news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
فشة خلق
الشكوى لغير الله مذلة... بقلم : محمد عبد الغني شبيب

الحقيقة لم أكن يوما موظفا في القطاع العام , ولا علم لي ما هو متوسط دخل الموظف, لكن لا يخفى على أحد أن الراتب الشهري للموظف في القطاعين – الخاص والعام – لا يكفي ,  وخاصة لمن تتكون أسرته من خمسة أشخاص وأكثر ويكون هو المعيل الوحيد لها .


سأروي لكم قصة لسائق أجرة , فقد ركبت سيارة الأجرة مضطرا , والسبب أن سيارتي الخاصة مع زوجتي وأولادي , وقبل أن أغلق باب سيارة الأجرة طلب مني السائق وضع حزام الأمان لأنه حسب قوله – لا ينقصه أيضا مخالفة مرورية – وعندما نظرت للرجل أحسست بأنه غاضب من شيء ما , فحاولت أن أجري معه حديث لعلي أخفف عنه قليلا , وأكسر حاجز الصمت , وأيضا لكي لا أشعر بطول المسافة فيمضي الوقت مسرعا, فسألته ممازحا عن سبب تجهمه؟ 

فقال : الشكوى لغير الله مذلة , وبعد إلحاح مني قال : أنه يعمل عملين (أحدهم وظيفة في القطاع العام والثاني في الخاص) فيخرج من منزله في السابعة صباحا , ويعود في الواحدة ليلا , ومنزله في الريف (مستأجر) وعمله في المدينة , ويقسم ما يقبضه فيذهب راتب العمل الإضافي أجرة للمنزل , وراتبه في القطاع العام لمعيشته , وعدا أن الراتب لا يكفي لنهاية الشهر , فهو لا يرى أطفاله إلا في العطل الرسمية  وانقطع عن المطالعة والزيارات الاجتماعية , ونسي النزهات والرحلات .

هنا قلت في نفسي ( هذا الموال حفظته , كلما ركبت سيارة أجرة , روى لي السائق قصته , فهذا لديه مهنة لا يكفيه الوارد منها , وآخر موظف لا يكفيه راتبه .... إلخ)

هنا سألته ألا يمكن أن يتدبر أموره براتب القطاع العام ؟ وهنا جاءت المفاجأة..!

بغضب قال لي : احسبها حضرتك , ( خمس أشخاص خليهم يأكلوا فلافل وجبتين باليوم , وأسامحك بالعشاء , إذا كانت سندويشة الفلافل بخمس وعشرون ليرة , يعني كل يوم 250 ليرة أي بالشهر 7500 ليرة سورية بدون أن تشرب معهم شربة ماء) وفاتورة الكهرباء والماء والدواء والهاتف والموبايل  وأجرة المنزل والمستلزمات المدرسية للأطفال والمنظفات والملابس والمواصلات  ووووووووو

هنا كنت أتمنى لو لم أسأله , لأنني أحسست أنه سوف يصاب بأزمة قلبية من شدة الانفعال , وسألته إن كان بإمكاني المساعدة في شيء - مع أنه الحال من بعضه -  فشكرني وحقيقة لم يقبل المساعدة المالية فترجلت من السيارة وودعته متمنيا له أن يصمد ويتمسك بمبادئه.

أقول : هذه القصة تنطبق على الكثيرين ولا يمكن لمن هم مثل هذا الإنسان أن يكملوا حياتهم هكذا خاصة مع تقدمهم في العمر, كما لا يمكن أن نجد الكثيرين ممن يعانون ويصمدون مثله لكي لا يقعوا في براثن الفساد , وإذا كنا سنحارب الفساد فلا بد أن نبحث أولا في أسبابه ومعالجتها .

وهنا أسئل جهابذة وخبراء المال والاقتصاد عندنا أن يحلوا لي هذه الأحجية ؟ مواطن عمل وكافح ودرس حتى نال شهادة علمية , وقام بتأدية خدمة العلم , وناضل حتى حصل على وظيفة , وكد حتى تزوج , ورزقه الله بالأولاد وبزوجة صبورة ومتفهمة تقوم برعايتهم وتدريسهم ,

كم من الوقت يمكنه أن يستمر بالعيش ومتابعة المكابدة شريفا وطبيعيا ومحترما بهذا الراتب...؟؟

 

 

2010-12-05
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد