استرعى انتباهي تقرير صدر مؤخراً عن المجلس الثقافي البريطاني British Council بعنوان: "التركيبة السكانية الخطرة: المرأة والقيادة والأزمة التي تلوح في أفق التعليم العالي".
وهو تقرير أطلقه المجلس في مؤتمر "التوجه نحو العالمية" Going Global 2014 الذي عقد في ميامي بفلوريدا في نهاية شهر نيسان الماضي. شمل التقرير مسحاً لست دول في جنوب آسيا هي الهند وباكستان وبنغلاديش ونيبال وسريلانكا وأفغانستان، وخلص إلى أن حصة النساء في مواقع السلطة والمسؤولية في التعليم العالي منخفضة بشكل مذهل، وأن هناك فجوة ما بين النوايا المعلنة والسياسات الممارسة عملياً، وأن الرجال يهيمنون على مؤسسات التعليم العالي في هذه البلدان.
ووجد التقرير أيضا أنه بالرغم من أن أعداد النساء الملتحقات بالتعليم العالي في جميع أنحاء جنوب آسيا آخذ في الارتفاع، لا يزال تمثيل المرأة في المناصب العليا القيادية والإدارية في التعليم العالي ضعيفاً إلى حد كبير،الأمر الذي سيكون له عواقب اجتماعية و اقتصادية كبيرة في المنطقة ما لم يتم التصدي له. ولا زالت المرأة تعاني من التمييز ومن هدر لمهاراتها ولمواهبها.
والجدير بالذكر أن منطقة جنوب آسيا تشهد توسعا كبيرا في قطاع التعليم العالي، وهناك خطط لبناء 800 جامعة جديدة خلال العقد المقبل، وهناك حاجة ملحة لإصلاحات سريعة في أنظمة التعليم العالي التي تهيمن عليها البيروقراطية والاعتبارات السياسية، هذا إذا ما رغبت في تجنب إدامة التفاوت الحالي إلى الجيل القادم.
وأظهر التقرير وجود اختلافات واسعة في وضع المرأة في المؤسسات الأكاديمية فيما بين بلدان جنوب آسيا وذلك تبعا لمراحل التنمية الاقتصادية التي قطعها كل بلد، وللحالة العامة للمرأة فيه. لكن القاسم المشترك هو هيمنة الذكور على المواقع القيادية في مؤسسات التعليم العالي في هذه البلدان.
يبلغ عدد طلاب التعليم العالي في الهند 12 مليون طالباً وطالبة ، 44% منهم من النساء. في حين تبلغ نسبة النساء من بين رؤساء الجامعات 3% فقط. وعلى سبيل المقارنة ، في المملكة المتحدة 14% من رؤساء الجامعات هم من النساء وفي السويد 43%.
وأظهرت دراسة أجرتها لجنة المنح الجامعية في الهند أن هناك فقط 300 ألف أنثى مسجلة في برامج الدكتوراه، وأنه غالبا ما تتزامن مرحلة الإنجاب عند المرأة مع سنوات الدراسات العليا، ما يؤدي إلى انقطاع في الدراسة. وأنه على الرغم من أن النساء في الهند يتولين مواقع مسؤولية عديدة ، إلا أن تقدمها في المسار الوظيفي بطيء نسبياً، وعادة ما يقتصر على المدن الكبيرة.
والملاحظ أن وضع المرأة في قيادة مؤسسات التعليم العالي في الهند أقل تقدماً مما هو عليه في المؤسسات الصناعية والتجارية. ففي حين أن المرأة بدأت بكسر "السقف الزجاجي" في جميع قطاعات الصناعة، لا تزال المواقع القيادية في التعليم العالي حكرا على الرجال. وعلى الرغم من أن الهند أقرت مؤخرا قانونا يفرض على مجالس إدارات الشركات العامة أن يكون في عضويته امرأة واحدة على الأقل ، لا يوجد حتى الآن تشريع مماثل بالنسبة لمجالس الجامعات.
وفي حين يسعى عدد من بلدان جنوب آسيا، بما في ذلك الهند وباكستان، إلى تعزيز مشاركة المزيد من النساء في التعليم العالي ، ما زال الطريق طويلا جداً أمام بلد مثل أفغانستان لتحقيق ذلك. فهناك، تبلغ نسبة الإناث إلى الذكور المسجلين في الجامعات الخمس فقط - رغم أن عدد النساء المسجلات في الجامعات ارتفع مؤخرا بشكل ملحوظ.
ولكن الشيء الإيجابي في أفغانستان، بحسب فوزية
الكوفي نائب رئيس الجمعية الوطنية في أفغانستان، هو التغير الحاصل في المواقف خلال
السنوات الخمس أو الست الماضية، مع ازدياد عدد الأسر الراغبة في التحاق بناتها
بالجامعات. وهي تعتقد أن أفغانستان تحتاج
مزيدا من النساء الأساتذة لأن ذلك من شأنه تشجيع المزيد من النساء على الالتحاق
الجامعات، مشيرة إلى أنه يمكن عد عدد الأساتذة من النساء في أفغانستان على أصابع
اليد الواحدة. وقالت أنه على الرغم من التغيرات في المواقف الاجتماعية ، إلا أن
عددا قليلا جدا من النساء يتبوّأن مناصب قيادية في الجامعة.
وتعتقد الأستاذة لويز مورلي Louise Morley ، مديرة مركز التعليم العالي وبحوث الإنصاف Centre for Higher Education and Equity Research في جامعة ساسكس في المملكة المتحدة، أن الإصلاح يجب أن يكون بالعمل على ثلاثة محاور رئيسية في آن واحد، الأول على صعيد المرأة نفسها بتشجيعها على أن تكون أكثر تنافسية وحزم. والثاني على صعيد المؤسسات، بتطبيق سياسات المساواة بين الجنسين وإصلاح الممارسات العملية التمييزية بين الجنسين. والثالث على صعيد المعرفة، بإبراز "التحيز" أينما وجد، وتغيير المناهج الدراسية لمعالجة هذا الأمر .
المرأة في المؤسسات الأكاديمية السورية
وإذا ما نظرنا إلى الوضع في سورية، وجدنا أن المرأة السورية قد حققت تقدما ملحوظاً خلال العقود القليلة الماضية على صعيد مشاركتها الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. فتبوأت مناصب رفيعة عديدة أبرزها منصب نائب رئيس الجمهورية، ومستشارة لرئيس الجمهورية، كما كلّفت بعدد من الحقائب الوزارية، وانتُخبت في عضوية مجلس الشعب، واحتلت عن جدارة عدداً من المناصب الهامة الأخرى. لكن التدقيق في وضع المرأة في المؤسسات الأكاديمية يعطي صورة مختلفة نوعاً ما.
فإذا ما نظرنا إلى جامعة دمشق كعينة ممثلة عن المؤسسات الأكاديمية السورية، نجد أن عدد طلاب المرحلة الجامعية الأولى في الجامعة في العام الدراسي 2012-2013 وفقا للمعلومات الواردة من مديرية التخطيط والإحصاء بلغ 155,204 طالبا وطالبة، منهم 86,355 طالبة أي بنسبة 56% ، وقد تجاوز عدد الطالبات عدد الطلاب في كل من كليات الصيدلة والعلوم والهندسة المعمارية والفنون الجميلة والآداب والتربية والإعلام والشريعة. فبلغت نسبة الطالبات في كلية الآداب 66%، وفي كلية التربية 75%. وهذا بحد ذاته يجسد التطور الكبير الذي شهده وضع المرأة في سورية على الصعيد الاجتماعي. لكننا إذا ما نظرنا إلى الدراسات العليا، وجدنا أن عدد طلاب الدراسات العليا الإجمالي في جامعة دمشق في العام الدراسي 2012-2013 بلغ 13,321 طالبا وطالبة، منهم 5615 طالبة و 7706 طالبا، أي نسبة الطالبات تساوي 42% وهي أقل بشكل ملحوظ من شبيهتها في مرحلة الدراسة الجامعية الأولى.
وإذا نظرنا إلى أعداد الهيئة التدريسية في جامعة دمشق، نجد أن نسبة عضوات هيئة التدريس من حملة شهادة الدكتوراه من بين مجمل أعضاء هيئة التدريس تختلف اختلافا كبيرا من كلية إلى أخرى. فهي تقارب ال 50% في بعض الكليات مثل الأداب والتربية، وأقل من 10% في بعض الكليات الأخرى كالهندسة الميكانيكية والكهربائية، وتكاد تنعدم في بعض الكليات مثل العلوم السياسية. وتبلغ وسطيا في جامعة دمشق حوالي 22%، وهي نسبة متدنية وأقل بكثير من نسبة الطالبات في المرحلة الجامعية الأولى وفي مرحلة الدراسات العليا.
أمّا على مستوى المناصب الإدارية العلمية في الجامعة، فإننا نرى أن نسبة رؤساء الأقسام من الإناث في الأقسام العلمية في مختلف كليات الجامعة تبلغ 19% تقريبا مع تفاوت هذه النسبة أيضا بين كلية وأخرى. ونسبة تبوّء المرأة لمنصب عميد تبلغ 10% . وهناك نائب واحد لرئيس الجامعة من الإناث من بين نوابه الأربعة.، كما لم يسبق لأي امرأة أن تبوأت منصب رئيس جامعة في أي من الجامعات السورية.
والجدير بالذكر أن المرأة في جامعة دمشق أثبتت جدارتها وكفاءتها الإدارية عند توليها للعديد من المناصب الإدارية العلمية كعمادتي كليتي الطب البشري والعلوم، والمناصب الإدارية كمديريات الشؤون القانونية، والعلاقات الدولية وغيرها. وعلى صعيد افتتاح الفروع الخارجية للجامعة في المحافظات الجنوبية وتجهيز البنى التحتية اللازمة لها كان لمديرة الشؤون الهندسية في فرع الجامعة في السويداء دور هام ومميز في العمل الدؤوب على متابعة تجهيز البنى التحتية لهذا الفرع من أبنية وقاعات ومخابر رغم صعوبة هذه المهمة بسبب انتشار كليات هذا الفرع على رقعة جغرافية واسعة نسبيا.
نلاحظ بناء على ما سبق انه رغم التقدم الكبير الذي حققته المرأة على صعيد مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في سورية، إلا أن مشاركتها في المؤسسات الأكاديمية ما زال ضئيلا وغير مرض. وكذلك الحال بالنسبة لمشاركتها في المناصب الأكاديمية الرفيعة، على الرغم من أنها أثبتت جدارة كبيرة عند تبوئها للعديد من المناصب الأكاديمية وغيرها.
قد يجادل البعض بأن عزوف الإناث عن العمل في المجال الأكاديمي ليس ظاهرة تقتصر على سورية أو دول جنوب أسيا بل تتعداها إلى العديد من دول العالم. فطول سنوات التحصيل العلمي الذي يتطلبه الدخول إلى الميدان الأكاديمي، والجهود الكبيرة والمضنية التي يتطلبها هذا الخيار، وتعارضه مع المسؤوليات الاجتماعية والأسرية التي تقع على عاتق المرأة في مجتمعاتنا ربما تكون من أسباب هذا العزوف. لكن لا بدَّ من دراسة عميقة لأسباب هذا العزوف بغية معالجتها. فالمرأة طاقة خلاقة، ولا بد من إيجاد حل مناسب لهذه المشكلة بالعمل على المحاور الثلاث التي أشارت إليها مديرة مركز التعليم العالي وبحوث الانصاف في جامعة سسكس، وإلا فإنَّ المجتمع يفقد فرصة الاستفادة من نصف طاقاته الكامنة، وهذا ما ليس باستطاعة دولة ناشئة مثل سورية أن تتحمله.
عن جريدة الوطن 27 أيار 2014
https://www.facebook.com/you.write.syrianews