معيّن يكسبها تفاعلها معه، في مجرى التّطوّر، خصائص ومزايا تميّزها عن غيرها من الجماعات. (9)

يمكن أن نستنتج عناصر القومية (الأمة ) بشكل عام هي :

أولا :الوطن أي الحيز الجغرافي أو الأرض المتجانسة و المتصلة فيما بينها نسبيا و لها حدود طبيعية تقوض احتكاك الجماعات نسبيا مع خارج الحدود الطبيعة و تعزز الاحتكاك الجماعي المتبادل داخل الحيز الجغرافي .

ثانيا : جماعة من البشر تعيش حياة موحدة المصالح من الناحية الروحية و المادية تفرضها الأرض و البيئة و الجغرافيا

ثالثا : دورة الحياة المشتركة التي تحتم احتكاك الجماعات الموجودة في إقليم معين مما يؤثر على شخصيتهم و عاداتهم و أسلوب حياتهم و يطبعها بطابع معين مما يكسبها خصائص و مزايا مختلفة عن غيرهم من الأقوام الذين يعيشون في أقاليم أخرى

رابعا : وعي هذه الجماعة لمصلحتها في الاشتراك في دورة الحياة مما يخلق إرادة الجماعة في تكوين الأمة .

 

كيف تنشأ الأمة ؟

عندما يكون هناك أرض غير مقطعة الأوصال جغرافيا لا تعيق التواصل بين الأفراد و الجماعات الذين يعيشون عليها و لها حدود طبيعة و الأهم من ذلك عندما تقوم هذه الأرض بإكساب الأفراد اشتراكا في دورة الحياة أكثر عدم اشتراكهم فيها و تقوم بتوحيد مصالحهم الجماعية خلال فترة طويلة نسبيا من الزمن نقول أن هؤلاء البشر الذين يسكنون هذه الأرض يشكلون أمة واحدة بشرط توفر الوعي القومي و الشعور بشخصية الأمة من قبل أفراد هذه الأمة , فاحتكاكهم فيما بينهم و تفاعلهم مع الأرض (الوطن ) يكسبهم صفات مشتركة مميزة عن غيرهم من الجماعات في الأقاليم الأخرى ..بسبب إكساب هذا الاحتكاك و التفاعل تراكم خبرات و ثقافات و عادات وتقاليد وقبول متبادل ببعضها عبر العصور مما يُحدث نوع من التماثل في نمط الحياة و نوع من توحيد للمصالح المادية و الروحية لهذه الجماعات و التي قد تتضارب هذه المصالح مع مصالح الأمم الأخرى .

تبدو محددات الأمة التي اعترفت بها هذه النظرية أكثر منطقية من محددات الأمة في النظريات القومية الأخرى التي استندت إلى عنصر السلالة أو الدين أو اللغة و هذه النظرية مدعّمة بدلائل حسية لا مجال لذكرها الآن تفاديا للإطالة و لكن يكفي سحب هذه النظرية و دراسة ملائمتها للواقع لنلاحظ مدى صوابية هذه النظرية ...

حكاية الأمة السورية :

أثبتت الدراسات التاريخية المدعمة بالأدلة المادية على وجود الإنسان في هذه الأرض مبكرا ...و أثبتت أيضا أن الحضارات الأولى نشأت على ضفتي نهر دجلة و الفرات حيث امتهن الإنسان الزراعة في البداية و كان الوجود البشري على شكل جماعات منتشرة هنا و هناك ...و بسبب ميل الإنسان التلقائي للبحث عن شروط معيشة أفضل كانت الجماعات تتحرك و تتفاعل و تهاجر ضمن هذا الحيز الجغرافي بحثا عن عوامل بيئية أفضل كون البيئة كانت المحدد الأساسي (ولازالت ) لإنتاج الإنسان و نمط حياته و شخصيته ..و لكن تحرك الجماعات كان ضمن قطر معين حيث كان التحرك يصطدم بجبال زغروس شرقا مما يؤدي إلى ارتداد الجماعات إلى الداخل و يصطدم بجبال طوروس شمالا مما يجعل الجماعات ترتد أيضا و كان التحرك ينتهي عند شواطئ البحر المتوسط و صحراء سيناء غربا و يصطدم بقوس الصحراء الرملية جنوبا فليس لأحد مصلحة بهجرة أرض غنية معطائة نحو أرض قافرة ميتة ...

إن هذه التحركات بحثا عن شروط حياة أفضل كما قلنا كانت ضمن حيز جغرافي معين و هو ما يسمى الهلال الخصيب (سوريا الطبيعية أو سوريا الكبرى ) مما أوجد عملية التفاعل و الاحتكاك بين الجماعات و ساعد على هذا التفاعل و الاحتكاك وجود نهرين عظيمين يصلان أراضي هذا الإقليم ببعضها و يعزز التواصل . في البداية كان هذا التفاعل وحشي مالبث أن تحول إلى تفاعل إيجابي عن طريق تبادل الخبرات و السلع و التخصص في الإنتاج فقد لاحظ الناس أن لهم مصلحة في التعامل فيما بينهم إن هذا التعامل جعل الجماعات البشرية التي تعيش في هذه البقعة تكتسب مزايا خاصة و جعل هذه الجماعات تنتقل ضمن العصور التاريخية (عصر حجري , معدني ....الخ ) بشكل متزامن و تتطور بشكل متزامن و تتشابه في نمط الحياة إلى حد كبير وتتشابه في المزاج و التراث الفني .. و بدأت تنشأ الشخصية القومية السورية شيئا فشيئا و بدأت تظهر أعظم الحضارات على وجه التاريخ مستفيدة من خصب الأراضي ووجود الماء بوفرة..إنها الحضارة السورية القديمة ..سبقها ظهور اللغة لأول مرة في التاريخ في هذا...و نتيجة لتوق الإنسان السوري المتميز نحو التطور استطاع أن يخترق حاجز البحر و يصنع السفن بحثا عن توسيع الآفاق معبرا عن شخصية الأمة السورية الحضارية و المتقدمة ...في سوريا بدأت التجارة و في سوريا صنعت اللغة و في سوريا وضعت القوانين الأولى ..الأساطير الأولى ألفت هنا , حتى أول نوتة موسيقة كتبت في سوريا ..من هنا بدأ التاريخ الحضاري للإنسانية جمعاء ...

هاجرت بعض الجماعات من الصحراء و غيرها و استقرت في الأرض السورية فصهرتكم القومية السورية برابطها و جعلت منهم سوريون يشتركون بدورة الحياة السورية و يتميزون بميزات الحضارة و الشخصية السورية

إذن الأمة السورية حقيقة قائمة راسخة ضاربة في التاريخ و رغم كل محاولات طمس حقيقة وجود هذه الأمة و التي بدأت لدى المؤرخين الإغريق مرورا بالإحتلالات المتتالية من إغريق و فرس رومان و بيزنطيين و مغول و أتراك و غيرهم . لم تستطيع التعتيم على شمس الحقيقة السورية التي أبت إلا أن تعبر عن نفسها و لازالت تعبر عن نفسها حتى الآن .... حتى التراب السوري يكاد أن ينطق و يخبر سكان سوريا عن هويتهم ...

بالعودة لمفهوم الأمة حسب النظرية السورية القومية الاجتماعية الذي يمكن اختصاره بتعريف سعاده (الأمّة جماعة من البشر تحيا حياة موحّدة المصالح، موحّدة المصير، موحّدة العوامل النّفسيّة الماديّة في قطر معيّن يكسبها تفاعلها معه، في مجرى التّطوّر، خصائص ومزايا تميّزها عن غيرها من الجماعات.)


نلاحظ أن هذا المفهوم الحديث للأمة ( القومية ) المستند لأدلة حسية تاريخية موغلة في القدم , يوّحد بدلا من أن يفرّق ، ولا يستبعد أحداً من المشتركين في الحياة على بقعة الأرض السورية . هذه القومية تساوي ما بين المواطنين، مما ينهي موضوع الأقليات, المسلم و المسيحي هما في نفس المرتبة بالنسبة لهذه النظرية القومية لأنها قومية علمانية تسمح بحرية الإيمان الشخصي، ولا تعاقب مواطناً لأنه ينتمي إلى دين أو عرق أو ما يسمى "بالأقلية". فالأكراد والسريان والأرمن و الأشوريين وغيرهم مواطنون متساوون.

هذا المفهوم للقومية يسحق التقسيمات الطائفية والعرقية التي اكتسحت مجتمعنا و قسّمته إلى مجموعات متضاربة المصالح فأصبح من السهل استغلال هذه الانقسامات من قبل الأعداء.


بعض الأدلة الواقعية الحالية عن حقيقة الأمة السورية :

-اتفاقية سايكس بيكو التي تعتبر وثيقة مادية حديثة على تقسيم ( الهلال الخصيب ) فإذا كانت هذه الدول لا تشكل أمة واحدة فما الحاجة لتقسيمها بموجب اتفاقية و باستخدام جيوش جرارة و مؤامرات استعمارية لازلت سائدة حتى الآن ؟؟

-عندما انهار نظام صدام حسين قام قسم كبير من الشعب العراقي تلقائيا بالقدوم إلى الجمهورية العربية السورية و أسسوا فيها مصالح و استقروا فيها و تأقلموا فورا في دورة الحياة

-أيام العقوبات الاقتصادية على الكيان الشامي في الثمانينات كانت العمليات التجارية وتأمين الحاجات يتم عن طريق الكيان اللبناني مما مكن الكيان الشامي من الصمود و عندما حدث الاقتتال بين مكونات الكيان اللبناني تدخل الكيان الشامي لإيقاف النزيف .

-عندما اندلعت الأحداث مؤخرا في الجمهورية العربية السورية كل الدول العربية و الغربية نفذت عقوبات على الكيان الشامي إلا الدول التالية ( العراق , لبنان الأردن ) بسبب تعذر أو استحالة إجبار سكان سوريا الطبيعة على عدم التعامل فيما بينهم لأن الأرض و الجغرافيا و المصالح تفرض هذا التعامل و لكن بسهولة يستطيع السوريون إيقاف تعاملهم مع تونس مثلا

- الكثير من سكان أضنة و لواء الأسكندرون مرسين و هي بقع تم اقتطاعها من سوريا الطبيعة أغلب سكان هذه المنطقة لا زالوا يعتبرون أنفسهم سوريون ولا يحدث العكس في مناطق الكيان الشامي المتاخمة للحدود التركية

- التنوع الطائفي و العرقي الكبير في المجتمع السوري و مع هذا حافظوا على حد معين من التماثل في نمط الحياة

- الأوابد الأثرية المكتشفة تبرز التوافق التام في فن العمارة الذي كان سائدا على كامل رقعة الوطن السوري الطبيعي

- التراث الفني المشترك بين كيانات الأمة السورية فنلاحظ وحدة تراث فني في هذه البلدان

- وحدة المصالح الاقتصادية بين الكيانات المؤلفة لهذه الأمة

خاتمة ( تنويه هام جدا )

إن هذه المقالات شؤون قومية سورية بأجزائها الثلاثة , ليست محاولة للنيل من أحد أو فكر معين و إنما مجرد إبداء رأي . و إن نقد النظرية القومية العروبية الذي ورد في هذه المقال ليس في إطار تسجيل نقاط أو الانتقاص من قدر أحد من العروبيين أو أخوتنا البعثيين الذين نكن لهم الاحترام فهم شركاؤنا في الوطن...إنما إبداء لرأي معين يتناقض مع رأي النظرية العروبية و هذا حق أي شخص ..

و بالنسبة للمفكر الكبير أنطون سعادة الذي استند المقال بكثير من ثناياه إلى كتاباته و إلى نظريته القومية الاجتماعية لم يكن أنطون سعاده ضد العروبة يوما

ففي أحد خطاباته في 1/3/1940 يقول ("إننا نحن السوريين القوميين، نوّجه كل قوانا فيما يختص بالمسائل القومية إلى أهداف امتنا نحن. أما فيما يختص بالمسائل المتعلقة بالعالم العربي كلّه فاني أعلن انه متى أصبحت المسألة مسألة مكانة العالم العربي تجاه غيره من العوالم، فنحن هم العرب قبل غيرنا. نحن جبهة العالم العربي وصدره وسيفه وترسه، ونحن حماة الضاد ومصدر الإشعاع الفكري في العالم العربي".)

ويقول أيضا في المحاضرة العاشرة 4 نيسان 1948

" إن القومية السورية هي الطريقة العملية الوحيدة والشرط الأول لنهضة الأمة السورية وتمكينها من الاشتغال في القضية العربية.

إن الذين يعتقدون أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يقول بتخلي سورية عن القضية العربية، لأنهم لا يفهمون الفرق بين النهضة السورية القومية الاجتماعية والقضية العربية، ضلوا ضلالاً بعيداً.

إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي. ولكننا نريد، قبل كل شيء، أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا. يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الاجتماعية لتستطيع القيام بمهمتها الكبرى".

(8 ,9)أنطون سعادة نشوء الأمم ص 167 ,168

مع الشكر الجزيل للأستاذ هانيبال ضيعة

2012-11-11
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد