السوريون أدرى بأسدهم، لذا لبّوا، لذا خرجوا، لذا هتفوا، فكان الثلاثاء موعدهم. وصادف يوم موعدهم يوم الانقلاب الصيفي، لذا خرجوا يعلنون انقلابهم ورفضهم لكل متآمر خائن وكل مفسد ظالم. كان ذلك يوم الثلاثاء الماضي، يومها استيقظتْ دمشق باكراً على غير عادتها، لتتزين بأجمل زينةٍ وحليةٍ، فاليوم عُرسها، والمهنئون منذ ساعات الصباح الأولى بدؤوا يتقاطرون إليها من كل صوب زُمراً و فُرادا.
خرج السوريون بعفوية على قلب رجل واحد، وكنتُ بين من خرجوا، في مسيرة الانتماء والولاء، الانتماء للوطن والولاء لقائد الوطن، خرجوا رغم حّر الشمس يعبرون عن حبهم كل بطريقته وإمكاناته، فكنت أراهم يتوافدون جماعات جماعات، يهتفون بأصوات تُسمِعُ كل من كان به صمم أن سورية لن تركع إلا لله، ويعبرون عن ولائهم لقائدهم ودعمهم لإصلاحاته بملء حناجرهم. رأيت من بين الجموع أماً تحمل رضيعها على صدرها، ورأيت رجلاً مُقعداً على كرسيه، ورأيت عجوزاً تحمل قرآناً في يمينها وإنجيلاً في يسارها، رأيت عائلات جاءت بصغارها وكبارها، رأيت الكثير الكثير من هذه الصور التي تثلج الصدر وتُفرح العين لأنها تدل على أصدق مشاعر الوطنية.
شعرتُ أن جميع هؤلاء الناس كان همهم الأكبر هو أن يعطوا دروساً في الولاء والانتماء لشعوب العالم قاطبة عربها وعجمها، فالولاء هنا والانتماء هنا صُنِعا في سورية. كيف لا والوطن سورية والقائد بشار. سورية الحُرة التي تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع، خرجت لتعلن ولائها لقائدها الذي ما قال لا إلا في تشهده، هذا الرجل الذي يعرفه السوريون صغيرهم وكبيرهم، يعرفونه بأنه القائد الذي إذا وعد صدق، فهم الأدرى بقائدهم وأدرى بأخيهم وابنهم، فهو نعم القائد ونعم الأخ والابن، فأهل الشام أدرى بشعابها وأهلها.
منذ تولي القائد الأسد زمام الحكم، أرادته أمريكا وأوروبا أن يسجد لهم أسوة بأقرانه العرب الذين أقاموا لآلهة الغرب أصناماً يمجّدونها في قصورهم كل يومٍ وليلة، لكنه لم ينحني ولم يركع ولم يسجد لهم. عندها راحوا يحاولون إغرائه تارة وتهديده تارة أخرى، فلم تُغريه مغرياتهم ولم يُرهبه تهديدهم، بل لم يُرعبه نباحهم ولم يُرجفه نعيقهم، وما زاده كل ذلك الإغراء والتهديد إلا إيماناً بمبادئه ونهجه وتعلقاُ بشعبه ومطالبه ورفضاً لمطالب الغرب وتدخلاتهم وإملاءاتهم.
واليوم تراهم قد تكالبوا عليه، ولكن الذي يُدمي القلب ويُدمع العين أنهم ليسوا وحدهم، بل تكالب عليه بعض أخوته العرب من دول النفط الأسود وجامعة الدول العربية التي أراد أمينها أن تكون سورية عراقاً آخر وليبيا أخرى كي تضاف إلى سجل إنجازاته العقيمة وتاريخه الحافل بالعار والخيانة، إيماناً منه أنه لن يصل إلى عرش مصر إلا بعد أن يصبح دراكولا آخر يمتص بنهمٍ دماء السوريين، كما وعده بذلك ربـّه الذي يجلس في البيت الأبيض!!. تكالبوا عليه ليسقطوه، فأسقطهم هم وبقي هو منتصباً حكيماً كعادته. وتجلت حكمته في مواقف ثلاثة: الأول عندما شعر أن المؤامرة تستغل مطالب شعبه لتأجيج نار المؤامرة، بادر بتسرّيع عجلة الإصلاحات. وعندما لم يعجب ذلك رؤوس الفتنة راحوا يقتّلون أبناء شعبه ويخرّبون وطنه، عندها اقتضت حكمته أن يُقحم جيشه وهذا موقفه الحكيم الثاني، فكان رجال جيشه نعم الرجال، فدخلوا المناطق التي طالتها يد الغدر، لإعادة الأمن والأمان لتلك المناطق، فابهروا العالم بمهمتهم الأمنية والإنسانية، فكانوا بحق رجال الله الذين إذا عاهدوا صدقوا. ثم تجلت حكمته أيضاً بموقفه الثالث بإظهاره عفوه عند المقدرة إذ كان في كل مرة يُحكم فيها قبضته على القتلة والمخربين يقول مخاطباً إياهم "إذهبوا فأنتم الطلقاء" وذلك إقتداءاً منه بجده نبي الإسلام عليه وآله الصلاة والسلام عندما دخل مكة فاتحاً.
لذا أبحر بنا أيها القائد وأرفع لواء المقاومة عالياً في وجه المستكبرين، لأن قدرك وقدرنا المقاومة، وهذا هو قدر أولياء الله والعظماء ورجالات التاريخ الذين يُولدوا ليُخلدوا ويُولد غيرهم ليموت. أبحر بنا وضع نصب عينك اليمنى قُدسنا وجولاننا ونصب عينك اليسرى شعبك الأبيّ، هذا الشعب الذي ما خذلك ولن يخذلك وسيظل يدعم مسيرة إصلاحك. فالغوث الغوث، والعجل العجل بإصلاحاتك و وأد دابر الفساد في سورية، لأن الفساد بكل وجوهه القبيحة هو من أوصل سورية إلى هذه المحنة القاسية التي تعيشها الآن. فالفساد، كما وصفته أنت، كالبرميل المثقوب الذي كلما ملأته وجدته فارغاً، وهذا هو حال الفاسد المُفسد، فهو كالبرميل لا شيء يُملي جوفه، فالإصلاحات وإن كثرت بل حتى الوطن كل الوطن لا يُشبع بطنه ولا يُملي جيوبه ولا يُروي ظمأه، لذا يجب استئصال الفساد وأعوانه حتى لا يظل ينخر كالسرطان في جسد سورية مهد المقاومة وعرين المقاومين.
أبحر بنا يا ربان الوطن وإن هاج البحر وتلاطمت أمواجه وعصفت رياحه، إمض بنا لأننا نثق بك وبنهجك وإصلاحاتك لأنك القائد الرجل في زمن عّز فيه القادة الرجال بل حتى عّز فيه أولئك أشباه الرجال. نثق بك لأننا لمسنا فيك القائد الذي إذا عاهد وفى وإذا تحدث صدق. نؤمن بكل ذلك لأننا أهلك وأهل البيت أدرى بالذي فيه، وهم وحدهم أدرى ببشارهم، بشارة الخير والنصر المبين بإذنه تعالى.
22/06/2011