news edu var comp
syria
syria.jpg
مساهمات القراء
عودة إلى الصفحة الرئيسية
 
الأرشيف
أرشيف المساهمات القديمة
مقالات
اليونســكو... رسائل متناقضة حول التعليم العالي ...بقلم : أ.د. وائل معلا،

استرعى انتباهي مؤخراً مقال نشر في مجلة عالم الجامعات University World News ، وهي مجلة إلكترونية تصدر في بريطانيا وتعنى بأخبار التعليم العالي في جميع أنحاء العالم. والمقال بعنوان : "اليونسكو ترسل رسائل متناقضة حول التعليم العالي"، تناول فيه الكاتب تصريحات لإيرينا بوكوفا، المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، بأن تركيز منظمتها على التعليم الابتدائي قد توسع ليشمل مزيدا من العمل لدعم التعليم العالي في العالم، موضحة أن المجتمع الدولي ركز لفترة طويلة جدا على التعليم الابتدائي فقط، وأن هذا هو السبب الكامن وراء رغبتها في التركيز على التعليم الثانوي والجامعي في الوقت الحالي، وأقرت بأن المنظمة تساعد الكثير من بلدان العالم على تعزيز أنظمة التعليم العالي فيها. لكن المطلعين من داخل المنظمة يخالفونها الرأي في ذلك.


والواقع أن الأبحاث الحديثة تؤكد أن مشروع اليونسكو الطموح "التعليم للجميع" Education for All ، الذي يهدف إلى توفير التعليم الابتدائي لكل الأطفال في جميع أنحاء العالم، قد توقف، على الرغم من أنه كان هناك تقدم ملحوظ في البداية بعد أن وضعت الأهداف التعليمية الستة للمشروع في عام 2000، لكن الدلائل تشير إلى أن القليل منها سيتحقق بحلول عام 2015 وأن العديد منها ما زال بعيدا عن المنال.وتمثل مبادرة "التعليم للجميع" التي أطلقتها اليونسكو خلال المنتدى العالمي للتربية في داكار عام 2000 التزاماً عالمياً بتوفير التعليم الأساسي الجيد لجميع الأطفال والشباب والكبار. فقد تعهدت 164 حكومة بضمان انتفاع الجميع بالتعليم، وحددت عام 2015 موعداً لتحقيق ستة أهداف تعليمية أهمها توسيع وتحسين الرعاية والتربية على نحو شامل في مرحلة الطفولة المبكرة، والعمل على أن يتم بحلول عام 2015 تمكين جميع الأطفال من الحصول على تعليم ابتدائي جيد ومجاني وإلزامي، وتحقيق تحسين بنسبة 50% في مستويات محو أمية الكبار بحلول عام 2015، و إزالة أوجه التفاوت بين الجنسين في مجال التعليم الابتدائي و الثانوي بحلول عام 2015، و تحقيق المساوة بين الجنسين في ميدان التعليم بحلول عام 2015، وغيرها.


وبغض النظر عما تحقق وما لم يتحقق من هذا المشروع المهم وعن التخبط الحاصل في التعليم الأساسي، تدعو بوكوفا إلى اتباع نهج أكثر شمولية يتضمن التعليم العالي والتعلم مدى الحياة، كما تؤكد إعطاء الأولوية لتدريب المعلمين والمعاهد الفنية والمهنية، وبرأيها فإن اليونسكو تساعد العديد من بلدان العالم على تطوير تعليم العلوم. كما أعربت عن قلقها من تأثير ظاهرة "هجرة الأدمغة" على الإجراءات الرامية لتعزيز التعليم العالي، إذ يتساءل كثير من البلدان فيما اذا كان من المفيد الاستثمار في التعليم العالي في زمن تستقطب ظاهرة هجرة الأدمغة الشباب المتميزين إلى البلدان الأكثر تقدما، مع وجود مبادرات تهدف لابتكار فرص بحثية ودراسية كفيلة بتحفيز الخريجين الموهوبين على البقاء في بلدانهم الأصلية.


والملفت للنظر (حسب ما أوردته المجلة) أن جورج حداد، مدير فرع بحوث التعليم والاستبصار التابع لليونسكو Education Research and Foresight Branch يرى أن هذه المناقشة حول التعليم العالي ليست سوى مجرد كلام ووعود ، وهو لا يعتقد بأن المنظمة تقوم بما هو مناسب. وفي تصريح له قال: "الشيء الأكثر أهمية لدى اليونسكو هو مجرد المظهر". وأضاف: "نحن نطرح شعار "التعليم للجميع" و "التعلم مدى الحياة" والوزراء سعداء لأنهم يسمعون ما يريدون سماعه"!


ونفى حداد أن تكون اليونسكو قد استعادت عملها في التعليم العالي بطريقة فعلية، مشيرا على العكس من ذلك إلى أنه تم تخفيض التعليم العالي بشكل كبير ودمرت شعبة التعليم العالي التي كان يرأسها بالكامل. ويضيف في معرض انتقاده لأداء اليونسكو في قطاع التعليم العالي : "لنتحدث بكل صراحة. كانت منظمة اليونسكو مختبرا للأفكار، بدليل ما أنتجته في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. أما الآن فقد أصبحت منظمة محافظة. الجميع يخشى العقوبات السياسية. وهذا العام مثلا سحبت الولايات المتحدة تمويلها للمنظمة بسب اعترافها بفلسطين كدولة".


ويهدف قسم بحوث التعليم والاستبصار الذي يرأسه حداد إلى إعادة عنصر التجريب إلى اليونسكو. وسوف يدعو إلى تقديم أفكار من جميع أنحاء العالم حول كيفية تحسين التعليم على جميع المستويات.
أما عن أسباب إجهاض الجهود السابقة في المنظمة لتحسين التعليم العالي فيقول حداد إن قوى جديدة بدأت تأخذ زمام المبادرة في اليونسكو كالصين على سبيل المثال، وأن هذه القوى ترى أن التعليم العالي ليس من الأولويات العالمية الملحة.


ومع ذلك فإن نشرات اليونسكو الأخيرة تتفق في الرأي مع بوكوفا حول ضرورة لفت الانتباه من جديد لأهمية قطاع التعليم العالي. وتظهر أحدث نشرة صحفية عن نتائج "مشروع التعليم للجميع" أن مساعدات مقدارها ثلاثة مليارات دولار للتعليم ما بعد الثانوي لا تصل أبدا لأنظمة التعليم العالي في الدول النامية، وتستخدم بدلا من ذلك لتمويل دراسة الطلاب الأجانب في الدول المانحة. وتشير إحدى الدراسات إلى أن تكلفة منحة طالب نيبالي واحد للدراسة في أحد البلدان المتقدمة، يمكن أن تعطي الفرصة لـ 229 طالبا للحصول على التعليم الثانوي في الوطن.


تأتي هذه الرسائل المختلطة في وقت مثير للاهتمام بالنسبة لليونسكو. فبوكوفا تنتهي ولايتها في منصب المدير العام لليونسكو في العام الحالي، وقد أعلنت الشهر الماضي رسميا ترشحها لولاية ثانية ، وهي تبرز أهمية الحاجة إلى استمرارية حملة "التعليم للجميع"، والتي تنتهي في عام 2015 ، كحجة لتعزيز موقفها. وقد حضرت العديد من الاجتماعات الدولية، بما في ذلك قمة الدوحة، لحشد الدعم من الحكومات بعد عام صعب على رأس منظمة اليونسكو في باريس.


وقالت بوكوفا في كلمة أمام المجلس التنفيذي لليونسكو في 8 تشرين الأول: "أنا مقتنعة أننا نستطيع إحياء الأمل في الاستقرار والمساواة في هذا العالم غير الآمن من خلال بناء مجتمعات قائمة على المعرفة والتي يكون كل فرد فيها قادرا على الاستفادة من المعلومات لتغيير العالم، مجتمعات تسودها حرية التعبير، ويحصل الجميع فيها على المعرفة والتعليم الجيد والتنوع الثقافي". وأشارت بوكوفا في عرضها إلى زيادة التركيز على تطوير مهارات العمل، والتعليم من أجل التنمية المستدامة. وكانت أهدافها المعلنة للفترة 2014 - 2021 الاستمرار في صياغة أجندة التعليم العالمية للوصول إلى أهداف مشروع "التعليم للجميع" ووضع التعليم في صميم جدول أعمال الاستدامة العالمي الجديد.


ويرى بعض العاملين في اليونسكو أن الشعور السائد دوليا هو أن اليونسكو لم تقم بما يكفي لتعزيز التعليم، بما في ذلك توفير التعليم للجميع، ويعود ذلك جزئيا على الأقل إلى مشاكل المنظمة المالية، والتي هي أشد من تلك التي تعاني منها بعض منظمات الأمم المتحدة الأخرى، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تقليص دور اليونسكو في قضايا التعليم في فترة ما بعد 2015، سواء أعيد انتخاب بوكوفا أم لا .


عندما طرح مشروع "التعليم للجميع" لأول مرة أشار العديد من ممثلي البلدان إلى أنه تم استبعاد التعليم العالي، ويقترح الخبراء أنه قد تكون هناك تحركات الآن لتشميل التعليم العالي في مشروع التعليم للجميع في فترة ما بعد 2015. ولكن حتى الآن لم تظهر أية قيادة قوية على الصعيد الدولي تعزز هذا التوجه. ويشير العالمون بخفايا الأمور في المنظمة إلى أن بوكوفا لم تقم في السابق بدفع التعليم العالي في أي من اجتماعاتها أو خطاباتها دوليا، وهو ما يعزز الاعتقاد أن توجهاتها الحالية المعلنة، على أهميتها وصوابيتها، إنما تندرج ضمن حملة انتخابية ليس إلا.


لا شك في أن منظمات الأمم المتحدة تقوم بدور مهم في دعم خطط التنمية في الدول النامية، لكن هذا الدعم يجب أن يتم بشفافية وبعيدا عن كل الأجندات السياسية. فلا يجوز لمنظمة هدفها المعلن دعم المشاريع التعليمية والثقافية والعلمية في خدمة التنمية البشرية والمجتمعية، أن تخضع في عملها لأي اعتبارات غير تلك التي يجب أن يحتكم لها العمل العلمي والتربوي والثقافي. ومن جهة أخرى، فإن خطة بوكوفا المعلنة في دعم التعليم العالي هي بلا شك خطة هامة جدا خاصة في هذا العصر الذي لقب بعصر المعرفة، لكن مراحل التعليم الأخرى هامة أيضا في بناء مجتمع المعرفة على أسس سليمة. وبالتالي فإنه لا بد من اتباع نهج شمولي تكاملي يولي لكل مرحلة من مراحل التعليم الأهمية التي تستحقها. ويكون ذلك مثلا بالنسبة لليونسكو بدمج التعليم العالي في مشروع "التعليم للجميع". وبالتالي لا بد من إعطاء الزخم اللازم لهذا المشروع الهام والعمل الدؤوب لتحقيق أهدافه المعلنة في الموعد المحدد لها.

 

 

عن جريدة الوطن ..

2013-01-18
أكثر المساهمات قراءة
(خلال آخر ثلاثة أيام)
مساهمات أخرى للكاتب
المزيد